الخوف كل الخوف ان تدفعنا الاستشارة الوطنية لاصلاح التعليم الى خيارات شعبوية
[ خصصت الزميلة آسيا العتروس، رئيسة التحرير في جريدة الصباح اليومية، افتتاحيتها المنشورة يوم الخميس 10 أوت 2023 للشأن التعليمي، خاصة ونحن نستعد لموسم دراسي جديد ولكن ايضا لاستشارة اعلن الرئيس اطلاقها يوم العودة المدرسية، فضلا عما يعيشه القطاع من انعكاسات التوتر الذي شهده الموسم المنقضي.
وبالنظر الى أهمية الافكار الواردة في هذه الافتتاحية، رأينا من الضروري نشرها في موقعنا علها تكون منطلقا للنقاش في مختلف المواضيع الي تشغل البال.][العنوان الرئيسي من اقتراح التحرير]
اصلاح التعليم..ملف لا يحتمل الخطأ.. بقلم آسيا العتروس
في زمن الذكاء الاصطناعي و التنافس الحاصل في الدول المتقدمة على الاستثمار في التعليم و في المؤسسة التربوية و في العقل البشري او المادة الشخمة على رأي الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، فان الحديث عن اصلاح التعليم في بلادنا مسالة مصيرية تتعلق بمستقبل الاجيال و لا مجال معها للتذبذب او الرهانات الخاسرة..
نقول هذا الكلام و نحن نتابع التصريحات الرسمية و تحديدا لوزير التربية السيد محمد علي البوغديري بشان المنصة الرقمية للاستشارة الوطنية لاصلاح التعليم وهو الذي سيحاسبه التاريخ سلبا او ايحابا في نهاية هذا الاختبار..و الاكيد ان المنصة الرقمية للاستشارة الوطنية من شأنها ان تضعنا امام جملة من التساؤلات الملحة حول صورة و طبيعة المولود للذي سيتمخض عن هذه الاستشارة و ما اذا سنكون امام فرصة جدية لإنقاذ المدرسة التونسية التي كانت حتى وقت قريب قاطرة تطور المجتمع قبل ان يصيبها ما اصابها من ترهل و انحدار ام اننا سنكون امام مغامرة لا نعرف الى اين ستقودنا بل ربما تكون نتائجها عكسية تماما لما يفترض ان يكون.
لا نريد استباق الاحداث و لكن الاكيد اننا إزاء واحد من الملفات الأخطر و الاعقد وهو ملف لا يقبل الخطأ و لا يحتمل سوء التقدير و الفشل في استقراء النتائج.. و الحقيقة التي يجب عدم اسقاطها ان الاستشارة الوطنية لاصلاح التعليم قد لا تكون الخيار الافضل للإصلاح في مجال يحتاج الى اهل الخبرة و الاختصاص لتحديد الاولويات لمدرسة المستقبل.. فليس سرا ان الاستشارة الوطنية السابقة بشان الإصلاحات السياسية و الدستور لم تشهد مشاركة يعتد بها..و الخوف كل الخوف ان تدفعنا الاستشارة الوطنية لاصلاح التعليم الى خيارات شعبوية تنتصر للغة الواحدة و لمؤسسة تربوية عفى عنها الزمن ..
لا خلاف ان اصلاح التعليم ببقى ام الإصلاحات و أساسها و بدونه تتراجع المجتمعات و تسقط في فخ التخلف و الجهل..ثم ان التعليم هو المقياس او باروماتر مدى تقدم الشعوب.. و لان المدرسة هي المخبر و مصنع الشعوب الراقية فان الاكيد ان اصلاح التعليم معركة لا تقبل الفشل حتى لا يأتي زمن يغيب فيه شعار" التعليم حق للجميع" لصالح "التعليم لمن استطاع اليه سبيلا"..
الواقع انه إزاء الازمات العميقة التي مر بها قطاع التعليم بين الهياكل النقابية و سلطات الإشراف المتواترة و الفشل الذريع في ارساء جسور التواصل و بناء مناخ الثقة بين مختلف الاطراف المعنية ما يجعل مشروع الإصلاح المرتقب الذي لا نعرف عنه القليل او الكثير محفوف بالمخاطر و التحديات... ندرك جيدا ان هناك اصلاحات عاجلة لا تقبل التاجيل و منها صيانة المؤسسات التربوية و تكوين الإطار التربوي و اخرى اجلة تتعلق باعادة مراجعة البرامج و تطوير المدرسة لتكون مواكبة لعصر الذكاء الاصطناعي..
و حتى هذه المرحلة لا نعرف القليل او الكثير ايضا عما اذا استعدت وزارة الإشراف للاختبار و ما اذا قامت بارسال وفود من الخبراء للاطلاع على ابرز و انجع التجارب في العالم للاستفادة منها في بناء الفكر الجديد للتلميذ و تجنيبه تحمل أخطاء وصراعات المسؤولين السابقين على تكوينه للمستقبل بدءا من اللجوء اطبع الكتاب المدرسي في الخارج في خضم الازمة الاقتصادية الخانقة وصولا الى ازمة الاعداد و انعكاساتها المتعددة على الجميع تلاميذ و مربين و سلطات الإشراف...
لسنا بصدد انكار جهود اي كان و لكن النوايا الطيبة لا تقود بالضرورة الى الجنة ..التعليم معركة مصيرية تحتاج الى إصلاحات مستمرة و رؤية واضحة و امكانيات ضخمة و التعليم هو امل البلاد المتبقي فلا تقتلوا فينا هذا الامل..لانه اذا خسرنا معركة التعليم فاقم على البلاد ماتما و عويلا.