نقابي

النقابيون يحيون ذكرى الزعيم محمد علي الحامي وقراءة في صورة لمحاكمته سنة 1925

الشعب نيوز/ متابعات -  يحيي النقابيون وعموم المواطنيين اليوم الاحد 18 جوان ذكرى وفاة زارع البذرة النقابية في تونس الزعيم محمد على الحامي في مسقط رأسه مدينة الحامة من ولاية قابس من خلال تظاهرة موسعة اعدت للغرض وشملت بالخصوص تنظيم معرض عملاق للصور المخلدة للزعيم محمد علي وباقي زعماء الحركة النقابية التونسية.

وقد تزين مقر الاتحاد المحلي للشغل بالحامة بالعلم الوطني التونسي وشعار الاتحاد العام التونسي للشغل وعلم فلسطين وعدد كبير من الصور. 

بالمناسبة،نعيد نشرمقتطفات موسعة من مقال جيد للاستاذ  عبدالحليم المسعودي يكتب عن صورة لمحمد علي الحامي (echaabnews.tn)  أثناء محاكمته سنة 1925.

دكربتاج : "لزْرقْ، حجَرْ الوادْ" ... أو الفهد الضاري بقلم : عبد الحليم المسعودي 
بديعة هذه الصورة الفوتوغرافية من ناحية الضوء والظلمة، وفصيحة على لسان الجدل القائم بين الأسود الداكن والأبيض الناصع والرمادي بدرجاته جميعها. وبديعة هي في غلالة بروتوكولها الحازم في الثبات المتفاعل مع لحظة الالتقاط التاريخي الذي لن يتكرر في ذهن الأوبيراتور، أي ملتقط الصورة وكأنه يدّخرها للشهادة والمشاهدة. والحزم الفوتوغرافي كامن في كون شخوصها في حالة من التهيّبِ المتفلّتِ والمُتنقلِ من وجه إلى وجه للشخوص الماثلة في الإطار.[...]

والصورة منذ الوهلة الأولى ضاجّة ببلاغة المدرسة الطبيعية (Le Naturalisme) التي تطبع الحقيقة كما هي وبمثل ما تسمحُ به حساسية العدسة, و ضاجّة أيضا بحشد من صور المجتمع البرجوازي و أساطيره الطيفية التي تُحيلنا إلى عوالم المحنة الدريفوسية (نسبة لقضية الضابط الفرنسي دريفوس Dreyfus ) وخزانات إيميل زولا Emile Zola في فن الفوتوغرافيا والرواية الطبيعية التي أحسن توضيبها كموثق أرشيفي محترف. وأني (شخصيا) وخارج كل موضوعية والتزام بالموضوع (أي موضوع؟) و أنا أتامل هذه الصورة تتردد في ذهني كالصدى و بشكل حفيفي عبارة إيميل زولا أو عنوان مقالته الشهيرة: " J’accuse …J’accuse …j’accuse " . [...]

 جودة عالية في التصوير الفوتوغرافي والكادراج
الصورة هذه من مجموعة صور فكتور سباغ Victor Sebag الفوتوغراف التونسي اليهودي الشهير، و قد التقطها في 12 من شهر نوفمبر عام 1925 في المحكمة الجنائية بتونس لمجموعة المتهمين من النقابيين والشيوعيين بتهمة التآمر على أمن و سلامة الدولة الفرنسية الاستعمارية. وتمتاز هذه الصورة بجودة عالية في التصوير الفوتوغرافي والكادراج وقد يعود الأمر لتمكن صاحبها من آلات حديثة للتصوير ويبدو أن هذه الصورة طلبية من طلبيات إدارة الإقامة العامة الاستعمارية التي كان يتعامل معها المصور نفسه فكتور سباغ أو ربما لبعض وكالات الأنباء الأوروبية.
تضم الصورة كل من الزعيم النقابي التونسي محمد علي الحامي مؤسس أول نقابة تونسية و المعروفة تحت اسم جامعة عموم العملة التونسية (La CGTT) جالسا و على يمينه النقابي مختار العياري و على يساره النقابي الفرنسي جون بول فينيدوري Jean Paul Finidori, رئيس الجامعة الشيوعية (La Fédération communiste) ومدير جريدة المستقبل الاشتراكي (L’Avenir Socialiste) . و من ورائهم وقوفا ثلة من المحامين التونسيين التي تذكر المصادر التاريخية أسمائهم كـــ صالح فرحات والطيب جميل و أحمد الصافي و المحامين الاشتراكيين الأجانب مثل كاسترو Castro و فواسان Foissin و ديران أنجليفيال Duran – Angliviel و فيفاني Vivani إلى جانب حضور البوليس الفرنسي.
وقد جاءت هذه المحاكمة على إثر الإضراب الذي قام به عمال منطقة بونتانفيل (برج السدرية) وفي معمل "تارم" (Thermes) لشركة الجير والإسمنت بحمام الأنف والذي اتهم فيه الماثلون أمام المحكمة بالتحريض على الإضراب والإشراف عليه والسعي إلى المس من أمن السلطات الفرنسية وبث الفوضى عبر الإضرابات, وقد كانت الاتهامات موجهة خاصة للثنائي الأخطر الحامي وفينيدوري ثم الثالث مختار العياري ..

 فينيدوري الكورسيكي المعروف لدى السلطات الاستعمارية بكونه الشيوعي الأخطر المحرض على الدولة الفرنسية الاستعمارية بتعليمات من الأممية الثالثة في موسكو وعلاقته الغامضة مع الفوضويين والمنادي جهارا نهارا باستقلال تونس والمعروف بشتمه للمقيم العام الفرنسي و الموصوم بالخائن بلده, بلده الاستعماري و رسالته الحضارية المقدسة .
محمد علي الحامي المشتبه فيه أصلا من السلطات الفرنسية لغموض مرجع مقدمه سواء المقدم التركي و علاقته بوزير الحربية العثماني أنور باشا و زعيم حركة الاتحاد و الترقي و المنتسب لجمعية تركيا الفتاة المعادية محوريا لفرنسا , و علاقته الغامضة بالأمير الدرزي شكيب أرسلان و تردد محمد علي "النادي الشرقي" و نشاطه الإسلامي الغامض في برلين إلى جانب مقدمه من معقل الأفكار الثورات الأوروبية برلين ومناخات الثورة الاشتراكية السبارتكية المغدورة بقيادة كارل لايبناخت Karl Liebknecht وروزا لوكسمبورغ Rosa Luxembourg .
محمد علي الحامي المشتبه فيه أصلا في علاقاته الغامضة بالشيوعيين والفوضويين وهو المتجرئ على تأسيس وتنظيم نقابي تونسي مستقل و متمايز عن النقابات الفرنسية و المنسلخ أصلا عن الكونفدرالية العامة للشغل الفرنسية CGT . تنظيم عمالي تونسي غامض الأهداف سياسيا في نظر السلطات الاستعمارية بعكس الأحزاب السياسية التونسية المهادنة كالحزب الدستوري (القديم) والحزب الإصلاحي (حسن القلاتي) اللاهثة وراء المفاوضات السلمية مع المستعمر.
مختار العياري، أحد أهم النقابيين الرواد المساهمين في تأسيس جامعة عموم العملة التونسية إلى جانب الطاهر الحداد و أحد توفيق المدني في 01 نوفمبر 1924 في إحدى القاعات بنهج الجزيرة . "العياري" الشيوعي المبكر، والنقابي المتمرس والخبير بتباين الاشتراكيين والشيوعيين، المولود في رأس طابية وسليل أولاد عيار وربعهم الشاهق في مكثر في مرتفعات سليانة بالشمال الغربي. وحضوره هنا في هذه الصورة باعتباره متورطا في التحريض على الإضرابات. محارب قديم في الجيش الفرنسي في الحرب الكبرى. نقابي في الترامينو (اشتغل مراقبا في شركة الترامواي) منخرط في الاتحاد الإقليمي للكونفدرالية العامة للشغل CGT ثم في الكونفدرالية العامة للشغل الموحد CGTU. مشرف على الجرائد الشيوعية الناطقة بالعربية و المندثرة سريعا (حبيب الأمة، حبيب الشعب، المظلوم), منظم إضرابات متمرس (إضراب شركة الترامواي، إضراب عمال الرصيف بتونس، إضراب عمال الرصيف ببنزرت) مبعوث الدعاية المحنك لجامعة عموم العملة التونسية في التحريض و التعبئة, المتدرب على الطرد و المحاكمات ...تلك هي الصورة العامة للماثلين أمام المحكمة و التي انتهت بنفيهم جميعا, محمد علي الحامي إلى تركيا و مختار العياري إلى مصر و فينيدوري إلى إيطاليا. والأهم من كل ذلك تنتهي واقعة هذه الصورة بالقضاء على أول إتحاد نقابي للعملة التونسيين لحما ودما. [...]

ثقب أسود يمتص الصورة كلها
ولكن الشخص الذي يكاد ينفلت من المشهد كله هو محمد على الحامي. كأنه ثقب أسود يمتص الصورة كلها، امتصاص سالب لقوّة جوّانية كامنة فيه، لها علاقة بهالة غموض لا مرئية محيطة. نظرته للعدسة هي الثقب الأسود الذي يبتلع المشهد كله رغم خدمة سحنته الداكنة للبياض بحكم التباين القائم بينه وبين نظارة وجه فينيدوري الذي يعكس الضوء كله والنصاعة التعديلية الهادئة لمختار العياري البوذية.

صورة محمد علي الحامي مربكة إلى حدود قصية في الغموض والتكتم. وجهه الملوح بالشمس وندبة خدّه الأيمن تكاد تنقض على الناظر له من العدسة. تحفزه الصارخ بصمت كأنه يتنفس كل الحقد وكل الغيض وكل الشعور بالانكسار والخيبة التي لا يدرك ممراتها إلا هو. مرارة يحسن محمد علي تكثيفها في هذه النظرة، نظرة الفهد الأسود الضاري. نحافة جسده نحافة جارحة ومسلولة كشفرة لتمزيق الآخرين، تمزيق الأجساد المكتنزة والشبعانة المتواجدة من حوله. وجهه المعظّم يكتنز كل الرسائل البليغة للشعب المتضوّر تحت نير الاستغلال والقهرو الحاجة.
نحافة محمد علي الحامي بلاغة في الفصاحة، فصاحة الصمت المطالب بالحق. اتقاد عينيه بتلك الطريقة الغامضة وهو ينظر للكاميرا حشدٌ من صرخات الاحتجاج والعصيان العام في الشوارع. حزنه البادي حزن الرجل المغدور والمخدوع من قلة السند وانكسار الظهير ومهادنته للمستعمر.
دكنة بشرته بمقابل البياض المنتشر في وجوه من حوله توقيع للغربة في الوطن رغم التأصل في ثنايا الحدب والصوب أي الجنوب منقوعا ككسرة خبز خشن في زيت مضيء. 
دكنة بشرته الاستثنائية في المشهد قاعدة المتربص بالعصيان وبالثبات وبالمجاهدة. أنها دكنة سُمرة , سُمرة زُرقة , زُرقة أولئك "الآفاقيين" المحترقين بالشمس في المنافي الداخلية الذين تسيرهم الأقدار في اجتراح المفاصل للحقب التاريخية حين يكونون الحجارة الزرقاء التي تُحدثُ القطائع في التاريخ , زرقٌ كحجارة الوادي الباقية على حالها في سرير الوادي بعد مرور فيضان الأحداث . سُمرة سحنة محمد علي الحامي سُمرة عاوية لو تناولها عبد الرحمان الكافي في ملزوماته لكان مطلعها:

" لزرق يا حجار الواد ...حار فيك الطحان والقواد "
... سمرة محمد علي الحامي سمرة أصلية أوتوكتونية تكاد تكون نفس السمرة أو الزرقة التي نراها في سحن محاربي الهنود الحمر من الآباش و الشيروكي , سمرة "الزنديانات " في الغرب الأمريكي البعيد حيث الأحلام يصطادها النائمون وهم منتبهون بشباك الريش.
سمرة متناقضة تماما التناقض الصارخ مع الأناقة المحتشمة، نصاعة القميص وتأنق ربطة العنق من بقايا الهندام البرليني. ثمة استنفار هادئ على وجه محمد علي، استنفار محير وملغز لا تلطف منه إلا طريقة وضع اليد على الركبة بتؤدة بذات الأنامل الدقيقة التي لم تلامس مفاتيح البيانو. اعتمار الكبوس التونسي على رأسه بتلك الطريقة " الفانتازية " استفزازية لنواميس تقاليد أكابر الحاضرة المولعين بالشاشية المجيدي و ألوانها القرميزية المخصوصة، هي طريقة تستبطن عادات التزيّي عند أبناء الشعب من عملة الرصيف و الفلاحين و الخماسة و الزوافرية و الزواولة.[...]
في الخارج الموعود في بهرة الضوء بعد ثلاث سنوات في الصحراء، الصحراء العربية الحجازية بين مكة و جدة, سيرى محمد علي الحامي حشودا من الصور بعين الفهد الضاري وهو يسلم الروح ... المتأمل في نظرات عيون العياري و الحامي و فينيدوري ليست نظرات غياب لموتى إنها شيء آخر فوق الشهادة بقليل .


صور أخرى من الاحتفالات تجدونها في : https://www.facebook.com/UgttPressGrou