ثقافي

الصحبي العلاني عن البشير القهواجي :  حرّ طليق في عالم اختار فيه أن يكون على الهامش لكي ينظر إلى الحياة مثلما يريد

لا شكّ في أنّ بشير القهواجي يمثّل حالة استثنائية فريدة مقارنة بسائر أبناء جيله من الأدباء والكتّاب. فقد اختار، منذ بداياته، طريقا مغايرا للسائد والمألوف. اختار أن يجمع بين الشعر والمسرح، وهما -مثلما نعلم- أصلان من أصول الفنّ في أرقى تجلّياته. ولكنّه لم يَكْتَفِ بأصول الثقافة الإغريقيّة اللاتينيّة التي هي عماد الأدب الغربيّ الكلاسيكيّ؛ بل توجّه أيضا إلى ما أسمّيه «الثقافات البعيدة»، وأعني ثقافات الشرق الأقصى.

كان لي شرف الاطلاع على ما في مكتبته الخاصّة من ذخائر نفيسة، ولمست لديه -من خلال محاوراتي الطويلة معه في ليالي القيروان التي لا تنتهي- قدرة مذهلة على الجمع بين ما يبدو من قبيل المتناقضات: ثقافة الغرب في أصولها وفي ما انحدر عن تلك الأصول من تفريعات وتنويعات، وثقافة الشرق بحكمتها العريقة العميقة الزاهدة، وتجاربها الروحيّة الثريّة الفريدة.

ولعلّ مكمن الطرافة والقوّة في تجارب بشير القهواجي الإبداعيّة المختلفة، شعرا ومسرحا وفنونا تشكيلية، أنها نجحت في إقامة حوار دائم خلاق بين الثقافات الكونيّة من ناحية، والثقافة العربيّة وسائر الثقافات المجاورة لها عبر أرجاء العالم الإسلامي، من ناحية أخرى.

فبشير القهواجي مطلّع اطلاعا واسعا على شتى التجارب الصوفيّة في المجالَيْن الفارسي والتركي، وفي المجال العربيّ طبعا. وقد عرف كيف يحاور هذه التجارب، وكيف يستفيد منها، بعيدا عن ضيق التناول الأكاديميّ الجاف. وهذا مصدر تميّزه، وعمق تجاربه، وثراء خلفيّته الفكريّة والروحيّة.

لقد كان بشير القهواجي حرّا طليقا في عالمه البسيط المتقشّف، عالم اختار فيه أن يكون على الهامش لكي ينظر إلى الحياة مثلما يريد، ولكي يعيشها مثلما يشتهي، ولكي يهزأ بها متى أراد، ولكي يكون له موقف صريح منها، موقف قاس بل موقف حاد في أكثر الأحيان، بعيدا عن العلاقات المصلحيّة وعن المجاملات. وهذا ما يجعله دائما محلّ تقدير واحترام.

* المصدر: من ملف خاص بالبشير القهواجي نشرته الشعب الورقية يوم 27 مارس 2024.