وثائقي

الكاتب والمسرحي حكيم المرزوقي في آخر حديث له: لم أكن يوما مع أي سلطلة سياسية أو دينية أو ثقافية

الشعب نيوز/ متابعات - كأنه يسابق الزمن، كأنه يستعجل ساعته. حكيم المرزوقي أدلى لنا بحديث خاص أياما قليلة فقط قبل وفاته. أتى فيه على أشياء كثيرة حول مسيرته الشخصية وآرائه في العديد من المسائل السياسية والثقافية وخاصة ما تعلق منها بالمسرح.

الحديث أجراه الزميل محمد الهادي الوسلاتي ونشره في النسخة الورقية من جريدة الشعب في عددها رقم 1777 الصادر يوم الخميس 21 ديسمبر 2023 وفيه سأله عن اقامته في سوريا وعن مسيرته في مجال الكتابة والمسرح و عن أعماله بعد عودته الى بلده تونس .. 

* استاذ حكيم . لو ترسم لنا لوحة بالألوان عن البدايات .؟

الحقيقة أن ما أسميته أنت ب"البدايات"، لا أستطيع من جهتي تحديدها بالزمان ولا المكان، ولا حتى الهوية والمحتوى، أما إذا كنت تقصد العمل الإبداعي بالمفهوم الاحترافي المتعارف عليه، فلقد بدأت في دمشق أواخر الثمانينات في الكتابة والصحف والمجلات السورية والعربية المتواجدة بوفرة في لبنان وسوريا آنذاك، والتي استفادت من كثرة الوافدين والمقيمين واللاجئين العرب إليها، بالإضافة إلى الإعلام الفلسطيني ذي التوجه اليساري الثقافي الذي خدمت فيه.. وهنا أستخدمت كلمة "خدمت" ليس بالمفهومم التونسي المتداول، وإنما بمعنى أديت خدمات.

توالت وتشعبت الأعمال فيما بعد، وتوزعت بين كتابة القصة والشعر وقصص الأطفال في أهم المجلات المتخصصة ثم اتجهت نحو الإعداد والعمل الصحفي الذي استفدت كثيرا من خبرة رواده في نشريات معروفة كالسفير والحياة والنهار والصحف السورية التي حظتني بعواميد وزوايا ثابتة في الشأن الثقافي رغم أني لست بعثيا.. أكررها وأقولها لكل من يعتقد أني كذلك بحكم إقامتي الطويلة في سوريا، والمشاركة باسمها في مهرجانات وملتقيات عديدة.

أسست عام 1996 فرقة الرصيف المسرحي، ككاتب ومخرج ومنتج، عمل معي الكثير من الذين أصبحوا الآن نجوما، شاركت في مهرجانات دولية عديدة، حصدت الكثير من الجوائز مثل قرطاج 97، وكتبت للدراما التلفزيونية وللسينما والإذاعة، وترجمت إلى خمس لغات، وعرضت لي فرق مسرحية عديدة أعمالي.

أعترف أني قطفت الشهرة والنجاحات في سن مبكرة، لذلك تراني اليوم شبه معتكف وزاهد في الشهرة مكتفيا مبدئيا في العمل بالصحافة العربية المهاجرة في لندن.

,* عشت كثيرا في سوريا و كتبت واخرجت عديد المسرحيات . لو نسألك عن هذه التجربة ؟

أنا مؤسس أول فرقة للمسرح الخاص في سوريا، غير التجاري طبعا. في رصيدي 14عملا وعمل عشرات النجوم وأول من كتب بالعامية السورية في المسرح، رغم أنها ليست لغتي الأم كما أن تجربتي وقع تناولها على شكل رسائل أكاديمية في أكاديميات مثل سوريا ولبنان والأردن، بالإضافة إلى تجربتي في تدريس الدراماتورجيا، كوني عضوا مؤسسا للاتحاد الدولي للفرق المسرحية المستقلة في زوريخ بسويسرا عام 1999.

* بعد سنوات من الاقامة سوريا نحس أنك تعيش الغربة في تونس ما هي الأسباب .؟

أنا كثيرا ما استخدم بصورة عفوية كلمة "انتقلت إلى تونس" بدل عدت أو رجعت، ذلك أني عشت في بلاد عديدة بالعالم بالإضافة إلى دمشق التي شكلت لي المرجع والمنطلق.

في تونس عشت حالة احباط وصلت حد الاكتئاب بسبب ظلم ذوي القربى والكم الهائل من التهميش والمحاربة التي تعرضت لها حتى من طرف ما كنت اعتبرهم اصدقاء ومبدعين ومقربين.

الآن تجاوزت هذه الحالة وأحس بالانسجام والامتلاء مع نفسي بحسب ما توصلت اليه من فهم خاص للعمل الإبداعي. لم ينقطع طموحي طبعا، ولم تهن عزيمتي بل أطمح لأرقى الجوائز العالمية، لكني لن أتنازل ولن أضعف ولن أهادن عديمي الموهبة الذين يتحكمون في الثقافة ببلدي.

أنا حكيم مرزوقي المعروف شرقا وغربا ولا يقدرني إلا المبدعون الحقيقيون بدليل الاعترافات والتكريمات التي تأتيني من مختلف أصقاع الأرض.

*أستاذ حكيم يقال أن الفنان بشموليته علاقته بالسلطة تبدو دائما ملتبسة ومتنافرة و على صراع .لو نسألك .هل من توضيح .؟

لم أكن يوما مع أي سلطة سياسية كانت أم دينية أم ثقافية، واستمريت في الوقوف إلى يسارها أينما حللت. ولا أريد التحدث عن عدد المرات التي توقفت فيها ودخلت السجن في 3بلدان عربية، وكم عديد المرات التي استهدفت فيها في رزقي وعائلتي، ولن ألعب دور الضحية وأتحدث عن بطولات.. الكثير يعرفني ويشهد بمواقفي، أنا الذي عشت 3حروب متتالية في العراق ولبنان وسوريا، وفي كل مرة أخرج منتصرا على الخوف والمذلة والحياة خارج مفهوم الرجولة بمعناها الانساني الواسع وليس الذكوري.

*يقال يوجد المسرحي العضوي والمسرحي المهادن والمسرحي الصامت والمسرحي المشتبك .اين نصنف حكيم المرزوقي .؟

كن فنانا مبدعا أولا، ومن بعد ذلك اصطف مع من تشاء حتىمع القردة والشياطين. المشكلة أن لدينا "كواتروات" أي إطارات من غير صور، ومفاهيم من دون محتوى.

أنا أقترب من الناس والحقيقة والمتعبين بقدر ما أقترب من نفسي، لذلك أسست "مسرح الرصيف" عام 1996 مع المخرجة السورية رولا فتال، رفيقة دربي وتجربتي لعدة سنوات، وبدأ بالعمل معي ممثلون كثيرون هم اليوم من نجوم الصف الأول في الأعمال الدرامية.

"الرصيف" حكاية بدأت كعنوان لنشرية ثقافية جمعتني بأسماء صعاليك عرب مثقفين ومقاتلين مع فصائل المقاومة الفلسطينية في بيروت أيام الحرب ثم تطورت لتصبح اسم الفرقة التي أسستها وعرضت أعمالها في شتى أنحاء العالم.

الرصيف هنا ليس فضاءا للعرض، لكنه مفهوم يعني بالمنسي والمسحوق والمكمم والمحرم، كما تدل عليه جميع أعمالي المسرحية.

*لو نسألك عن المشهد المسرحي التونسي اليوم وهل توجد مدرسة مسرحية تونسية ؟

ثمة تجارب لأشخاص وقامات بعينها وليس لمدرسة أو ملامح أو ما شابه.

هذا وهم يجتره إعلاميون جهلة وبعض الأغبياء فلا ينبغي أن نضع الجميع في سلة واحدة لمجرد أنهم يحترفون المسرح أو أنهم تونسيون. أنا أمثل نفسي وليس جيلي رغم بعض الملامح العامة.

أنا الذي كتبت وتعذبت و"تمرمدت" وليس كل المحسوبين على اليسار أو الاغتراب أو المسرح، وأعتقد أن ما يميزني هو أني لا أشبه إلا نفسي، لذلك فشل كل الذين حاولوا تقليدي منذ 30عاما في سوريا وتونس ولبنان وغيرها.

نسبة كبيرة من المحسوبين على "كبارات المسرح" في تونس وخارج تونس مجرد أصنام ملمعة ومنهم من سرق جهودي وأفكاري ولذت بالصمت، فأنا كما كانت تقول أمي "ربي يجعلنا غابة والناس حطابة".

* أنت مسرحي مختلف .المسرح عندك ركح فلسفة و علم اجتماع. و علم نفس. هل الركح عندك رسالة .؟

الرسالة يوصلها البسطجي في وقت مضى، والآن بإمكانك أن تكتب وترسل وتستقبل أي رسالة عبر الموبايل، أما ما تريد قوله عبر الإبداع فيعنيك وحدك أولا من حيث هو نوع من القلق الوجودي الذي يخصك وعبرت عنه بطريقتك فيتلقفه الناس أو يرفضونه.. أنا ضد المنابرية.

هي مفاهيم توصلت إليها بعد تجربة وجودية مرهقة خلخلت مفاهيم كثيرة في داخلي، ايديولوجية أو غيرها، لكني لا أتنكر لتجربتي النضالية الخاصة لأني أعتقد أن اليسار الثقافي أبقى وأنفع من اليسار السياسي الذي عليه تقديم المراجعات كل يوم.

*حكيم المزوقي المتمرد والمتفرد والمغامر والجسور والمتمكن ـــ من تقنيات حركة المسرح. لكن لا نجد لك أثرا في المشهد المسرحي التونسي ؟

اخترت الابتعاد نتيجة رداءة المشهد والتجاهل الذي تعرضت له.. أنا بطبعي خجول ولا أحب طرق الأبواب، وعليهم البحث عني لأن كرامتي فوق كل اعتبار ومن يريدني فعليه البحث عني حتى في غوغل.. أنا اسمي فلان.. نحت اسمي من دمي وروحي ومعاناتي ولم أنزل بصفة مظلية.

*أغلب المسرحيين ينظرون باستعلاء على الفعل الجمعياتي والسياسي وغيابهم عن الفضاء العام .ونجد ان أغلب اعمالك المسرحية كلها سياسة .هل من توضيح.؟

أنا لا أضع العربة أمام الحصان في كتاباتي المسرحية وتجربتي الإبداعية ككل، أمضي في طريقي متحدثا عن هواجسي فأجدني سياسيا عادة، وأخرى حالما أو ساخرا أو متألما.. أنا لا أتقصد بابا بعينه كي أطرقه.. هذه طبيعتي التي يعرفني فيها الجميع.

سأعود هذا العام بأكثر من عمل درامي في المجالين المسرحي والسينمائي، علما أن لدي فيلما سينمائيا يصور في الخارج بمواصفات عالمية وسيكون مفاجأة. هذا إضافة للكتابة الشعرية التي تعتبر لدي ملاذا روحيا خاصا، رغم أن الكثير لا يعلم تجربتي في الكتابة الشعرية وبشهادة من كبار شعراء العالم الذين قرؤوا لي بالفرنسية والانكليزية واللغة الكردية في كتابي الصادر في هولندا.

*لو نسألك عن اهم التجارب المسرحية. التونسية .؟ـ

المشكلة الآن في تونس لم تعد تقاس بمدى اقتراب المجتمع من المسرح أو الابتعاد عنه بل بأي الفنون أقرب إليه وأكثر تعبيرا عن حواسه. لم يعد المسرح الجديد "جديدا" عن هذا الشعب الذي يمارس المسرح على نفسه كل يوم كما يمارسه عليه الحكام والمتسلطون.

التونسيون اليوم يمارسون أشد وأقسى أنواع المسرح على أنفسهم مستفيدين من ثقافة عمّرت لعشرات السنوات ثم اضمحلت وكأنها تترك مكانها لثقافة أخرى، إذ ليس غريبا هذه الأيام أن تجد تونسيا يتردد أمام قاعة مسرح ثم لا يدخلها لا لسبب يخص عنوان المسرحية أو صناعها بل لقناعة منه أن ما يدور في ذهنه أهم مما سيدخل للتفرج عليه.

ليس هذا مبالغة وإنما شيئا شاهدته بنفسي في صفوف جيل يعتقد أن ما سيشاهده قد عاشه ولن يزيد إليه علما أو غرابة.

المسرح التونسي اليوم، وأمام تهافت الفرق الخاصة على طلب الدعم الإنتاجي لمشاريع تقدمها من كل حدب وصوب، يشبه الرهانات الرياضية على فوز فريق دون معرفة مؤهلاته الفنية.. لقد عدنا من جديد للمقاربة بين المسرح والفرق الرياضية.

صحيح أن المسرح التونسي ـ وتحديدا تجربة فرقة المسرح الجديد ـ نجح في جعل الفن الرابع ثقافة شعبية ـ كما الفوتبول في الأرجنتين والبرازيل ـ لكنه صنع "نجوميات" لا يستفيد منها المسرح نفسه بل فنون أخرى موازية كالتلفزيون وما ينجر عنه من دعايات، لذلك وجب التوقف عند فكرة مفادها أن فن المسرح، تتربص به الآلة الإعلامية مثل أي تجربة تفتك بها العولمة وتنفث فيها مخالبها.

الخصوصية الوحيدة التي نجح المسرح التونسي في إرسائها هي القدرة على التذكر، واعتبار الماضي ليس "ماضيا" بل طريقة للتداوي، والإضافة إلى فنون شقيقة وصديقة.

*ـ لو نسألك. الا يستحق الشهيد شكري بلعيد عملا مسرحيا .؟

الشهيد شكري بلعيد الذي عرفته وحاورته وأحببته، كان رجلا عميق التفكير وكان ذا رأس بارد التفكير وقلب دافئ المشاعر كما كان يقول لينين في تعريفه للمثقف الثوري.

ولو عاد شكري يعيش بيننا لرفض كل أشكال المتاجرة باسمه والزج به في أتون المزايدات، ولانحاز إلى العمل الإبداعي بقيمه الجمالية البعيدة عن الطروحات المباشراتية والمعالجات الشعاراتية.

أنا متأكد أن روح شكري ومزاجه الفني موجودان في كل ما قدمته من أعمال مسرحية وأدبية، ولم أبتعد عن عوالمه يوما ولم أنسلخ عن جلدي ، لكني سأقدم قريبا عملا أهديه مباشرة إلى روحه الطاهرة التواقة للحب والنقاء والجمال لأن كل هذه القيم هي المنطلق والغاية في أي عمل إبداعي يزعم الانتماء للفقراء والمنسيين، ويدم نفسه كفن نبيل.

*لك حرية الكلام و أنت أمير الكلام .

شكرا لصحيفة كل التونسيين التي قد نختلف معها ولكننا لا نختلف عليها في التصاقها بهموم كل العاملين بالفكر والساعد، وشكرا لدفء أسئلتك لأنك شاعر.. ولا يمكن أن يتعمق في الأسئلة الحارقة إلا شاعر.

من هو الكاتب والمسرحي حكيم المرزوقي؟ 

ـ خريج كلية الآداب بجامعة دمشق قسم الأدب العربي وله دراسات عليا في النقد والدراسات المسرحية إضافة إلى المشاركة و الإشراف على دورات تكوينية وورشات عمل في عديد البلدان العربية و الأوروبية كثيرة كفرنسا وبلجيكا وإسبانيا وسويسرا وغيرها .

ـ عمل منذ 2001 في صحف عربية ككاتب مقالات وزوايا رأي مثل "تشرين" ،"الثورة" ،"الدومري"، "بلدنا" سوريا ، "السفير" لبنان،"بوابة الشرق الأوسط" الإمارات ، "الصحافة" تونس ..ومواقع الكترونية أخرى ك"دي بريس" وغيرها، بالإضافة إلى جريدة "العرب اللندنية.

ـ عضو مؤسس للاتحاد الدولي للفرق المسرحية بزوريخ، مؤسس فرقة "الرصيف المسرحي" في دمشق عام 1996 وقدّم خلالها أعمالا من تأليفه و إخراجه ، أبرزها "عيشة" "اسماعيل هاملت" "ذاكرة الرماد"،لعي" "حلم ليلة عيد"، "بساط أحمدي"، "الوسادة"، "قلوب"، وغيرها وقد عرضت على مسارح عديدة في العالم العربي وأوروبا وأمريكا وكندا واليابان ونالت جوائز كثيرة منها قرطاج97

ـ ترجمت معظم هذه المسرحيات ونشرت بالفرنسية (دار لانزمان البلجيكية) والانكليزية (مكتبة الاسكندرية) إلى جانب ترجمتين للألمانية والكردية.

له ديوان شعر بعنوان"الجار الثامن" صادر عن دار كنعان بدمشق

ـ مجموعة نصوص مترجمة إل الكردية في هولندا

ـمشاركة في برامج و أعمال درامية متفرقة للتلفزيون والإذاعة السورية مثل سلسلة "بقعة ضوء" وغيرها

كتب سيناريو فيلم سينمائي بعنوان "المايسترو" أخرجه الأردني محمود الدوايمة و " الصورة الأخيرة" إنتاج سوري و فيلم " المتشابهون" مع الحبيب المستيري و "توبة" مع نصرالدين السهيلي

له تجربة إعداد وتقديم في الإذاعة الثقافية التونسية في برنامج مسرحي بعنوان "ثلاث دقات" سنة2014

ـ كاتب قصة للأطفال في مجلتي "أسامة" السورية و"سامر" اللبنانية إضافة إلى مجموعة قصص للأطفال صادرة عن دار الفكر بعنوان ّ حكايات ياسمينة".

وله عديد الأعمال قيد الطبع والإنجاز كسيناريو روائي طويل مع الفلسطيني الإيطالي خالد سليمان و رواية "سيد الوقت" و مجموعة مقالات في كتاب بعنوان "ليس لي ما أضيف" .