آخر ساعة

أم اليسار المصري، تحية كاريوكا، عايشت فاروق وناصر والسادات ومبارك، أضربت عن الطعام تضامنا مع  النقابيين

الشعب نيوز/ منوعات - معروف عن السياسة انها قذرة وتعمد في كثير من الاحيان الى استمالة الفاعلين في مختلف المجالات لتحسن بهم صورتها وتتقدم للناس في شكل اقرب ما يكون الى المثالية. هو طبعا شغل الانظمة الحاكمة التي تعمد الى استقطاب رجال المال والاعمال للانفاق عليها ولكن ايضا لاستقطاب الفنانين والرياضيين والادباء والمفكرين والصحفيين. وكثيرون هم من يذهبون في ركاب السلطة والانظمة.

لكن لحسن الحظ ان هناك من يرفض عروض الحكام ويدوس عليها بل ويذهب الى النقيض، ليس بالضرورة من باب المعارضة وانما من باب الاختلاف. ويصيرالامر ذا أهمية لافتة عندما يصدر عن أمرأة، عن فنانة وتحديدا عن ممثلة بل وعمن عرفناها او بالاحرى وصلتنا صورها واخبارها كراقصة أبدعت في فنها وبقيت الى الان مرجعا في اختصاصها.

انها تحية كاريوكا، هذه التي انتمت الى اليسار والى الشيوعية تحديدا وجاهرت بانتمائها في وجه سلطات طاغية ومجمتع محافظ، وزادت فتبنت اليساريين في مصر ودافعت عن حقهم في الوجود والاختلاف وتكفلت بمصاريف بعضهم وذهب بها الامر الى حد الامتناع عن الطعام مدة ايام طويلة تضامنا منها مع عدد من اليساريين من النقابيين والفنانين المصريين الذين تعرضوا الى مظالم وعقوبات بالسجن والابعاد.

ذهب فاروق وجاء فواريق

في هذا النص المنقول، نتعرف على بعض من اوجه نشاط الممثلة تحية كاريوكا غير الفني ، فقد دخلت عالم السياسة والنضال وانضمت لحركة السلام بعد انتصارات الإتحاد السوفياتي في ستالينقراد سنة 1942 وبعدها بثلاثة أشهر، وجدت البوليس يكسر باب شقتها ليعثر أعوانه على بعض المنشورات واقتادوها للسجن لآول مرة في حياتها حيث بقيت لشهور عديدة . دافعت عن السجناء وطالبت بوقف التعذيب للنساء واليساريين وأقامت نشاطا لمحو الأمية في السجن .

إتخذت لها إسما حركيا بإسم ( عباس) . هاجمت نظام الضباط الأحرار وقالت : أن نظام عبد الناصر لايفرق عن أداء الملك فاروق ثم أطلقت قولتها الشهيرة عن الضباط الأحرار : (ذهب فاروق وجاء فواريق) .

هاجمت الوفد الإسرائيلي في مهرجان كان السينمائي ووبخت الممثلة الشهيرة ( ريتا هيوارت ) حين إمتدحت إسرائيل وأسمعتها بلغة إنقليزية مقتدرة كلاما جارحا وشتما وسبابا إضطرت معه ريتا هيوارت الى الهروب من المحفل . ثم بعدها، أسست جمعية برئاستها لمقاطعة الأفلام والنجوم ذوي الميول الصهيونية .

أم اليسار المصري

التقت بالشاعر اليساري الشيوعي( نجيب سرور) وسألته عن اولاده وزوجته وعن حاله المعيشي وكتبت له عن قائمة بأسماء اليساريين المعدمين الفقراء ومن هم في السجون وأهدتهم المال الكثير وخصصت كل شهرهدية مالية لهم ولذلك لقبت بـ ( أم اليسار ) . يقول الكاتب المصري الشهير ( سليمان شفيق) كلما التقي بها كانت تحكي لي عن إنضمامها للشيوعية ويقول قبل زواجي أصطحبتني لمحل وأشترت لي بدلة العرس مع مظروف يحتوي على مئتي جنيه وفعلتها مع الكثيرين فيقول هذه هي أم اليسار . وحينما جاء المفكر اليساري(ادوار سعيد) الى مصر ليلقي محاضرته والتقى بها وبعد مغادرته لها قال لرفاقه ( هذه السيدة أعظم من الفنانة الكبيرة البريطانية ( ريدغريف ) .

ذات يوم رأت الملك فاروق في كازينو الأوبرج فقالت له بسخرية عالية ( مكانك ليس هنا ياجلالة الملك بل على العرش في القصر ) وابتسم الملك بحرج وغادر المكان . ساعدت الفدائيين عام 1948 واستخدمت منزل أختها مريم لتخزين السلاح بنفسها وبسيارتها الخاصة . أيدت مظاهرات الطلبة في السبعينيات ودعمتهم ماديا . ويقول الكاتب ( طارق الشناوي) أنها ظلّت تمارس حياتها السياسية كيسارية حتى مماتها.

اضراب عن الطعام

وهي الفنانة الوحيدة التي أضربت عن الطعام سنة 1988 ولم يوقفها عن اضرابها سوى تدخل ( حسني مبارك ) الذي إتصل بها في مقر الأعتصام قائلا : (عايزة يقولوا ياست تحية انك عشت تاكلين في زمن فاروق وعبد الناصر والسادات وبعدين تموتي جوعانة في عهد مبارك ) . وتنقل إبنة أختها الفنانة المعروفة (رجاء الجداوي) كيف كانت خالتها في خضم خصومها مع السياسيين كيسارية صلبة عنيدة . أما رشدي أباضة الفنان الجميل فانه لم يحب في حياته حبا حقيقيا سوى ( تحية كاريوكا) .  

اسمها الحقيقي بدوية محمد علي النيداني، ولدت سنة 1915 بالاسماعيلية وتوفيت بالقاهرة سنة 1999. قيل عنها في موقع ويكيبيديا أنها آخر العظيمات في تاريخ الرقص الشرقي، حيث طورت  أسلوبها الخاص الذي اعتمد على إعادة إنتاج الهرمونية الشرقية القديمة في الرقص وهو الأسلوب الذي تأسست عليه مدرسة كاملة في الرقص الشرقي، في مقابل مدرسة سامية جمال التي لجأت إلى مزج الرقص الشرقي بالرقص الغربي.  

أفلام عديدة  

وفي منتصف الخمسينات اعتزلت كاريوكا الرقص الشرقي وتفرغت نهائياً للسينما حيث شاركت في كثير من الأفلام السينمائية البارزة التي حملت بصمتها الفريدة منها: لعبة الست، حب حتي العبادة، شباب امرأة، حماتى قنبلة ذرية، أم العروسة، منديل الحلو، صباح الخير يا زوجتي العزيزة، خلي بالك من زوزو، الكرنك، وداعاً بونابارت، الصبر في الملاحات، إسكندرية كمان وكمان الذي قامت فيه بأداء دورها الحقيقي في حركة اعتصام أعضاء اتحاد النقابات الفنية، مرسيدس، كما قدمت مع زوجها السابق فايز حلاوة عددًا من المسرحيات الشهيرة منها روبابيكيا ويحيا الوفد.

لعبت كاريوكا أيضاً دوراً سياسياً بارزًا حيث ألقي القبض عليها أكثر من مرة بسبب نشاطها السياسي السري وتأثراً بشخصيتها الكاريزميه، كتب أكثر من كاتب ومثقف عربي العديد من الدراسات عن تحية كاريوكا أهمها الدراسة التي كتبها الكاتب الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد.