ثقافي

مسرحية الفيرمة الفائزة بالتانيت البرونزي: ذوات بشرية حطمها القمع دون مبررات

الشعب نيوز / حسني عبد الرحيم - قبل الدخول لهذا العرض المسرحي في فضاء "أرتيستو" وبعد قراءة إسم المسرحية التى ستشاهدها فورآ، سيتجه ذهنك وتفكيرك للرواية المشهورة ل"چورچ أوريل" (مزرعة الحيوانات) والتى ترجمت لأغلب لغات الأرض وكانت أساسآ لأعمال سينمائية ومسرحية عديدة وهي بالأساس ديسيوتوبيا في هجاء الحكم الشمولي!

كان أوريل اليساري السابق والمتطوع في القتال في الحرب الأهلية الأسبانية قد إستمد شهرته العالمية من روايات 1984 و"مزرعة الحيونات" اللتين تحولتا لشبه كتالوج في أثر السيطرة الشاملة على حياة البشر وعقلهم !

كان أمامه تجارب الثلاثينات في المانيا وروسيا وإيطاليا وأسبانيا التي كانت نهايتها الحرب العالمية الثانية.

ولكن أدب أوريل أصبح شيبه بوثيقة عالمية مضادة للقمع.

مسرحية" الفيرمة" لاتخرج عن هذا الإطار سوى بتحيينه وجعله ملموس ومشاهد على الرُكح وسط مشاهد تحيل على المشهد العام الحالي في عوالم النصف الأول من القرن الحادي والعشرين وفي بلاد تشبه بلادنا ودون تخصيص فاقع !

على الرٌكح هناك أربع شخصيات فنان مضطرب في ركن يجرب آلته الموسيقية وعلى الجانب الآخر مسؤول يبدو أنه لديه إختصاصات أمنية وأمامه بار مملوء بالمشروبات الكحولية المكلفة وببذلة كاملة وبينهما إمرأة مضطربة الإنفعالات وتهذي بما معناه إنها تستطيع الكلام وإبداء الرأي والدفاع عنه بينما تُطرح علاقة المسؤول بالفنان عندما يطلب من المرأة التي تهذي بأن تواظب على إعطاء الفنان المهووس الدواء!يتضح أنه شقيقه!

فى ركن آخر تظهر إمرأة أخرى يتضح إنها فتاة ليل وعلى علاقة سرية بالمسؤول وهى تمده بالأخبار ولكنها ضجت من الإبتزاز المستمر بينما يستعرض المسؤول قوته وسطوته يتجه لإغتصاب فتاة الليل بعد تناول حبتين من الفياغرا وهي تقاوم معلقة من يديها وتهذي من الألم بينما يغتصبها واضعآ على وجهه قناع حيوان متوحش ويتجه الفنان المضطرب ليلتقط مسدس ويقتل أخاه الضابط السادي !

العناصر الدرامية واضحة بين عجز الفنان الذي ينتهي بقتل الأخ المسؤول وإستغلال البغايا في التجسس على الحرفاء وإغتصابهن وتصويرهن وتحويلهن لمسارات مرعبة تحت التهديد!

المناخ الكُل كابوسي فلا يوجد سوى ضحايا للقمع يفقدون عقولهم أو حياتهم في نهاية المطاف وحتى المسؤول الأمني هو ضحية لأوضاع تأسست على القمع !الموضوع يسرى في كل مكان من أمريكا الجنوبية حتى الأصقاع الشمالية ونتائجه تحطيم الذوات البشرية دون مبررات في آليه تطحن من يقع فى نطاقها لافرق بين أخ شقيق أو أمرأة عاشقة او حتى غانية مضطرة لممارسة أقدم مهنة في التاريخ وتنزلق بألعنف لتصبح جاسوسة!

الإقتباس والنص والإخراج ل"غازي الزغباني" والذي قام بإقتدار بدور الفنان المضطرب وهذا الدور مختلف عن جميع أدواره السابقة والممثل "محمد حسين قريع" ليس في حاجة للثناء فهو مجيد دائمآ لكن هذه المرة جسد دور المسؤول الأمنى الذي يمارس القمع وهو بذاته يعتريه الإضطراب والبانارويا النفسية والسادية المركبة!"إباء الحملي" بفتنتها كانت الحبيبة التي تتطلع للحرية والكلام وهي في دوامة الإضطراب!

"يسرى الطرابلسي" مثلت دور الغانية الصبابة وكانت ضحية لإغتصاب مثلته بصدق وبراعة!يبقى دور ثانوي ولكنه هام هو دور العون الذي ينفذ أوامر القمع والتعذيب ومثله بدقة "أسامة غلام"!المسرحية تطرح مشكلة ومأسآة ليست متعلقة ببلد معين ولكنها عالمية الإنتشار من جوانتانامو لكل مكان في المعمورة ! هو موضوع تناقشة الدراما المسرحية والسينمائية دون توقف من قرنين على الأقل فهو مأساة مرعبة لاتتوقف !لكن حوار الممثلين هذه المرة كان بالعامية التونسية.