مسرحية "آخر البحر " للفاضل الجعايبي : "لعنة المخطوط " تلاحق ابطالها من اليمن السعيد الى تونس
الشعب نيوز / ناجح مبارك -
***على عاتق عاتقة مسؤولية محاكمة منظومة قضائية وصحية واقتصادية مختلة بعد الثورة ومحكومة بالفساد واسئلة عن مآلاته**
يعود الفنان الفاضل الجعايبي في مسرحية "آخر البحر" التي عرضها مؤخرا بفضاء الفن الرابع الى القرن الخامس قبل الميلاد ليقرأ فكريا وركحيا نص " ميديا لايروبيد" .
المسرحية اخرجها وكتب لها السينوغرافيا الفاضل نفسه لينتجها المسرح الوطني بالشراكة مع مركز فنون جربة الفاضل الجزيري الذي لم يترك رفيق دربه وحيدا والعلاقة بين الرجل "اسطورية " كما قال الجعايبي .
اختار صاحب " سهرة خاصة " النص سنة 2023 بعد ان اشتغل مع مسرح بوخوم الالماني على النص نفسه ومع رفيقة دربه جليلة بكار سنة 2010 ودخلت المسرحية في نسختها الالمانية "الريبرتوار " ,المرجعي للمسرح الالماني بعد عروض دامت ثلاث سنوات .
* ميديا من اليمن الى تونس
الامر يختلف مع " ميديا " العربية اليمنية في نسختها وقراءتها التونسية بعد اختار الفنان وغامر بالعمل مع وجوه تمثيل يتعامل مع جلهم لاول مرة باستثناء صالحة النصراوي وقد ادارها ركحيا منذ، عشرين سنة في مسرحية " جنون " وكان الاختيار على محمد شعبان في دور "ياسون "او حمادي الجازي ومحمد البجاوي وسهام عقيل وريم عياد .
فضل المخرج التعامل مع وجوه لها علاقة بعالم القضاء والتحقيق مثل ريم عياد المحامية تكوينا والمحققة او حاكم التحقيق تمثيلا .
يحكم الفاضل الجعايبي في "آخر البحر "بتلابيب السرد وتفاصيل القصة مستعملا ادوات التشويق وينسج خيوط المسرحية كقصة وحكاية بكل تفرعاتها وكان المشاهد امام سلسلة بوليسية وان كانت السلسلة البوليسية في حلقة تدوم 45 دقيقة فان مسرحية " آخر البحر " تدوم ساعتين وخمس وثلاثين دقيقة دون ملل ولكن المخرج بقراءة سينوغرافية و" صنعة " في التشويق وتوظيف لاصوات البحر في تناقضاته بين الهدوء والغضب مع موسيقى احمد بن جامي الموظفة في " محكم التوظيف " يجعل المشاهد اسيرا الى النهاية ولعل هذه المسرحية هي الاطول في اعماله .
* سردية بوليسية محكمة
ولكن ماذا عن " السردية البوليسية " في بلاد اليمن السعيد تعيش " عاتقة " صالحة النصراوي حياة عائلية شبه طبيعية مغلقة بين الجامع والمكتبة التي على ملك الوالد الشديد ولا المتشدد وفي المكتبة اطلعت على امهات الكتب مما مثل لها متنفس وعنصر انفتاح وعتق وما العتق الا تحرر وما عاتقة الا رمز لحرية الاختيار ونقول في اللغة عتقه اي حرره مع المسؤولية عند القول اخذ على عاتقه بمعنى تحمل مسؤوليته .
تتحمل " عاتقة " مسؤوليتها عندما تشاهد في المكتبة حمادي حمادي قدم من تونس يقدم نفسه صحفي باحث ويروم شراء مخطوط قرآني في تعويض الجرة الذهبية في النص الاصلي "ميديا " يرفض اهل البيت في اليمن وهم حوثيون شيعة البيع بيع المخطوط فتساعد " عاتقة " حمادي على مسكه والانفراد به وبعد تلمس ملابسه وتبادل قبلة تقرر الهروب معه الى تونس عبر البحر ففي تونس ثورة وتحرر وهي المطلعة على منجز بورقيبة ومجلة الاحوال الشخصية وفي السفينة تبدأ رحلة الدم من خلال قتل اخيها الذي لاحقها ليثنيها عن الهروب وتغيير المكان .
* البحر واسراره
الا ان في تونس نفقد الامل وتعيش الانتكاسة ذلك انه وبعد ان اشتغلت بالتعليم والعمل المجتمعي المدني تتاكد من خيانة الزوج الذي يعاني هو نفسه من ارهاصات طفولته وحياته التعليمية الاولى في مركز التكوين المهني وما حمادي الا رمز الفساد والاتجار بكل شيء ثمين من الاثار الى البشر وتشعر عاتقة بالمهانة فتقرر الانتقام بقتل الابناء وصهر زوجها من زوجة ثانية و بعد ان طلقها .
تنطلق المسرحية لا من صعود ميديا الى الشمس في ميديا النص الاصلي بل من رمي الابنين في البحر وما تبع ذلك من تدخل لاجهزة الدولة جهاز القضاء،و جهاز الامن وجهاز الطب النفسي تنطلق مسرحية " آخر البحر " بمشهد طويل نسبيا من طلاطم امواج البحر وقد احكم الجعايبي توظيف تقنية الفيديو لاول مرة صوتا وصورة لتصوير البحر وهو حمال اوجه من التناقض والعنف واللين احينا فالبحر محلوم به وحمال اسرار واجساد لا جسد الابنين بل اجساد المهاجرين والذي يشير اليهم المخرج في نصه بالتصريح لا بالتلميح. نكحتها صاجعتها * تعيش،"عاتقة "على وجع والم بعد ان اكتشفت الخيانة الزوجية لاول كلمة تنطق بها "_نكحتها ..ضاجعتنا "في لكنة يمنية رافقت الدور طيلة المسرحية وفي خمسة عشر مشهد او لوحة يبلغ التقابل والتضاد والصراع بين الشخصيات الثنائية مداه فقلما يلتقي الممثلون الخمسة في مشهد واحد .
كيف تتحرا ان تقتل ام ابنيها او ترمي بهما في البحر وتصور الاحداث كحجة وعمليات القتل بين ابناء العائلة الواحدة متواتر في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي ولكن "عاتقة "تعترف بكل شيء اي انها تتجاوز الحدث كفعل لتحاول التكلم وتبرير من داخل الشخصية وقد ادتها صالحة النصراوي ببراعة وحرفية .هكذا تتحول "عاتقة" الى امراة خالصة تتجاوز الأني لتقول ما يجب ان يقال فهي تروم القطع مع حياة الاطفال اطفالها حتى لا يمعنون في عذاب الحياة وآلامها وهي بذلك تقطع مع التواصل والاستمرارية للعنصر البشري .
* تجاوز الامومة الى امرأة خالصة
تجاوزت " عاتقة " الامومة لتتحول كما راي ايمن الدبوسي الباحث والطبيب النفساني الذي ساهم بالاستشارة في المسرحية الى " امراة خالصة " ومخلصة لبنية تفكيرها وهذا ما يتاكد عند حبكة طرادتها حول الذكر وفعل التدمير الذي يقوم به في الشارع والمنزل وفي الحضارات الذكورة مرادفة للفحولة والعنف والدمار اليس الحروب في غزة واليمن من فعل ذكر مدمر ؟ امام فعل كهذا فعل قتل ورمي في مجهول البحر يحتار اهل القضاء والامن والطب النفسي وعندما تتجاوز عاتقة" المراة الخالصة "المسالة الاجرائية تتحول هي نفسها وامام حاكمة التحقيق الى صارخة والى حاكم تحقيق يحاكم الراهن ويحاكم المجتمع مجتمع القسوة والعنف والفحولة المدمرة الم يتحول زوجها الى حاكم فحل بامره وفاسد مفسدا متحاوز للقانون متاجر بالاثار دون رادع ولا مسئل الم يمعن في تجاوز القانون عندما تمكن من دخول مركز ايقافها النفسي .
* اين العدل ومن يحاكم من ؟ حيرة الطبيب النفساني
بتقشف في المتممات والاكسسوارات الركحية عدا طاولة وكراسي ضربها الصدأ وكانها خارجة من رحيم ذلك البحر بعد ان القى بها الانسان الملوث في اليم وتتعدد وظائف الطاولة وكراسيها من وسيلة جلوس وكتابة اثناء التحقيق الى سرير علاج نفسي وتوليد للمعنى ولافكار عاثقة حول الرجولة والفحولة والموت والقتل ....
يحكم الفاضل الجعايبي التحكم في الركح وتوظيف ما علق به كما يحكم عملية دخول وخروج ممثله في حركات تراوح بين عنف المشهد وتقنية الفلاش باك بعد مشاهد من التحقيق عندما يلتقي حمادي ب"عاتقة "ليتذكرا لحظات صدق مغشوش وحياة التحام الاجساد والنطق بكلمات "العشق الممنوع"وكل يدور في فلك الممنوع قانونا ... تحتار حاكمة التحقيق في الامراء ان النصوص القانونية الجامدة لا يمكن ان تفهم وتدقق وتنطبق على واقع حال "عاتقة" فيكون الملجأ للحكم الطب النفسي والذي يحتار الطبيب المثلي فيها فتتحول حالة المتهمة الساحرة والماكرة الى موضوع خلاف فلا" مهبولة ولا مسؤولة "والطبيب النفسي نفسه يسقط عليها معارفه وهو الذي يبوح لها بواقعه كمثلي لم تسعه اخلاق المجتمع فيروم الالتحاق بابنه في كندا بعد ان هجره ابن آخر الى ليالي الحمامات وكل من الطبيب وعاتقة لهما علاقة ملتبسة بابنيه .
* اسئلة الثورة مآل محاربة الفساد
هذا حال البلاد والعباد في تونس ما بعد الثورة وقد اختار الفاضل الجعايبي في عمله الجديد "آخر البحر "ان يسائل سنوات مرحلة بين 2015 2023 سنوات حلم الجميع فيها بالكثير منذ اجتماع قاعة الفن الرابع في جانفي 2011 وطرح مع اهل الثقافة اسئلة ظلت عالقة عن المجتمع المدني الذي لم يجدد خطابه وعن آمال في التغيير اجهضت وعن قطف ثمار الثورة من الاسلاميين والمفسدين وعن سراب الثورة والتي كانت "عاتقة "تعلق عليها الامال في النهوض والقطع مع القروسطية فكرا وسلوكا واذا بها لم تخرج من المستقع .اسئلة مآل محاربة الفساد تطرح بقوة من خلال الجازي حمادي ومسكه بخيوط اللعبة وتوظيف كل دواليب الدولة لصالحه بالارتشاء ولا احد يوقفه الا مسدس .
تضع عاتقة الجميع وهي" المراة الخالصة "في ثوب اسطوري الكل امام مسؤولياته من القصاء الى الطب النفسي وحتى المحامية التي تم تسخيرها للدفاع عنها لم تفهم الامر ولم تتخلص من شعاراتها وهي التي لم تنجب وكذلك حاكمة القاضية العاقر في مواجهة حالة عاتقة فهي الفاقدة للامومة تحاكم ام وتحملها المسؤولية .وعاتقة تضع حمادي الطليق رمز الفساد امام مسؤولياته وتحرمه من متعة الابناء والانجاب ثانية وهو الذي اختار الانتحار بمسدس كان وسيلة عمل وخوف عنده ليختار المخرج ان يرمي ب"عاتقة "في المشهد الاخير في البحر وقد يكون البحر مطهر او وسيلة لم شمل مع الابناء وان كان البحر ذاته قد لفضهما .