محاكمات النقابيين/ سوسة 062: إذا كان هناك انسان ينزعج من سماع كلمة نقابة فتلك مشكلته الخاصة
نصل بهذه المرافعة الى واحد من أنشط محاميي زمانه، الاستاذ فاضل الغذامسي الذي عرفناه صديقا، رفيقا وأخا خبرته الساحات الطلابية والحقوقية والاجتماعية. فقد نشط بكل قواه في الحراك الطالبي الذي نشأ منذ 5 فيفري 1972 دفاعا عن استقلالية الاتحاد العام لطلبة تونس وفي جمعية المحامين الشبان وفي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وفي كل القضايا الاجتمعية التي شهدتها تلك الفترة الزاخرة من تاريخ تونس.توفي رحمه الله في ريعان الشباب.
٭ الاستاذ فاضل الغدامسي
بعد ان عبر عن «اسفه الشديد لما قاساه المحالون واسرهم من مآسي ومرارة، استهل الاستاذ الغدامسي مرافعته بإثارة «نظرية اقضت مضجع الانسانية منذ وجودها وهي الحقيقة، لان وجودنا ـ الدفاع والمحكمة ـ هنا هو من اجل الكشف عن الحقيقة ومحاولة بلوغها.
ومن اهم خصائص الحقيقة انها واحدة في الواقع متعددة في العقول لتباين الرؤى وتناقض المصالح، ولكن هناك بعض العقول التي ترى «الحقيقة لنا والباطل كل ما خالفنا» هذا المفهوم هو الذي يقف ضد كل فكر معارض ويشكل عرقلة للفكر البشري ولتطور التاريخ والامثلة على ذلك كثيرة ومن ابرزها قاليلي الذي كان يحرق وهو يقول: «ورغم ذلك فان الارض تدور وابو القاسم الشابي والطاهر الحداد والمؤرخ الاول للحركة النقابية التونسية والداعي الاول لتحرير المرأة في كتابيه العمال التونسيون وامرأتنا في الشريعة والمجتمع وقد اضطهد آنذاك ومات مقهورا مثل الشابي ومحمد علي الحامي الذي نفى وسجن واحيل من اجل نفس التهمة بمقتضى نفس الفصل 72 ويضاف الى ذلك المحاكمات العديدة وخاصة في السبعينات.
على ان الامر لم يقف عند الفكر السياسي فحسب بل وصل الى العمل النقابي وهو موضوع قضية الحال بسوسة.
وما القضية المطروحة امامكم الا من ذلك القبيل لأني اعتقد ان هؤلاء المحالين من اجل عدة تهم ذنبهم الوحيد هو اخلاصهم في خدمة الطبقة الشغيلة ومصالح الشعب بصفة عامة وحرصهم على استقلالية الاتحاد.
لكن لماذا هذه المحاكمة؟ ولماذا وقعت احداث 26 جانفي؟ ارى من الضروري التعرض الى مقدمة قرار دائرة الاتهام ومرافعة النيابة ولست أدرى هل من قبيل الصدف انها تلتقي في العديد من النقاط الجوهرية مع ما جاء في بعض الصحف وخاصة من الكتاب الازرق ان الاسباب أعمق من ان تكون مجرد احقاد بين الحزب والاتحاد وهي في اعتقادي ثلاثة تاريخية واقتصادية وسياسية».
ولاحظ المحامي بان الازمة ستبقى قائمة طالما ان الحلول الجذرية لم يقع طرقها.
وتحدث المحامي عن احداث 26 جانفي وعن الكتاب الازرق وتساءل «كيف يمكن اتهام النقابيين بالمخربين وكيف يقع اتهامهم واتهام جريدة الشعب وهي التي كانت تقوم بالإعلام الموضوعي فاين هذه التهم؟
فلننظر مثلا لائحة الاطارات الحزبية التي كانت تنادي بطرد العناصر الدخيلة لنرى ان اللغة تطورت واحتدت وأصبحنا نرى البعض ينادي في اجتماع منظمة قومية بنصب المشانق للنقابيين.
وتكرس هذا المفهوم بمهاجمة دور الاتحاد في سوسة وقفصة والقيروان وتوزر وبالاعتداء على الاشخاص للقضاء على الاتحاد وهنا لا يسعني الا ان اسأل عن مال الشكاوى التي قدمها المتهمون وتحدث المحامي عن التهم المنسوبة الى المحالين على المحكمة وحللها تحليلا ضافيا وتساءل هل ان الاضراب جريمة «والحال انه الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها العمال للدفاع عن حقوقهم وإذا حصلت 452 اضرابات سنة 77 فهل هذا يعني ان هناك 452 مؤامرة على امن الدولة؟ كما تعرض إلى تهمة التجمهر لان المتهمين كانوا محاصرين في دار الاتحاد وان الذين هاجموهم وقاموا بالتخريب هم الغرباء عن العمل النقابي وضحايا سوق الشغل والمظلومون اجتماعيا واثار تهمة مسك السلاح قائلا ان اجراء ات الحجز باطلة.
وتعرض بعد ذلك الى موكليه الحبيب بن عاشور وعلي بن صالح والعجمي المثلوثي حالة ودحض عنهم كل التهم المنسوبة إليهم.
وختم الاستاذ الغدامسي مرافعته قائلا: ان المتهمين ولسان الدفاع والرأي العام ينتظرون منكم كلمة الحق لأنهم لم يفعلوا اي جرم ولا شيء يفيد او يثبت انهم أجرموا وذنبهم الوحيد انهم كانوا في منتهى الاخلاص للحركة النقابية التونسية.
وإذا كان هناك انسان ينزعج من سماع كلمة نقابة فتلك مشكلته الخاصة فلعلها مشكلة ذهنية ومن المفروض ان تحل هذه المشاكل خارج المحاكم وان تتعالى هذه الاخيرة عن هذه المشاكل وان تحكم محكمتكم بعدم سماع الدعوى وترك السبيل.