وثائقي

مذكرات العميد منصور الشفي(18) عن أزمة 1965:   أسماء في القضاء محمد فرحات ، محمد بالناصر والطاهر الاخضر

صورة عقبت اجتماع المجلس الاعلى للقضاء في بداية سنوات الاستقلال برئاسة الزعيم الحبيب بورقيبة وحضور الوزير الاول الباهي الادغم ووزير العدل احمد المستيري (البدلة البيضاء) وكبار القضاة 

 لفتت قضية الحبيب عاشور نظر وكيل الجمهورية العام محمد فرحات الى المنصف الحمزاوي فبقي راعيا لمسيرته القضائية. فبعد بضع سنوات قضاها في ترأس المحكمة الابتدائية بصفاقس ثم بضع سنوات أخرى ترأس فيها محكمة سوسة ألحق بالوكالة العامة للجمهورية بتونس ليصبح المساعد الأول لمحمد فرحات فيما أصبح عبد السلام المحجوب المساعد الثاني له وقد انتهى المنصف الحمزاوي في أواخر حياته المهنية مدعيا عاما لدى وزارة العدل ومديرا للمصالح العدلية وأصبح عبد السلام المحجوب رئيسا أولا لمحكمة التعقيب.

المهمّ أنّني وبعد بضعة أيّام عدت صحبة الحبيب عاشور إلى صفاقس لتسجيل مطلب إستئناف ولم تعيّن القضية أمام محكمة الإستئناف الاّ يوم 2 مارس 1966.

في الأثناء كانت قد وصلتنا الإستشارة التي حررها البروفسور لوفاسير.

فتولّت الجامعة النقابية للبريد برئاسة صديقي محمد عزالدين (وهو الذي أصبح فيما بعد عضوا بالمكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل وحُوكم اثر أحداث جانفي 1978) طبع هاته الاستشارة وقمت أنا والحبيب عاشور بحملها الى مكتبي ومن هناك تمّ توزيعها على العديد من النقابيين وعلى طلبة كلية الحقوق وبلغت الى باريس حيث قام الطلبة المنضمّون الى الحركة اليسارية «آفاق» بترويجها ونشرها بين الطلبة بل أكثر من ذلك فقد نظمت ملتقى حولها وكتب عنها بالمجلة التي يصدرها التنظيم.

ثم توليت على عجل أنا والأستاذ محمد محفوظ (وكان قد انضمّ للمحاماة) ترجمتها وطلب منّي المحامي محمد بن الناصر ان ينضم لي في الدفاع عن الحبيب عاشور كما اتصل بي الأستاذ الطاهر الأخضر وطلب مني ان كنت لا أرى مانعا في أن ينضمّ لي في الدفاع والترافع في القضية. أعلمت الحبيب عاشور بتطوع المحاميين الشهيرين اللذين كانا قمة الدفاع التونسي.

ولابد لي أن أقدّم للقرّاء هذين المحاميين المتميزين اما محمد بن الناصر فقد كان شبه مختص في القضاء الجزائي وكان قد باشر المحاماة في بداياته في مدينة قفصة حيث انتمى للحزب الحر الدستوري الجديد ودخل السجن هناك وكان يعمل مع أحمد التليلي وصديقا له ولم يختلفا الاّ نتيجة الخلاف اليوسفي البورقيبي اذ كان محمد بن الناصر على رأس المتحمسين لصالح بن يوسف في قفصة ممّا تسبّب في إعتداء البورقيبيين عليه وضربه الضرب المبرّح حتى كسرت يداه وكاد يقتل لولا أنّه تمكّن من الهروب.

واثر ذلك خشي على نفسه فانتقل الى تونس العاصمة هو وعائلته وبدأت شهرته في التنامي ولم يتردد في الدفاع عن المعارضين فقد دافع عن اليوسفيين في المحاكمة التي حكم فيها على بن يوسف بالإعدام غيابيا ودافع عن المحامين الذين حوكموا في بداية الستينات وعلى رأسهم العميد الخلادي والصادق بوهلال وحاول الدفاع عن عبد العزيز العكرمي في قضية مؤامراة 62 لكنه منع من دخول المحكمة العسكرية.

أمّا الطاهر الأخضر فقد كان زميل دراسة للمنجي سليم والهادي نويرة وانضم للمحاماة سنة 1936 حيث التحق بمكتب الأستاذ حسن قلاّتي للتمرّن به وكان اتجاهه بالخصوص للقانون المدني لكن ذلك لم يمنعه من القيام بمرافعات شهيرة في الجزائي لانه كان ذا فصاحة لافتة في اللغتين العربية والفرنسية وهو ما بوّأه المكانة الأولى في المحامة لمدة سنوات عديدة وقد انتمى هو الآخر لللحزب الحر الدستوري الجديد أواخر الثلاثينات وبعد ان زجّ ببورقيبة وبن يوسف وصحبهما في السجن انتمى للديوان السياسي السرّي وبقي معتبرا كمناضل وطني من الصف الأول.

الا انّه عندما أصبح محمد الصالح مزالي وزيرا أولا أيّام المقيم العام الفرنسي بتونس فوازار والذي جاء بالإصلاحات المزعومة والتي رفضها الحزب الدستوري فيما بعد، انخدع الطاهر الأخضر وقبل ان يكون وزيرا للعدل وبعد الاستقلال حوكم مع محمد الصالح مزالي سنة 57 من أجل خيانة الوطن وبقي بالسجن لمدة سنتين ونصف وأوقف عن العمل بالمحاماة لمدّة ست سنوات ولم يعد للمباشرة الاّ في أواخر سنة 1963.

كان هذا هو فريق الدفاع عن الحبيب عاشور في الطور الاستئنافي وكان لي شرف التنسيق بين أعضائه.