مواطن العالم..من العولمة إلى الذكاء الاصطناعي.
الشعب نيوز / صبري الرابحي - نعيش اليوم في عالم سريع ومتغير، تتحكم فيه القوة والتكنولوجيا وتطبخ فيه القرارات في مطابخ عدة تمتد من المكاتب والبلاطات إلى المخادع الأميرية الحافظة للنسل الامبراطوري وحتى تلك المتمردة عليه.
يسهل توجيه العالم حسب ما يتوفر من قوة سواء كانت صلبة أو ناعمة أو متدثرة برداء الاغاثة الانسانية أو حتى الحروب المقنّعة، تلك التي يتم إختيار أشرارها بعناية فائقة.
في غفلة من كل هذا يتسلل خطر مستحدث، ناعم كاللقاحات نبيل في الظاهر كالمساعدات الانسانية، لكنه متوحش كإقتصاد السوق أو أكثر توحشاً.
انه الذكاء الاصطناعي ذلك المارد القادم على عجل في تلابيب العولمة والمساوم على مكانة الانسان وعمله وحتى تفكيره عندما يتحول كل شيءٍ قابلاً للانجاز بأدق من المجهود الانساني.
تُدخل بياناتك وتطرح الأسئلة وتنتظر من خادمك الآلي السيبرني أن يذعن لطلباتك حتى البذيئة أو الإحتيالية منها أو الموغلة في الغباء أو التغابي فيجيب في وقت قياسي أو يتمنع بلباقة، ويدعوك لأن تهذب طلبك بإيتيكات التكنولوجيا وأن تترك بلاهة الإنسان جانباً.
يبدو أنه من الضروري الانتباه إلى أن أزمات الإنسانية المتعلقة خاصة بالعمل تتلخص في ثلاث مراحل مفصلية.
الأولى عندما تحول العمل إلى سلعة لها ثمن لا يحترم في أغلبه الجهد الآدمي.
الثانية عندما صارت الآلات تزايد على الجهد الآدمي وتعوضه نسبياً في ما إستطاعت المكننة الوصول إليه.
أما الثالثة فهي الحالية وهي تعويض الإنسان بالذكاء الإصطناعي.
لقد صار من الضروري أيضاً الانتباه إلى أن ملايين مواطن الشغل صارت مهددة في العالم فقد تصبح مهن مهمة كالترجمة والكتابة الصحفية وتحليل المعطيات المالية والتخطيط ومتابعة الأزمات وغيرها، قد تتحول إلى إرث إنساني أو على الأقل إلى تراث الإنسان المفكر.
كما أن تحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة تفكير بديلة قد يتعاظم معها إنغلاق الإنسان على المعرفة وإنفتاحه على ما يمكن أن يتوفر له بواسطة التكنولوجيا.
إنسانياً، وفضلاً عن تفاقم الهوة بين الشعوب وإندثار جزء هام من ثقافاتها وحضاراتها قد يصبح الوجود البشري مهدداً أكثر فأكثر متى تأكد لبعضٍ أن وجود الكل ليس بتلك الضرورة التي أملاها الكون وأن عبء المجاعات والأوبئة وندرة المياه والهجرة قد يكون محفزاً للتخلص من جزء من البشرية خاصة تلك التي قد يسهل تعويضها بواسطة الذكاء الاصطناعي مثلما تم تعويض كثيرين بواسطة الآلات وتركوا للأوبئة والحروب التي كانت مربحة لأباطرتها كدأبهم في بيع كل ماهو إنساني.
ليس التوجس من كل مستحدث هو الدافع لكل هذا الحذر والخوف وإنما تجارب الإنسانية المتعددة مع كل ما من شأنه تسهيل حياتهم وزيادة أرباح إقتصادياتهم المتوحشة طالما كان له ضحايا سواء من الآفلين أو المستهلكين الذين لم يحن بعد موعد التخلص منهم.
الخوف كل الخوف أن يكون الذكاء الاصطناعي سريعاً في الحسم في هذه المسألة كسرعته في الإستجابة لأكثر الطلبات الإنسانية تعقيداً.
إنه الذكاء الذي سيتطاول حتماً على طيبة أو غباء الإنسان، لا يهم، المهم أنه خطر محدق بلا مبالغة.