يا عمال العالم، إتحدوا : من النداء إلى الضرورة.
الشعب نيوز / صبري الرابحي - عندما أطلق كارل ماركس هذا الشعار ودفع به داخل البيان الشيوعي لم يكن يقصد الإختيار بقدر تلميحه إلى الإضطرار.إضطرار كان يعلم أنه نتيجة حتمية لنهج رأس المال في خلق الثروة مهما كان الثمن.
فقبل أزيد من قرن ونصف كانت السيرورة التاريخية ملهمة إلى حد إستشراف مستقبل الرأسمالية، بل كانت المسألة أعمق من ذلك عندما دعا ماركس البروليتاريا إلى الإنتظام في جبهة موحدة ضد المد الرأسمالي الذي مازال إلى اليوم يفسد كل شيء، حتى قيمة العمل نفسها.
*واقع العمال في العالم:
من البديهي قبل كل شيء المقارنة بين واقع العمال في العالم ومن البديهي أيضاً الانتباه إلى التغيير الحاصل على مشاكل العمال عبر الزمن.
من حيث واقع العمال فإن كل المؤشرات تشير إلى تقاربها في المطلق بسبب حالة الركود والسياسات الاقتصادية المعتمدة تباعاً بعد أزمتي الرهن العقاري وأزمة كوفيد 19 واللتان جعلتا مواطن الشغل في تهديد دائم إضافة إلى هشاشة النسيج الاقتصادي وغياب الحوار الإجتماعي الذي قد يقدم بدائل حقيقية للخروج من هذه الأزمات.
أما بالنسبة للتغيير الحاصل على مشاكل العمال عبر الزمن فإنه فضلاً عن إستقرار هاجس البطالة كمشكل عام فإن الظرفية الحالية أوجدت مشاكل جديدة تتعلق أساساً بتخفيض ساعات العمل وهجرة العمال وإعادة تشكل خريطة العمل وفقاً للواقع الإقتصادي للدول المضيفة إضافة إلى بروز مشكل مستجد يتعلق بأنظمة التقاعد والحماية الاجتماعية التي أصبحت تنهك جيوب العمال دون ملائمة مع ما تقدمه الحكومات للمتقاعدين مما جعل هذا المشكل يتجاوز المتقاعدين فعلياً إلى المباشرين الذين أصبحوا يستشعرون هذا الخطر أكثر من أي وقت مضت ويستبقون الوقوع فيه عبر احتجاجات واسعة.
*أهمية القوى العمالية
مما لا شك فيه أن هذه القوى تشكل من منظور ليبرالي بحت وسيلة لخلق الثروة لذلك لم تبحث هذه التعريفات وغيرها عن الجانب الإنساني في قيمة العمل ليتحول العامل إلى مجرد وسيلة إنتاج تتحكم فيها البرجوازية وبالتالي يتحقق الإغتراب الذي تحدث عنه كارل ماركس مطولاً.
هذا الواقع المتواصل في الزمن يؤكد في كل مرة أهمية القوى العمالية، تلك القوى الكامنة التي بإستطاعتها تحريك عجلات الإقتصاد وخلق "الحلقة الحميدة" التي تعرفها منظمة العمل الدولية على أنها العلاقة بين الانتاجية والعمالة والتنمية والتي تفضي بالضرورة إلى الترفيع في الدخل وبالتالي القضاء على الفقر كهدف انساني مهم.
كما تساهم هذه القوى من خلال الانتاجية في دفع الإستثمار وتوسيع الأسواق وهو ما يؤثر بالضرورة على ظروف العمل ويؤدي إلى تحسينها وإنتعاش الحوار الإجتماعي.
لابد أيضاً من الإشارة إلى أهمية القوى العمالية في رسم السياسات العمومية وتوجيهها نحو رفع التشغيلية وتوفير مقومات العمل اللائق في صورة توفر الحد الأدنى من التشاركية التي أصبحت ضرورة أوجبها قصور العقل الحكومي في إيجاد الحلول الممكنة بصفة أحادية بمعزل عن النقابات.
*دور المنظمات النقابية
بالرغم من إقرار المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية الحرية النقابية وحماية حق التنظم منذ أواخر أربعينات القرن الماضي، إلا أن هذه المسألة مازالت تعرف العديد من التجاذبات المرتبطة أساساً بالواقع السياسي لكل بلد.
غير أن طبيعة العمل النقابي الذي من الطبيعي أن يتعارض مع المنوال الرأسمالي الذي يبحث عن كل شيء عدا المطلبية العمالية التي قد تؤثر على الإنتاج وتحد من خلق الثروة بالحد المجحف الذي يبحث عنه أصحاب وسائل الإنتاج، إلا أن هذه المنظمات لها دور مهم في تأطير الإحتجاجات العمالية وتعديلها. كما أظهرت في عديد البلدان أدوار متقدمة في الحوار السياسي ومأسسة الحوار بين الفرقاء خاصة بعد ثورات الربيع العربي وكانت تجربة الاتحاد العام التونسي للشغل في تونس تجربة رائدة في انجاح الحوار الوطني مما جعله يستحق عن جدارة رفقة شركائه جائزة نوبل للسلام والتي شكلت البصمة الفارقة للمنظمة النقابية التاريخية في تونس في الانتقال الديمقراطي.
اليوم أصبحت عديد المنظمات في العالم تطالب برفع التضييقات عن الحريات النقابية التي أصبحت تتجاوز سياقات المنوال الرأسمالي إلى سياقات سياسية تختار من خلالها الحكومات ضرب المفاوضة الجماعية وتحجيم دور النقابات العمالية وصدها عن دورها الراديكالي في الدفاع عن حقوق الشغالين إضافة إلى محاولة تحديد مربع تحركها وفقاً لإملاءات السلطة التي تجد نفسها بالضرورة خادمة لمصالح البرجوازية وهو ما يترجم تنامي الاحتجاجات العمالية في عديد الدول.
*ضرورة الوحدة العمالية
أصبح من الواضح أن تنظم سلطة رأس المال داخل تكتلات اقتصادية كبرى يراد به الحفاظ على تماسك هذا المنوال وتعزيز حضوره بصفة متكافئة داخل مجالات جغرافية واسعة.في المقابل أصبح توحيد النضال العمالي ضرورة قصوى فرضتها الأزمات المتتالية والتي أثبتت أن العامل أصبح مستهدفاً أكثر من أي وقت مضى وأنه صار يطلب منه بصفة فردية أن يتحمل بمفرده تبعات الأزمات الاقتصادية و أن يساهم في تقليل حدتها سواءا عبر زيادة ساعات العمل أو استقرار سياسات التأجير و تدهور القدرة الشرائية بموجب التضخم كنتيجة حتمية للركود الإقتصادي وفي غياب مرافقة اجتماعية حقيقية قد تخفف وطأة هذه الأزمات على العمال.
اليوم أصبح التضامن العمالي ضرورة قصوى بموجب وحدة التحديات والتي دفعت كبرى المنظمات إلى تكوين تحالفات دولية دائمة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي أوجبتها العولمة على واقع العمل في العالم اضافة الى تنامي الوعي بضرورة توحيد النضالات وتوجيهها لتفكيك مساعي الطغمة المالية المتصاعدة في تحويل العامل إلى كتلة لحم من فولاذ وإفراغ العمل من بعده الإنساني خدمة لسلطة رأس المال.
لذلك آن لعمال العالم أن يتحدوا قبل أن يستهلك السوق كل مجهود آدمي و يحوله الى بضاعة كاسدة في زمن صارت فيه الآلات و الذكاء الاصطناعي محفزات جديدة تثي نهم رأس المال نحو المزيد من الاثراء وتكديس الثروة وتعويض العامل-الانسان.
لمزيد من الأخبار حمّلوا تطبيقنا Echaabnews عبر AppGallery و فعّلوا زر الإشعارات ( Notifications) كي يصلكم كل جديدنا