محاكمات النقابيين/ سوسة 060 : نسجل أن الاتحاد اراد الحوار ولكن الطرف الاخر هو الذي رفضه
نراجع اليوم مرافعتي المحاميين الاستاذين فوزي بلعيد وعلي الكتاري في دفاعهما عن نقابيي الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة الذين اتهموا بالمسؤولية عن أحداث 26 جانفي 1978.وبالنظرالى جودة المرافعات ودسامتها فقد وصفها احد المحامين بانها عكاظية.
٭ الاستاذ فوزي بلعيد
بعد بضعة اشهر من الاحداث الاليمة نقف اليوم لنرافع ضمن قضية مؤسفة يمثل فيها عدد هام من المتهمين في اطار تلك الاحداث وقد استنكروها امام هذه المحكمة الموقرة عند الاستنطاق وقالوا أنّه لم يكن لهم اي دخل فيها ولقائل ان يقول هل ان ما اصاب بلادنا هو مجرد توعك بسيط ام هو مرض خطير لابد من استئصاله؟
والواقع انه لا تكفي المحاكمات لاستئصال هذا المرض الذي قد يكون موجودا في مجتمعنا الذي هو في حالة تحول دائب... والان وبعد ان وقع ما وقع، علينا ان نسأل لماذا وصلنا الى هذه الحالة؟ اعتقادي ان السبب هو رفض احد الاطراف الاجتماعية مبدأ الحوار والنقاش مع ان المعروف ان لا احد معصوم من الخطأ والرسول كان يقول (وجادلهم في الامر) واني اعتقد راسخ الاعتقاد انه لو وقع احترام هذا المبدأ لجنبنا البلاد احداث نوفمبر وجانفي ولجنبنا هؤلاء المتهمين من المثول امام جناب المحكمة هذه الايام.
ان الاتحاد قد اراد الحوار ولكن الطرف الاخر رفضه وان محاكمة النقابيين هي في الواقع تتجاوزهم لانها تعني محاكمة الاتحاد نفسه كذات معنوية في حين ان لا احد ينكر على الاتحاد الدور الذي قام به في بناء هذه الامة الى جانب الحزب طبعا وكان الاثنان متفقين ويعملان دائما اليد في اليد وغايتهما كانت واحدة وهي تحقيق كرامة البشر وكان عاشور ذاته تحمل المسؤوليات العالية داخل الحزب مما يدل على الانسجام الذي كان يربط الطرفين.
ومن جهة اخرى فإذا نظرنا للقضية، يتبادر الينا من خلال ما جاء في قرار دائرة الاتهام ان الاتحاد كان يسعى لكسب الحكم في البلاد على ان قلم الادعاء لم يستطع ضمن البحث ولن يستطيع التدليل على ذلك، فالاتحاد لم تكن له اي نية للصعود الى الحكم وفي القضية لا وجود لاي شيء يمكن ان يدل على ان الاتحاد قد اعد برنامجا وضبط خطة للسطو على الدولة ثم انه لو كان الامر يتعلق بمؤامرة في هذه القضية لكانت هذه المحاكمة ملتئمة في قاعة اخرى وفي ظروف اخرى.
وما دام الزملاء قد اتوا تقريبا على كل الجوانب الواقعية والقانونية للقضية، فانني اختصر المرافعة لأوكد بشكل خاص على سؤال هو كيف نسبت التهم للمنوبين والحال انهم لم يشاركوا في الاضرابات وكانوا اذ ذاك مرابطين بدار الاتحاد اثر الحصار الذي ضرب حولها، وكيف يمكن قبول انه كانت بحوزتهم ذخيرة من السلاح في حين ان الامر لا يتعدى مجموعة من العصي والاخشاب وعدة سلاسل وقوارير. في هذا الصدد لا يسعني الا ان اضم صوتي للزملاء الذين نفوا توفر اركان التهم الموجهة للمتهمين.
وختم الاستاذ بلعيد مرافعته بالاشارة الى انه منوبه عمر حسين كان جاء للاتحاد ليسعى للرجوع لعمله الذي اطرد منه وكان اذن في نيته ان يخرج منه لولا ان بلغه اختطاف احد النقابيين فخاف على نفسه من الخروج الى ان وقع القبض عليه.
٭ الاستاذ علي الكتاري
بكل فخر واعتزاز اشارك في هذه العكاظية (نبهه الرئيس الى ان المقام هو مقام محكمة وليس عكاظية والمحكمة تسجل ذلك فاجابه المحامي بان المقصد نزيه وصادق) ثم واصل:
ان ما تحقق في تونس في الـ 22 عاما من الاستقلال كان بفضل التفاف الشعب حول القادة ومن الاسف ان حدثت الانقسامات ومن اسبابها ان اطرافا رفضت الحوار، بينما من الحكمة ان يتكون شق ضد شق وان تتكون معارضة وهذا موجود حتى في كتاب الله بحيث ان فرض الرأي على فئة معينة واحتكار السلطة من فئة معينة من شأنه ان يعطل عجلة التاريخ ولذا لا بد من الاعتراف بوجود الاراء المتقابلة اي بمبدإ الحوار الذي هو اساس الحياة الديمقراطية واساس التوازن بين طبقات الشعب، ونحن نخشى ان يستفحل فرض الرأى على فئة معينة وعندها يعز علينا استفحال الامور وانه ليؤلمنا انه مازال يوجد في البلاد أناس من ذوي النفوس المريضة و(الهاتفين) والبيادق،، هذا المرض في النفوس لابد من استئصاله اذ الهوة اصبحت سحيقة بين افراد الامة وعلى حساب الكادحين والمعذبين.
وعندما نتكلم عن الاتحاد فلابدّ من اعادة القول دائما انه كان منذ بداية حركة التحرير يعمل جنبا الى جنب مع الحزب كانا في طريق واحد وما انتصر الحزب الا بالاتحاد والعكس، وقد قطعنا في ظل الاثنين اشواطا لا بأس بها بل نحسد عليها فاذا بنا اليوم في مفترق الطرق..
ثم قال الاستاذ الكتاري:
ان احالة هؤلاء المتهمين باطلة فهم لم يجرموا لا في حق القانون ولا في حق الناس ولقد قبض عليهم في دار الاتحاد حيث كانوا محاصرين يوم الاضراب (وكان اضرابا شرعيا) ومنوبي العجمي حفيظ لا يمكن ان تصح فيه التهم المعروضة لانه مثل البقية لا يحمل اي ذنب ومن المؤسف انني كنت طلبت إطلاق سراحه ولو مؤقتا يوم وفاة والده لتقبل التعازي ولكن النيابة رفضت الطلب مع انه بريء كل البراءة وحشر في القضية حشرا واني اطالب بالحكم في شأنه بعدم سماع الدعوى.