وثائقي

صراخ الخبزة المرة.

الشعب نيوز/ وسائط - كتب النقابي والاستاذ الهادي الغضباني مستذكرا بعض وقائع أحداث الخبز:  أفقت صباح ذلك اليوم الأول من عام 1984 على لعلعة الرصاص في مدينة القصرين..فركت عيني. فهل اكون احلم ولكن الجيران الحوا ان افتح الباب ..قالوا لي أن اخفي سيارتي في مكان آمن مخافة تعرضها الى الاحراق.. وان اتجنب النزول إلى المدينة التي تغلي وتصطخب...

كنت اسكن في حي شعبي يسمى الزهور، قرب عين القايد، ولم يكن لسيارتي مربض..قررت ان اهبط إلى المدينة في السيارة غير مبال بتحذير الجيران..واحاط بي قبل ان أتجاوز خط السكة الحديدية بعض الغاضبين وأشهروا على السيارة عصيهم والحجارة لينالوا منها ومني لولا تدخل جمع من المتظاهرين ممن يعرفون اني نقابي..حالوا دون الاذى الداهم وحموني والسيارة حتى وصلت مقر الاتحاد الجهوي للشغل...

التقيت بالنقابيين هناك...قررنا الالتحام بالجماهير..بلغتنا اخبار عن اتقاد جذوة الاحتجاج من الجنوب، من قبلي..ولم يحدث بعد شيء بالعاصمة..واتجهنا إلى قلب المدينة عبر الطريق الكبرى المؤدية إلى المحطة..كانت رائحة الرصاص المطلق تتسرب إلى الانوف.. وهب الجياع إلى مخزن السميد فاغتصبوه. رأيت نسوة يحملن على ظهورهن أكياس الطحين مهرولات غير مباليات..وهب نقابيون من النقل إلى حماية حافلات في المحطة من ايدي الغاضبين..

رأيت جمعا يجرون إلى كيوسك بلقاسم العسالي لأخذ كميات من المحروقات لاستعمالها في إحراق بعض الادارات والممتلكات العامة.. مروا إلى شركة موبلاتيكس للاثاث فباتت أثرا بعد عين ..وعزموا على إتلاف مقر شركة كمال الحمزاوي الا ان قوات الأمن والعسكر شكّلت طوقا لحماية الممتلكات الخاصة والعامة.

تشكلت مسيرة حاشدة انضم اليها الشبان والعمال ولفيف من مختلف الفئات من شعب القصرين الرافض للترفيع في سعر الخبز.. كانت امرأة قد توسّطت الجموع تحمل طفلها وتصرخ "الخبزة المرة..الخبزة المرة" فيتقد الحماس ..وقاد بعض الشبان المسيرة إلى حي النور وما ان شقوا خط السكة الحديدية حتى حاصرهم البوليس واصابت احد الشبان رصاصة اردته قتيلا في في الحين...وتكثفت سيارات قوى الأمن تلتها دبابات الجيش وانتشر حماة النظام لتشتيت المتظاهرين..

وخفّتت الحركة مساء وظلت المصالح العامة تحت الرقابة الشديدة..وتواصلت الملاحقات لكل مشبوه فيه واشتد الحصار على المحتجّين في تالة وفريانة..وانتقلت العدوى الوقّادة إلى بقية المدن حتى بلغت أوجها في العاصمة. وحدث ما حدث حتى أعلن الرئيس الحبيب بورقيبة قراره بالتراجع عن الترفيع في سعر الخبز.." نرجعو وين كنا"

انطفأت الجذوة..خرج المعتقلون من الايقاف..

كانت أم شهيد الخبز تصرخ أمام قبر ولدها "وانا من يرجع لي ولدي .."

الهادي.ع.غضباني (نصوص من الدفتر).