وثائقي

مذكرات العميد منصور الشفي: رسالة التليلي درس غير مسبوق في الديمقراطية وقدرة فائقة على تحليل الواقع

* صورة نادرة تعود الى سنة 1949 ويظهر فيها من اليمين الى اليسار محمود المسعدي، فرحات حشاد، الحبيب بورقيبة وأحمد التليلي.

يواصل الاستاذ منصور الشفي، في المذكرات التي ننشرها تباعا، الحديث، في فصل جديد، عن تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل ويتعرض فيه بالخصوص الى الرسالة المرجعية الشهيرة التي بعثها المناضل الأخ أحمد التليلي الى رئيس الدولة والحزب الدستوري الحبيب بورقيبة وما أثارته لديه من سخط وتحفظ.

يكتب الاستاذ منصور الشفي:

في 25 جانفي 1966 أرسل أحمد التليلي رسالة من منفاه الإختياري (1) بأوروبا الى الرئيس الحبيب بورقيبة وهاته الرسالة مكتوبة بأسلوب فرنسي رفيع وقد رصد فيها الأزمة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي كانت تمر بها البلاد أواسط الستينات وجاء في مفتتحها " في الوقت الذي يمرّ  فيه الشعب التونسي بفترة من أخطر فترات تاريخه يفرض عليّ الواجب ان ألح لديكم مرّة أخرى على مراجعة السياسة او على الأصح ـ ودون إنفعال ـ مراجعة طرق الحكم التي أردت بالبلاد اليوم في حالة من الخطورة تهدّد بجعلها في المستقبل القريب منسدّة الآفاق".

ويضيف في هاته الرسالة (إنّ نجاحنا في فترة الكفاح من أجل التحرير الوطني يعود في نسبة كبيرة منه الى عاملين قارين لم نهملهما قط وسرنا دوما على هديهما في عملنا وهما:

1) ان نظاما يفرض نفسه على شعب بالقوّة ويرفض تشريكه في التصرّف في شؤونه هو نظام محكوم عليه حتما بالفشل.

2) وانه لا يمكن تحقيق اي تقدّم يستحق الذكر في  المجال الإقتصادي والاجتماعي في نطاق نظام سياسي لا يكون فيه للشعب، وهو المعني بالامر، حق في النظر، أي لا يساهم في اخذ القرارات."

ولكي لا أخل بمحتوى الرسالة أو إعطاء فكرة منقوصة عنها فإني سوف لن أقوم بتلخيصها وانصح بقراءتها في نصّها الفرنسي - او مترجمة - وهي رسالة كانت بالفعل انشودة للحرية وللديمقراطية لو أعطاها الرئيس بورقيبة العناية التي تستحقها لاحدثت منعرجا في تاريخ تونس المعاصر.

أمّا الشعب ونظرا للتعتيم الذي كان سائدا طيلة تلك السنوات، فانه لم يتمكن من الاطلاع عليها، وعلمت فيما بعد ذلك بسنوات ان الرئيس بورقيبة لما أطلع على بعض الفقرات منها، اذن بتوزيعها على أعضاء الديوان السياسي ليطلّعوا بأنفسهم كيف ان أحمد التليلي يريد ان يظهر الاكثر ديمقراطية منه هو الحبيب بورقيبة.

إستمرت الأمور على ماهي عليه وقد أعلمني المرحوم الحبيب عاشور بأنه بلغ الى علمه أن أحمد التليلي بعث برسالة لبورقيبة يحلّل فيها الوضع السيء الذي آلت اليه البلاد. واعترف شخصيا أنني لم أطلع على تلك الرسالة الاّ سنة 1978 عندما نشرت جريدة الرأي(2) ترجمة لها ثم تسنّى لي قراءتها في نصّها الاصلي الفرنسي ثم قرأتها مطبوعة بمفردها وكانت مسبوقة بدراسة ممتازة عن أحمد التليلي كتبها بالفرنسية الاستاذ الحبيب بولعراس (3).

ثم قرأتها في الكتاب الذي أصدره الباجي قائد السبسي (4) عن الحبيب بورقيبة إذ نشرها لأهميتها في آخر كتابه من جملة الوثائق الهامة كما انها نشرت في كتاب (5) عن أحمد التليلي "في سبيل  الديمقراطية".

* الاستاذ رضا التليلي والباحث يوسف التليلي يقدمان عملا توثيقيا عن احمد التليلي الى الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وضمنه الرسالة المشهورة

هي رسالة تقع فيما يزيد عن الستين صفحة من الحجم الصغير، وقد أعدتُ قراءته عدة مرات وأعتقد انه لم يصدر عن اي مسؤول حزبي او نقابي نقد حادّ لسياسة بورقيبة بمثل ماكان عليه الامر في تلك الرسالة. ولا مفر لقارئها الان من ان يندهش من قوّة التحليل الذي كانت عليه ومن جرأة أحمد التليلي وشجاعته في مواجهة بورقيبة وتحميله، وحده، مسؤولية الفشل السياسي الذي آل اليه الحال في تونس.

-----------

(1) غادر البلاد في جويلية 1965 عند اندلاع ما يعرف بأزمة الباخرة التي سجن فيها الحبيب عاشور

(2) جريدة سياسية أسبوعية أصدرها في ديسمبر 1977 المرحوم حسيب عمار عما كان يعرف بمجموعة الديمقراطيين وتوقفت عن الصدور بداية سنة 1988.

(3) الحبيب بولاعراس، صحفي وكاتب أدار عدة مؤسسات، تولى وزارتي الاعلام والثقافة وتراس مجلس النواب، اصدر عدة مؤلفات منها تاريخ تونس

(4) الكتاب عنوانه "الاهم والمهم" صدر سنة 2008.

(5) كتاب اصدره الاستاذ رضا التليلي.