ملف الهجرة: لعبة الإمبريالية وتكلفتها الإنسانية
الشعب نيوز / صبري الرابحي - يعرف عن العرب تجذرهم في التاريخ والأرض.لا يختلف اثنان حول الأصل والمهد وظل كثيرون في تفاخرهم بالأنساب واللغة الى ما بعد العولمة وتحول العالم الى ما بعد القرية ليصبح وحدة متصلة بوسائل التواصل الاجتماعي وانصهار مفهوم المجتمع الكلاسيكي بموجب التكنولوجيا والهجرة.
لكن ما الذي جعل الأوطان العربية طاردة لأبنائها وغيرهم؟
أين ذهب كل ذلك التجذر والانبتات في الأرض؟أم أن الأرض التي لا يسقى فيه الزرع يحق أن تهجرها الأشجار؟
* فكرة الهجرة وتأصيلها
عرفت دول الهجرة مرحلة البناء ما بعد الإستعمار بخطى متثاقلة غير قادرة على مجاراة ثقل الإستعمار الذي أفرغ هذه الدول من مواردها وحتى من مضمونها الثقافي وجعل من مرحلة البناء مرحلة صعبة لا تخرج عن إستتباع المنوال التنموي لقوى الإستعمار.
فوجدت أغلب هذه الدول البديل في الإقتراض والتحول رمزياً إلى مستعمرات مالية أو صناديق إدخار للدوائر المالية التي إتخذت من سيادتها وأحياناً مناطق واسعة من مجالاتها الجغرافية كرهينة أو كضمان بلغة البنوك.
لم تكن الشعوب إذن إزاء أفق إقتصادي رحب قادر على مزيد تجذيرها في أرضها فتحولت إلى ذوات تبحث عن الخلاص في المهجر بأي طريقة.
* تقبل المهاجرين في دول المهجر
لم تخرج هذه المسألة أيضاً عن منطق الإستغلال والنفعية الإقتصادية أمام قوة عاملة زهيدة الكلفة حولت العمل لصالح المستعمر من أرض الإستعمار إلى أرض الإستقرار والتي تعرف إنتعاشة واسعة.وتعتبر الهجرة محركاً بديلاً لتوربينات إقتصادياتها التي قد تتعطل لأسباب ديموغرافية أو بسبب عزوف مواطنيها عن بعض المهن.
لكن، هل تقبلت هذه الدول المهاجرين بكل أبعادهم الفكرية والثقافية وسمحت لهم بالإنصهار داخل ثقافتها الأم التي لم تتعود سوى الهدم لدى الآخر وبناء نفسها على أنقاضه؟
مازال بعض المهاجرون يحافظون على جذورهم الثقافية التي من الطبيعي أن تتأثر بالآلة الإقتصادية المدمرة لكل ماهو قيمي وهووي وصارت معركة الإعتراف بالتنوع الثقافي والحضاري تطفو على الساحة في كل مناسبة يحس فيها هؤلاء بالضيم رغم إحرازهم على جنسيات دول المهجر احياناً.
لكن تصعيد حكومات اليمين المتطرف ببعض الدول عرّت الوجه القبيح لهذا التيار السياسي الذي يتبنى نظرية الإستبدال العظيم ولا يتورع من بناء حملاته الإنتخابية الفوز وتغذية الخطاب العنصري تجاه المهاجرين.
* تحول دول المهاجرين إلى دول هجرة بدورها
أحد تداعيات الركود الإقتصادي ومخلفات أزمة كوفيد 19 جعلت من بعض دول المهاجرين تتحول بدورها إلى دول هجرة ونقصد هنا دول شمال إفريقيا التي إستقر بها مهاجرو دول جنوب الصحراء واللذين كان مسارهم الأساسي هو جنوب أوروبا.ليجدوا أنفسهم أمام إنسداد المنافذ وسخط بعض هذه الشعوب من تواجدهم بسبب سهولة الرفض أمام تقبل الآخر المختلف والذي إنبنى على تشتت القوميات ومحاولة هذه الشعوب نفسها تجزئة إنتمائها الجغرافي على أساس التوازنات الإقتصادية.
وبالتالي تحولت أراضي المهاجرين إلى أراضٍ غير قابلة على إستيعاب مهاجرين آخرين بواسطة فهم مغلوط لمسألة الهجرة التي أصبحت معضلة إنسانية تهم الجميع وتحرص القوى العظمى على حصرها في مجالات محدودة والإستفادة منها حسب الطلب.
لذلك وجب التحول نحو فهم أعمق لمفهوم الهجرة وحقوق المهاجرين والتيقظ من لعبة رأس المال في تحويل الهجرة إلى مشكل داخلي وتحصين فضائه من التكلفة الإنسانية للهجرة مقابل إستعداده اللامشروط لقبول قوى عاملة مطيعة تستجيب لمقتضيات نهضته الإقتصادية دون ثمن إنساني وإنما بخدع بدائية يحوّل بها الصراع من صراع من أجل الهجرة إلى صراع داخل دول الهجرة من أجل أحقيتهم في التسابق نحو دول المهجر.
كم كانت هذه الشعوب ساجذة تجاه البروبغندا الإمبريالية التي أطلقتها ونجحت في ترويجها بين الشعوب المستضعفة التي أحسنت إستهلاكها وخلصت إلى نبذ الآخر الذي يحمل نفس الظروف الموضوعية التي تدفعه إلى الهجرة فتحول الموقف إلى الإستعلاء على حلمهم الذي هو في الأصل حلم كل الشعوب وسط تحايل هذه القوى وإنشغالها بتكديس الثروة في مجالات محدودة مغلقة وإنتقائية لا قيمة للعامل فيها سوى قيمة مجهوده في خلق هذه الثروة.