وطني

قضية شكري بلعيد: هيئة الدفاع  توضّح الحكم الصادر وتحذّر من محاولة «السطو» عليه لتبييض بشير العكرمي وحركة النهضة

الشعب نيوز/ خليفة شوشان:  " فجر الأربعاء 27 مارس 2024 تمّ النطق بالحكم في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد خلال نقطة اعلاميّة بثتها التلفزة الوطنيّة مباشرة بعد تأخر دام لساعات بسبب تواصل جلسة التفاوض للتصريح بالحكم.  

التأخير في النطق بالحكم وطول ساعات الانتظار لم يؤثر على نسب المتابعة للتلفزة الوطنية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، التي كانت قياسيّة. وشكلت الدليل القاطع على أن الشعب التونسي ورغم تقادم الزمن ومرور أكثر من عقد على جريمة الاغتيال الجبانة والتنكيل المتواصل بالملف في أروقة القضاء التونسي وكل محاولات التستر السابقة واللاحقة بقي وفيا لكشف الحقيقة القضائيّة في ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي، كما هو الشأن بالنسبة إلى القائمين بالحق الشخصي ممثلين في عائلتي الشهيدين وهيئة الدفاع في قضية الشهيدين رغم كلّ التشكيك والهرسلة والتهديد والتحريض الذي لاحق أعضاءها.

بين الارتياح القضائي والتوظيف السياسي

أعلن المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى القطب القضائي لمكافحة الارهاب أيمن شطيبة، خلال نقطة اعلامية بعد التصريح بالحكم، بأنه تم الحكم على أربعة متهمين بالإعدام ومتهمين بالسجن مدى الحياة وعلى متهمين ٱخرين بالسجن بين عامين و120 عاما بعد احتساب مدة العقوبة السجنية المحكوم بها عن كل جريمة بصفة منفردة واكساء الحكم في حق البعض منهم بالنفاذ العاجل. بهذا الاعلان تم اماطة اللثام عن جزء من الحقيقة المتمثلة في العناصر الاجرامية التي قامت بالتنفيذ «مجموعة التنفيذ» في انتظار استكمال بقية المسار القضائي. أحكام شكّلت نقطة فاصلة في ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد في انتظار قضية الشهيد محمد براهمي، ولكنها مثلت أيضا نقطة لبروز اختلاف قضائي وسياسي لطالما رافق القضيّة منذ لحظة الاغتيال، بين من يعتبرها خطوة ايجابية ومتقدمة في كشف الحقيقة كاملة عن الأطراف التي قامت بالتحضير والاعداد والمساعدة واخفاء «المنفذين» وعن الجهات التي سعت لطمس الحقيقة القضائية واخفاء الأدلة والتسترّ على الأطراف الممولة والمحرضة والتي اتخذت القرار، وبين من رأى في الأحكام وخاصة من الأطراف السياسية والقضائية التي طالما توجهت إليها أصابع الاتهام تبرئة عن مسؤوليته القضائية والسياسية والجنائيّة في استباق فجّ وسافر لاستكمال الأبحاث والبت في بقيّة الملفات.

في النقاش العام

وسط هذا الجدل الذي أثاره النطق بالحكم الابتدائي، والذي تواصل لأكثر من أسبوع وخلق حالة من الانقسام حوله بين من اعتبره الخطوة الاولى لمعرفة الحقيقة كاملة وبين من حاول التقليل من أهميته لحسابات سياسيّة وبين من يسعى لاستثماره لتبرئة نفسه استباقيا. جاءت الندوة الصحفيّة التي نظمتها هيئة الدفاع في قضيّة الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي يوم الثلاثاء 02 أفريل 2024 بدار المحامي تحت عنوان «الحكم وما بعده».

افتتحت الندوة الصحفية بكلمة عميد المحامين الاستاذ حاتم المزيو الذي أكد في مستهلها ترحيبه بكل الحاضرين من شخصيات وطنية ورؤساء منظمات وطنية وأمناء عامين للاحزاب السياسية وتوجه بالتحية الى أعضاء الهيئة الوطنية للدفاع في قضية الشهيدين والدور الذي لعبته في كشف الحقيقة، وجدد مساندة عمادة المحامين للهيئة حتى معرفة الحقيقة كاملة واستكمال الابحاث في كل الملفات.

من جهته استعرض عضو هيئة الدفاع الأستاذ الناصر العويني جملة العناوين التي ستتطرق إليها الندوة الصحفية وتوجه بالتحية الى كل من أسهم في مجهود الهيئة لكشف الحقيقة مذكرا بمجهودات الأساتذة فوزي بن مراد، عبادة الكافي، عمر الصفراوي وزهير اليحياوي.

سامي بن غازي يستعرض معطيات خطيرة

أولى المداخلات كانت للاستاذ سامي بن غازي الذي استعرض أهم المعطيات المتعلقة بالملف من جهة تاريخ الجلسات مذكرا بأن أولى الجلسات التي بلغ عددها 13 جلسة، كانت قد انطلقت منذ 30 جوان 2015 وآخرها 26 مارس 2024. وقدم جملة من المعطيات بخصوص عدد من المحكومين المنتمين إلى تنظيم أنصار الشريعة. وفي مقدمتهم المتهم محمد العوادي، الذي حكم عليه بالإعدام مع 105 سنوات سجنا، وهو رئيس الجناح العسكري للتنظيم وتولى رئاسته إثر فرار أبو عياض في 2013 والمصنف الرجل الثاني بتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي. الى جانب محمد العكاري الذي حكم عليه في هذه القضية بالإعدام و120 سنة سجنا، والذي كان رئيس الجناح الأمني للتنظيم وتلقى تدريبات بالعراق، وتم إيداعه بسجن ابو غريب، والذي أقر عند استنطاقه بترصد شخصيات سياسية وإعلامية وعامة (الطيب البكوش وسفيان بن فرحات وألفة يوسف وغيرهم)، لجمع معلومات حولهم قصد اغتيالهم.

كثير بوعلاق: السماعات انطلقت في ملف الجهاز السري

قال عضو هيئة الدفاع كثير بوعلاق إن الحكم صدر فقط في مجموعة التنفيذ وأوضح أنه تمّ تفكيك القضية إلى ملفين اثنين، يتعلق الأول بمجموعة التخطيط والرصد والاستقطاب والثاني بمجموعة التنفيذ، مضيفا أن الأمر كان بقرار قضائي لا دخل لهيئة الدفاع فيه وذكر بالمعارك التي خاضتها الهيئة للتنديد بتفكيك الملف. وأعلن بوعلاق أن الابحاث ستنطلق في محاكمة جزء من مجموعة الرصد والاستقطاب وجزء من مجموعة «ضمان الإفلات من العقاب» المعروف بملف «فتحي دمق» ستنطلق يوم 30 أفريل الجاري، وستتناول النظر في ملف التخطيط لاغتيال مجموعة من الشخصيات السياسية والاعلامية والوطنية ومن بينهم الشهيد شكري بلعيد. وأفاد أن الملف سيشمل عديد الأسماء المنتمية إلى حركة النهضة من ضمنهم مستشار علي العريض طاهر بوبحري الى جانب كلّ من مصطفى خذر وكمال العيفي وهشام شربيب وبلحسن النقاش وعلي الفرشيشي، الى جانب بعض القيادات الأمنيّة بوزارة الداخليّة. كما أفاد بوعلاق أنه وبناء على شكاية من قبل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وحزب التيار الشعبي وعائلة الشهيد محمد البراهمي، فان القطب القضائي لمكافحة الارهاب انطلق في السماعات فيما يتعلق بملف الجهاز السري المرتبط بحركة النهضة والذي سيشمل 35 متهما من بينهم كل من راشد الغنوشي وسمير الحناشي وفتحي البلدي وكمال العيفي وكمال البدوي المستشار الأمني لراشد الغنوشي، مؤكدا أن الابحاث أكدت تواصل الأخير مع كل من القاضيين بشير العكرمي وسفيان السليطي وأفاد أنه تم تعيين جلسة في هذا الصدد بتاريخ 5 أفريل الجاري.

إيمان قزارة: الخيارات التشريعيّة والإجرائية قيدت الدائرة الجنائية

أكدت خلال مداخلتها أن استئناف حكم يوم 26 مارس يأتي في اطار متابعة حقوق القائمين بالحق الشخصي، ولادانة من تم حفظ التهم في حقهم من جديد وضمان تنفيذ عقوبات تكميلية من شأنها أن تؤثر على كشف الحقيقة، وبغاية الوصول إلى الرواية القضائية المتعلقة بالاسباب الكامنة وراء اغتيال شكري بلعيد. الاستاذة قزارة نبهت لخطورة العناصر الإرهابية المتورطة على المستوى الدولي لا الوطني فقط والتي تضم من بين عناصرها 6 قيادات تنتمي الى الجهاز الخاص لحركة النهضة، ستقع محاكمتهم يوم 30 أفريل الجاري صحبة قيادات أمنية. كما ثمنت موقف القضاء التونسي من التجاوزات التي كان ارتكبها قاضي التحقيق بشير العكرمي مؤكدة أنه قام بحفظ التهم في حق 12 متهما وأفرج عن عناصر خطيرة مثل محمد العمري الذي شارك في العملية الارهابية التي ذبح فيها جنودنا بالشعانبي، وأحمد المالكي المكنى بالصومالي والذي حفظ العكرمي في حقه التهم. وأسهبت في الحديث عن تسبب الخيارات التشريعية والإجرائية في فرض خيار على الهيئة منذ 2014 تمثل في تقييد الدائرة الجنائية ب23 متهما فقط يمثلون مجموعة التنفيذ. وكشفت جملة الإخلالات الإجرائية التي قام بها القاضي بشير العكرمي في قضية اغتيال بلعيد، بتقصيره في القيام بأعمال لكشف الأشخاص التي رصدت واستقطبت، ما أدى إلى تأخر جلسات المحاكمة والاقتصار على حضور مجموعة التنفيذ فقط. الاستاذة قزارة أشارت أيضا إلى وجود أبحاث جارية قد تكشف عن تورط بعض المحامين في علاقة بالمتهمين المنتمين الى تنظيم أنصار الشريعة.

عبد الناصر العويني: بعض الأصوات حاولت «السطو» 

من جهته تولى عضو هيئة الدفاع الأستاذ عبد الناصر العويني الاجابة عن أسئلة الصحافيين وخاصة النقطة المتعلقة باستئناف الحكم الصادر ليؤكد على أن النيابة العمومية قامت باستئناف الحكم برمته الى جانب قيام القائمين بالحق الشخصي ممثلين في هيئة الدفاع وعمادة المحامين بالاستئناف. قبل أن يتطرق إلى محاولات البعض تبرئة حركة النهضة والقاضي البشير العكرمي أكد ان الهيئة قدمت ملفات وليس مجرد صور وقد تحولت الى أدلة وحجج وبراهين متصل بها القضاء ومحسوم فيها قضائيا. واستغرب من بعض الأصوات التي اتهمها «بالسطو» على الحكم لمحاولة تبيبض بشير العكرمي وحركة النهضة. وتوجه بالنقد إلى بعض الأصوات التي كانت مساندة للهيئة وغيرت اليوم موقفها بمجرد تغيير مواقعها السياسية وتحاول اليوم اقناع الرأي العام ببراءته. وذكر بالنضالات التي خاضتها الهيئة ضد بشير العكرمي من اعتصامات في مكتبه والتنكيل الذي تعرضوا له من حركة النهضة التي وضفت الامن في سابقة تاريخية لاخراجهم من مكتبه. وأكد أن سجن العكرمي لن يجعلهم يتراجعون عن مواقفهم، واعتبر ان بشير العكرمي شريك في عملية الاغتيال بالمشاركة اللاحقة بالتدليس وترك 12 متهما في حالة سراح وخدمة أجندا سياسيّة، ونفى العويني أي فضل لبشير العكرمي في الأحكام الأخيرة وأنه من ساهم في التغطية على جريمة الاغتيال. وأكد أن الهيئة ستثبت تورط كل من راشد الغنوشي وعلي العريض شخصيا في إعطاء الأوامر باغتيال الشهيد شكري بلعيد. وختم العويني بالتأكيد على أنه إذا تم اغتيال شكري بلعيد في دقائق فإن الهيئة ستواصل المعركة من أجل الكشف على كل من خطط ومن أمر ومن نفّذ ومن غطّى ومن دلّس ومن موّل بمن فيهم بعض المحامين الذين سيحالون لتورطهم في دم الشهيد بلعيد وان الحقائق لا تزال تكشف في هذه الجريمة.

* من مقال صادر في جريدة الشعب الورقية العدد 1792 بتاريخ 04 افريل 2024