قراءتي الخاصة : التأكيد 20 مرة " على أن " تنقيح مجلة الشغل من جانب واحد هو اقصاء صريح لأطراف الإنتاج وتراجع عن الحوار الاجتماعي
اطلعت، كنقابي متابع للمستجدات في الساحة الاجتماعية على بلاغ رئاسة الحكومة الصادر يوم الثلاثاء 2 جويلية عقب انعقاد مجلس وزاري مضيق خصص للنظر في التعديلات او التنقيحات المقترح إدخالها على مجلة الشغل. ورغم ان بلاع الحكومة تعمد التعويم بما لم يسمح لي بتبين الفصول المطروحة للتنقيح، فانني وجدت ضالتي في البيان الذي صدر ظهر اليوم عن المكتب التنفيذي للاتحاد، حيث همني كعامل ومناضل نقابي في القطاع الخاص ان المكتب التنفيذي الوطني أكد على:
- إنّ مطلب تطوير قوانين الشغل حتّى تلائم المستجدّات في تونس وخاصّة منذ اندلاع ثورة الشغل والحرية والكرامة 17 ديسمبر 14 جانفي، وكذلك مراعاة للتغيّرات العميقة في عالم الشغل هو مطلب رفعه الاتحاد منذ 18 سنة ولم يسبق اليه أحد،
- أنّ مجلّة الشغل مكسب وطني جاء نتيجة جهد تشاركي مبكّر وحوار اجتماعي غير مسبوق شهدته تونس بل والمنطقتان العربية والإفريقية، وأنه آن الأوان، بعد نحو 6 عقود، لتعديلها وتطويرها بنفس الروح التشاركية بين نفس الأطراف التي انتجتها.
- إنّ الإصرار على إحداث تنقيحات على مجلّة الشغل، مهما كانت أهميّتها، من جانب واحد هو إقصاء صريح للشركاء الاجتماعيين وتراجع، غير مفهوم وغير مبرر، عن التقاليد المكتسبة للحوار الاجتماعي، القائمة على مبدأ التشاور الثلاثي والتي تجسمت، منذ الاستقلال، من خلال إصدار كلّ النصوص القانونية والتعاقدية التي تشكّل اليوم قانون الشغل التونسي (مجلّة الشغل والاتفاقية المشتركة الإطارية والاتفاقيات المشتركة القطاعية والنظام الأساسي للوظيفة العمومية والنظام الأساسي للدواوين والمنشآت العمومية والأنظمة الأساسية الخاصة).
- أن الانفراد بمراجعة القانون عدد 27 لسنة 1966 المؤرخ في 30 أفريل 1966 المتعلّق بإصدار مجلة الشغل التونسية، تنكّرا للعقد الاجتماعي الذي وقّعه الأطراف الاجتماعيون الثلاثة (الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) يوم 14 جانفي 2013 بحضور المدير العام لمنظمة العمل الدولية.
- ان هذا العقد نص ضمن محوره الثالث صراحة على اعتماد منوال جديد لعلاقات مهنية يقوم على التوازن في العلاقات بين الأطراف الاجتماعية يكرّس أربعة عناصر متكاملة ومتماسكة... أوّلها تشريع شغلي بمفهومه الشامل يكرّس العمل اللاّئق بأهدافه الأربعة طبقا لمفهوم منظّمة العمل الدولية ويضمن الحماية الاجتماعية للعمال.
- إنّ قضيّة التشغيل الهشّ كانت ومازالت من أهمّ القضايا الشغلية التي أولاها الاتحاد العام التونسي للشغل الأولوية القصوى في كلّ الفترات، وما فرض الاتفاق على إلغاء المناولة في الوظيفة العمومية والقطاع العام منذ فيفري 2011 إلاّ دليل على ذلك.
- ان الأمر نفسه ينطبق على ما قام به الاتحاد من جهد لتسوية وضعيات عمال الحضائر وعمال آليات التشغيل الهشّ المتعدّدة ومنها الآليات 16 و20 و21 ووضعية النوّاب في التعليم والمتعاقدين في العديد من القطاعات.
- ان ما تمّ إنجازه كان نتاج جهد تشاركي كبير، غير أنّ سياسة الحكومات المتعاقبة بما فيها الحالية كانت دوما تهدف إلى تسريب المناولة وسائر الأشكال الهشّة وفرضها بناء على عقيدة رأسمالية مكرّسة لمرونة التشغيل واستعباد الأجراء عبر أجور زهيدة واتّجار باليد العاملة، كأقصى حالات استعباد الأجراء
- ان المكتب التنفيذي يجدد الدعوة إلى حوار اجتماعي حقيقي لإنهاء معاناة آلاف عمال المناولة والمربّين النوّاب وأعوان التأطير في وزارة التربية ومتعاقدي قطاعات الصحّة والثقافة والتعليم العالي وغيرهم والتفاوض حول طبيعة ومفهوم وآليات مناولة الخدمة في القطاع الخاص.
- إنّ مجلّة الشغل قد تضمّنت مكاسب جمّة للعمّال هدفها توفير شروط العدالة الاجتماعية غير أنّها خضعت لاحقا إلى تلاعب موازين القوى السياسية
- ان الحكومات وأرباب العمل استغلوا الأزمات التي أدّت إلى اعتقال النقابيين وطردهم وتنصيب نقابات موالية لتمرير تنقيحات لم تكن أبدا لصالح العمّال مثل الفصل 6-4 والتربّص والترسيم والفصول المتعلّقة بالطرد والتعويض والأمراض المهنية وحوادث الشغل والحقّ النقابي وغيرها من الفصول التي جعلت العامل الحلقة الأضعف الخاضعة لأهواء صاحب المؤسّسة،
- أنّ تنقيح مجلّة الشغل يستدعي تقييما مشتركا بين أطراف الإنتاج لكامل المجلّة وأن لا ينحصر وجوبا في مسألة العقود والتشغيل الهشّ، على أهمّيتها في تحرير العمّال من ربقة العبودية الجديدة.
- إنّ قوانين الشغل لا تقتصرعلى مجلّة الشغل بل تشمل القوانين الأساسية العامة للوظيفة العمومية وللمنشئات والدواوين والمؤسّسات العمومية وكذلك الأنظمة الأساسية القطاعية والتي تمّ الشروع في التفاوض حولها وتقدّمت الأشغال بنسب كبيرة.
- أنّ تعطيل الحوار الاجتماعي وضرب المفاوضة الجماعية منذ ما يقارب السنتين قد أوقف هذا الجهد الجماعي ومنع تطوير هذه الأنظمة وأضرّ بحقوق الأعوان والموظّفين والعمّال وقد وجب استئناف التفاوض حولها واستكمالها في أقرب الآجال.
- أن يتمّ ذلك التطوير في إطار احترام أحكام القانون عدد 54 لسنة 2017 المؤرّخ في 24 جويلية 2017 المتعلّق بإحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي،
- أن كلّ تنقيح أحادي لقانون الشغل هو خرق واضح لهذا القانون الذي نصّص على أنّه (يستشار المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وجوبا في مشاريع القوانين ومشاريع الأوامر الحكومية ذات العلاقة بالشغل والعلاقات المهنية والتكوين المهني والحماية الاجتماعية).
- ان النقابيين نادوا ومازالوا منذ أكثر من 18 سنة بتنقيح مجلّة الشغل التونسية بهدف توفير مقوّمات العمل اللائق وإنهاء كلّ أشكال العمل الهشّ وتحقيق الكرامة والأمان الوظيفي لكلّ العمّال والعمل على بلوغ مقولة الأجر المعيشي من خلال ملاءمتها مع أحكام الدستور ومعايير العمل الدولية.
- أنّ إحداث أيّ تنقيح مهما كانت "ثوريّته" من جانب واحد هو إلغاء للعمّال ولممثّليهم الشرعيين من النقابات واستفراد بالقرار والسلطة ونسف للحوار الاجتماعي نعرف مسبقا مآلاته وأضراره على مصالح العمّال والأجراء عموما وعلى الاستقرار الاجتماعي وقد أثبتت المصادقة على قانون المسؤولية الطبية وحقوق المرضى الذي صيغ بشكل انفرادي (وكنّا عبّرنا عن رفضنا له)
- أنّ إقصاء الهياكل المهنية والاستفراد بالقرار لا يمكن أن يخلّف إلاّ الأخطاء والاختلالات والثغرات وما يتّصل بها من مخاطر على حقوق أعوان الصحة والمرضى،
- ان أيّ تنقيح أحادي مرفوض وتتحمّل السلطة المسؤولية فيما يترتّب عن ذلك.
يقول المثل العربي الشائع "اسأل مجرّب ولا تسألش طبيب ".
جميّل الصبايحي