آراء حرة

: سياسي بالدرجة الاولى أكثر منه تنمويقراءة الاستاذة فتحية السعيدي للقسيم الترابي الجديد

 1. لم تقدّم لنا الدولة سياستها التنموية ولا أسسها ولا إمكانيات تحقيق التوازن بين الجهات والمساواة بينها، عدا التشجيع على خلق شركات أهلية هي في نهاية المطاف عبارة عن ريع اجتماعي جديد يتمّ من خلاله خلق قاعدة لنسيج اجتماعي حول الدولة

2. إن تقسيم البلاد إلى أقاليم ليس جديدا، فإقليم تونس، مثلا كان يضم الولايات الأربعة وله إدارة قائمة الذات تكفلت بالفيام بعديد المشاريع والدراسات. كما أن التقسيم الإداري في تونس قد تمّ في سياق مخططات وخيارات تنموية اتّخذتها الدولة عبر فترات من تاريخها. (تقييم درجة نجاعتها من عدمها موضوع يتطلّب دراسات معمّقة)

3. أي تقسيم إداري جديد، ما لم يكن قائما على رؤية تنموية وسياسة اقتصادية واجتماعية قائمة على العدالة بين الجهات والحد من التمييز بينها والسعي وراء تحقيق التوازن الديمغرافي والاجتماعي والبيئي والاقتصادي وتستهدف العدالة الاجتماعية بناء على رؤية واضحة لمنوال تنمية جديد له أهداف قابلة للقياس، هو تقسيم اعتباطي (بالنسبة لي) وقائم على حسابات سياسية انتخابوية ضيقة

4. انقسمت البلاد بمقتضى هذا التقسيم إلى خمسة أقاليم وبمعزل عن تسمية هذه الأقاليم التي غابت في الأمر المذكور فإن التقسيم الحالي يقرب من تقسيم جاء في دراسة قام بها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ITES سنة 2014 الذي اقترح تقسيما شبيها، وهو مبين في الخارطة أدناه ولكن بناء على معايير اقتصادية واجتماعية. والسؤال الذي يطرح هو: ما هي المعايير التي بُني عليها التقسيم الجديد، ولماذا لم يعتمد نفس التقسيم الوارد في الدراسة المشار إليها، على سبيل المثال لا الحصر؟

5. لم يتعرّض الأمر رقم 590 لسنة 2023 الذي تمّ نشره في الرائد الرسمي بتاريخ 21 سبتمبر 2023 إلى المسألة التنموية ولم يبين المعايير التي تمّ على أساسها التقييم، بل ارتبط إصداره بالشروع في الإعداد لانتخابات المجالس المحلية والحهوية وتصعيد أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم وقد جاء في أربعة فصول عامة

6. وللعلم، ينظّم المرسوم عدد 10 لسنة 2023 مؤرّخ في 8 مارس 2023 انتخابات المجالس المحلّية والجهوية والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. ويبلغ عدد المجالس المحلية 279 موزعين على 2155 دائرة انتخابية ويخصص مقعد واحد لكل مجلس لذوي الإعاقة، ويكون إجمالي أعضاء المجالس المحلية 2434 عضو

7. أخيرا، السياق الذي صدر فيه هذا الأمر، واضح وجلي للعيان، ولا أحد يمكن أن ينفي صبغته السياسية الرامية لانتخابات المجالس المحلية والجهوية ومنها يتم التصعيد لتكوين المجلس الوطني للجهات والأقاليم

خلاصة القول:

- اللاعب السياسي الوحيد هي السلطة التنفيذية ورئيسها

- سبات عميق للأحزاب، فالشعوبية قد نجحت في قتل الفاعل السياسي الذي بدوره يعيش حالة من الوهن والضعف

- التقسيم الجديد، لا يمكن فهمه إلا في سياق العملية السياسية الراهنة

- ما هي علاقة هذا التقسيم بالتنمية وهل يحمل في ذاته بديلا تنمويا أو هو بصدد إعادة إنتاج التقسيمات الفارطة، إجابة ستتضح في سياق الواقع وممارسته وستُتبين من خلال مخططات التنمية إن وجدت وتمّ كشفها للعموم لحظة اعتبارنا مواطنين ومواطنات لا رعايا وقطيع.

- هنيئا للفاعلين السياسيين الجدد الذين وجدوا في الشعبوية ملاذا لهم مع ملاحظة أن تونس للجميع ولا يمكن بأي حال من الأجوال إقصاء طيف واسع من هذا الشعب المتنوع والمتعدد. وقطعا، غدا يوم جديد.

فتحية السعيدي-22 سبتمبر 2023