قول في التقسيم الاقليمي : بعض الملاحظات للاستاذ محمد المناعي
الشعب نيوز/ تونس - اثار الامر المتعلق بتقسيم البلاد الى 5 اقاليم اهتمام العديدين، فأبدوا فيه رايهم. وفي النص التالي نقرأ مقالا علميا لافتا للاخ المناضل النقابي والجمعياتي محمد المناعي ضمنه عدة قراءات وافكار جديرة بالمتابعة. وقد جاء في المقال:
1 - التقسيم الاقليمي هو تصور تنموي وليس سياسي انتخابوي فقط ، تصور شامل يراعي الخصوصيات الطبيعية والبشرية والثقافية وخصائص التراب المراد تقسيمه من بنى تحتية و بنية اقتصادية و مدن وشبكات نقل وغيرها بحيث يكون الهدف من الأقلمة تحقيق هدف تنموي مثل ادماج مجالات طرفية مهمشة أو تصور لتوزيع الاستثمارات والحد من التفاوت أو غيره .
2 - مرت تونس بتقسيمات إقليمية عديدة أخرها ما نص عليه المثال المديري للتهيئة الترابية من تقسيها إلى 6 أقاليم ( شمال شرقي - وسط شرقي - جنوب شرقي - شمال غربي - وسط غربي - جنوب غربي ) والذي اشتغلت به الدولة التونسية سنين طويلة والهدف منه كان أساسا خلق قطب اقتصادي وتنموي ساحلي حول تونس والساحل وصفاقس ذو تنافسية عالمية وجاذب للاستثمارات الصناعية والسياحية والخدمية متصل بالخارج و خالق للثروة ومجال داخلي متصل به منتج للخامات من فسفاط وطاقة و كذلك المنتوجات الفلاحية ومزود باليد العاملة ...هذا الاختيار خلق مجال متناقض ومختل وكان من بين أسباب اندلاع الثورة التونسية .
3 - التصور الاقليمي العرضي اشتغل عليه الجغرافيون في الجامعة وكان الهدف منه بعث أقاليم تنموية متصلة بالساحل لاعادة ادماج المجالات الطرفية التي بقيت معزولة وما يمكن أن ينجر عنه من بعث شبكات للنقل وللخدمات المتنوعة تربط مكونات الاقليم وبالتالي البلاد بشكل عرضي عكس الشبكات الطولية التي كرّست التفاوت ساحل داخل .
4 - التقسيم الترابي التونسي له تأثير عميق حتى على الثقافة والتصورات ... فالانتماء إلى "البلاد" في عهد البايات أو إلى العرش (زلاص ، فراشيش، أولاد عون ...) عوضه الانتماء الجهوي ... فالتقسيم الترابي بعد الاستقلال خلق هويات جديدة ( باجي ، جندوبي ، صفاقسي ، قفصي ...) بالرغم من كونها تقسيمات ادارية بالاساس ...كما أن التقسيمات الاقليمية أيضا تحولت إلى هويات ( من الشمال الغربي ، من الساحل ، من العاصمة ...)
فالتقسيم الاقليمي والترابي له بعد ثقافي وهووي واجتماعي وساهم بشكل كبير في طمس جزء من الانتماء للقبيلة ليعوضه بالانتماء للاقليم ( في تونس تستعمل جهة أكثر من مصطلح الاقليم حتى باللهجة العامية )
5 - هناك عديد المقترحات التي قدمت مثل أقاليم مجردة ، قرطاج ، الوسط الكبير ، الجنوب ..) ومنها التقسيم الحالي المستوحى من هذا التصور للتقسيم العرضي .
6 - تستعمل التقسيمات الترابية للتحيل الانتخابي وساهمت في عدة بلدان في تغيير النتائج وهذا مبحث فيه الكثير مما يقال وعليه التقسيم الترابي لأهداف انتخابوية صرفة وليس لهدف تنموي اقتصادي أو بهدف اعادة تشكيل لظواهر اجتماعية أو طائفية أو قبلية سلبية في المجتمع ،هو تقسيم شكلي يراد به نتائج انتخابية وتحكم في المجال لا تنميته يعني أشبه بالتقسيم الاقليمي للأمن الوطني ولشبكة التطهير وأقاليم التصرف في التراث وأقاليم الستاغ ... هي لأهداف ادارية بحتة .
7 - من مخاطر التقسيم الاقليمي الحالي الكثير منها : تعميق الانقسام ( تحويل الجنوب بخصوصياته الطبيعية والبشرية والاقتصادية والقبلية وحتى بتوجهاته الانتخابية إلى اقليم واحد ...) هذا جغرافيا وترابيا وسياسيا يعتبر قنبلة اقليمية موقوتة تهدد وحدة التراب الوطني .
كذلك بعث اقليم حضري عملاق مثل العاصمة وزغوان فهذا الاقليم الذي يمثل ثلث سكان تونس سيزيد من ظاهرة تضخم الرأس في المنظومة الحضرية وتصبح العاصمة العملاق الحضري على حساب بقية المجالات وتعمق ظاهرة الاختلال الحضري الذي نعيشه اليوم .
من المخاطر أيضا بعث اقليم له ملامح الدولة يضم عاصمة (صفاقس) ومجال فلاحي (ظهير صفاقس وزياتينها ومجالات الفلاحة السقوية بسيدي بوزيد و واحات توزر...) وموارد باطنية ( فسفاط قفصة ) ....
ربط مجالات متباعدة ومتناقضة طبيعيا وبشريا وثقافيا و تنمويا مثل سوسة والقصرين ...
أيضا بدل تحويل سليانة الى سوسة ربما نقع في تحويل سوسة الى سليانة اذا لم نحسن التصرف وهي فكرة على خطورتها مغرية وتم الاشتغال عليها للأسف بعد الثورة في اطار ديمقراطية الفقر .
8_ الاقليم الذي لا يتمحور حول حاضرة رئيسية ( مدينة ذات اشعاع...) لن يتحول إلى اقليم وسيبقى تابع لنفوذ المدن الكبرى المجاورة ... فقابس لن تكف عن التبعية لصفاقس... ولا سليانة ستكون مجال لاشعاع سوسة بدل العاصمة وبدرجة أقل الكاف فالواقع أعقد من القرارات الادارية ...
9 - التقسيم الاقليمي ضروري شرط أن لا يكون هدفه سياسي انتخابي شكلي وأن يكون مصحوبا بتصور شامل للتنمية ولإعادة تشكيل التراب الوطني بهدف الحد من التفاوت واعادة توزيع الثروة عبر اعادة توزيع الشبكات والاستثمارات العمومية في التعليم والصحة وغيرها ليكون الاقليم اطارا لهضم التناقضات لا لخلق تباينات جديدة .
مرفقات:
خرائط مصاحبة لبعض التقسيمات الاقليمية السابقة والحالية والمقترحة