آراء حرة

الوفاة على شاكلة قبائل الاسكيمو ارحم ...

الشعب نيوز/ وسائط - كتب الزميل الكبير المولدي الزوابي نصا مسهبا عن وفاة المربي الفاضل سفيان الجلاصي مدير المدرسة الاعدادية ببوسالم من ولاية جندوبة، نشره على صفحته الخاصة في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك". ونظرا لما حمله النص من شحنات، رأينا نشره على موقعنا.

" التناول التقليدي لوفاة مسؤول تربوي وهو في مقتبل العمر وفي ظروف غير عادية تحيلني حتما الى اللطم والنّدب والعويل .

ندب يرافق رفع النّعش ويمسك بعقد الكفن الأبيض الذي لفّ فيه على امل تفكيك خباياها واستقراء الدروس منها.

عويل تخترق موجاته صخور الجبال و ثناياه وتصطحب تياراته الهوائية دون اطمئنان الى نقاوتها في غالب الاحيان، وتواجهها احيانا اخرى مكذّبة بذلك سردية الطبيعي، والياس من قدرة الاصلاح والصمود والمقاومة والبناء و تحفيز المسؤولين الأوفياء لمهنهم و لاوطانهم والدارسين والباحثين والراغبين في حماية الاحياء ووقايتهم...

ندب وعويل، على ما وصلنا اليه من استسهال للحالات الاستثنائية في الموت رغم انها الحقيقة المطلقة والوحيدة التي لا تقبل لا التمييز ولا الجدال ولا الاختلاف...

الموت الذي يأتي في سياق العمل اليومي وما يرافقه من تراكمات وضغوطات مختلفة وضيم يظل أمر غير عادي ويثير في اذهاننا كما بقية الأصدقاء والاقرباء ، مخاوف وتسائلات عما وصل اليه الوضع الذي يودي بحياة مسؤول في مقتبل العطاء. أليس كذلك؟

الاستسهال يكشف لي أيضا نوعا من الاحتباس الفكري الغير مسبوق في مجال تناول مثل هذه الحالات واحالتها مباشرة على انه أمر واقع ولا مجال للخدش فيه او مناقشته بعيد عن القدر ... ذلك الذي نؤمن به دون مزايدة او استعراض ملائكي...

ويحيلني حتما الى ارتداد محيّر في امتلاك القدرة على البوح او الايحاء او الكشف او المطالبة بفهم السياق الذي توفي فيه هذا المسؤول وبوضعه الصحّي المعلوم قبل ان تتعكّر حالته الصحية بمطبخ احد المعاهد الاخرى وعلى هامش زيارة رسمية عادية كثيرا ما طالب بها قبل ان يقدّر له ان تتوقف نبضات قلبه وهو يلتحق بركبها؟

كثيرا ما اشتكى هذا المسؤول من سوء أداء ديوان الخدمات المدرسية وكثيرا ما تألم لظروف اعاشة التلاميذ / الأطفال بمبيت المؤسسة التي يديرها منذ مدّة وكثيرا ما عبّر عن عجزه عن توفير حاجيات التلاميذ الأطفال الضرورية وكثيرا ما قدّم ما يمكن ان يقدّمه من مساعدات ذاتية قبل ان تدركه المنيّة في مطبخ مدرسيّ معلنا بذلك صرخته الابوية لمقاومة ما يحدث بمستقبل جيل ذنبه الوحيد في هذه الحياة ذلك الفقر وانسجته وخلاياه المصنوعة و المتداخلة أيضا.

وكثيرا ما حبّرت بقلمي وابهامي على هذا الجدار او في وسائل اعلام مختلفة وفي لقاءات جمعتني بوزراء ومسؤولين ....ان أوضاع الاعاشة في المبيتات المدرسية تستنهض في ذاكرتي الفتات التي يتناولها عمال ماقبل 56 تحت وجع السوط وتبّس اللعاب والتواء اللسان وان اضرارها تتجاوز ابنائنا التلاميذ بل باتت تطال مسؤولين كثيرا ما يضطرون لوضع أنفسهم وأبنائهم موضع ما يشاهدون فيتالّمون لالامهم ويشتكون لضور جوعهم ويكتفون بالصمت او بالمراسلات الداخلية ولكن ما من مجيب...

كثيرا ما كان هذا المسؤول الانسان رافضا لتوظيفات استعراضية على حساب الفقراء من تلامذة المبيت ومحدودية ميزانيتها انتصارا لهم وقطع طريق العاجزين عن تقديم آيات الاستعراض والولاءات الوهمية ....

ان تكون نهاية الذين وهبوا أنفسهم لخدمة اوطانهم على هذه الشاكلة فهو أمر محزن ومخيف في ذات الوقت.

واذا لم يتغير تناولنا لمثل هذه الحالات على حقيقتها دون خلفيات ولانني منحاز انحياز مطلق لفقراء هذا الوطن وخادميه من مسؤولين ومرؤوسين واطفال ومواطنين عاديين، لذلك اتمنى ان تكون وفاتي عل شاكلة قبائل الاسكيمو ،أولئك الذين يهيمون بوجوههم على طبقات الثلوج الجامدة وبعيدا عن الانظار الى ان تفارقهم الحياة.

رحم الله الصديق والزميل الذي سبق وان تقاسمت معه تدريس اجيال رحم الله المسؤول التربوي الاب والانسان سفيان الجلاصي."