وثائقي

الهادي الغضباني يكتب عن "وجوه ومواقف نقابية في الذاكرة" (12): محمد صيود وجريدة الشعب السرية

انجرّت عن اضراب الأساتذة سنة 1975 إجراءات تأديبية طالت بعض المضربين وبعض النقابيين من المدرّسين في عدة  أنحاء من البلاد. وفي هذا الإطار جاء الاستاذ محمد صيود إلى القصرين

لتعليم اللغة الانكليزية مصطحبا زوجته الأمريكية السيدة سندا.

وقد انجر عن الإضراب، الذي لم يتبنّه المكتب التنفيذي للاتحاد، حل النقابة الوطنية للتعليم الثانوي وفروعها في الجهات.

 وعندما جاء محمد الصيود كان الفراغ النقابي الاستاذوي قد خيم في الجهة. كان محمد يكثف اتصالاته بالأساتذة لحثهم على الانخراط في الاتحاد وتكوين نقابات...كنا نلتقي لماما في قاعات الأساتذة وفي مقهى القطاري بمدينة القصرين او في بيته او بيوت الزملاء من الانصار في أكثر الاحيان.

ومما قرب بيني وبينه علاوة على المهنة اني درست في المدرسة الابتدائية بالمهدية حيث درس هو. كانت له قدرة على الإقناع ليست متيسرة لغيره.. كثير الانصات لزملائه الا من هذر، وهو متحامل على الحيف، جنوح إلى الحوار، وطني حتى النخاع.

بعثنا النيابات النقابية في المعاهد وكوّنّا النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بالقصرين التي لم يترشح لها هو متعذرا كونه ينوي النقلة إلى المهدية ويفضل ان يكون أعضاء النقابة قارين في القصرين.

وهبت زوبعة جانفي 1978 وانقطع التواصل النقابي بيني وبين محمد صيود، إلى أن التقيته بين سنتي 1978 و1979 بالمعهد الثانوي للذكور بسوسة. كنا نتنقل من القصرين إلى سوسة لإصلاح مواد البكالوريا.

وماذا ترى ان يدور بيننا من حديث غير الحديث عن العمل النقابي في القطاع وفي البلاد. .وتركز الحوار على البديل النقابي في ظل ضرب الاتحاد.

احتدّ بيننا جدل حول نوعية البديل والحال ان القيادة الشرعية رهن الاعتقال.   ولحسم الخلاف ساد راي ببعث جريدة الشعب في نسخة سرية بديلا للجريدة الرسمية المهزلة التي كانت تصدر تحت اشراف التيجاني عبيد وزمرته من المنصبين"Les fantoches».

 لذلك أسسنا لجانا " للشعب السرية " في العديد من مناطق البلاد وكنت انا كاتب هذه السطور وسي الهادي الهرماسي استاذ الرياضيات من أبرز الناشطين فيها بولاية القصرين. نأخذ الكميات من الجريدة او يؤتى لنا بها من حيث لا ندري فنقوم بالتعريف بها وتوزيعها ويحدث ذلك في نطاق السرية التامة والتخفي عن العيون إلى أن قبض علينا ضمن من عثر عليه من اعضاء الجمعية واودعنا الطوابق تحت الأرضية بوزارة الداخلية بتونس..

هناك التقيت بمحمد صيود للمكافحة. كنت في مكتب التحقيق في أحد أركان الوزارة وادخل على الرجل منهوكا وعليه آثار التعذيب. سألني المحقق ان كنت اعرفه فأجبت بنعم وسألني عن العلاقة ضمن التنظيم وجريدة الشعب السرية فنفيت اي علاقة بالجريدة واكدت ان علاقتي به نقابية فقط واني لم اتسلم اي جريدة من عنده..

كما سأله المحقق عني فابتسم وظهرت آثار أسنانه المقلوعة وأكد ان العلاقة بيننا نقابية فحسب وانه لم يسلمني اي جريدة.

وقابلته بعد الافراج عني وعنه مرة في نزل السيليوم بالقصرين إذ جاء يسوقه الحنين إلى المدينة التي باشر فيها التدريس وأشياء أخرى في نفسه. وكانت تصحبه زوجه السيدة سندا.

اعترف أني اسأت التقدير إذ سألته عن ابنائه...ولم أكن أعلم انه أوان أحدهما عاقر، فتداركت قائلا ان الله عوضك بالكثير من الأبناء النقابيين. ابتسم حتى ظهر مضحكه الاصطناعي الجديد، وعقب انه يخشى ان يكون بعضهم ابناء عاقين.

وقابلته آخر مرة في أحد مؤتمرات الاتحاد العام وربما كان المؤتمر السادس عشر.  وكان محور حديثنا عن انتخاب الأخ الحبيب عاشور بالتصويت العلني ومباشرة من قاعة المؤتمر.. وكان رأيه ان ذلك مخالف للديمقراطية. وعلمت فيما بعد انه صوت ضد هذا الإجراء وتمت متابعته نقابيا.

فلما توفي حزنت كثيرا لفقدانه رغم ان السبل النقابية بيننا اختلفت.. ولكل امرىء حديث بعده.

الحلقة القادمة: المنصف اليعقوبي.

* الاخ محمد صيود نقابي التعليم الثانوي والاتحاد الجهوي بالمهدية الى يمين الاخ الطيب البكوش الامين العام من 1981 الى 1984.