في ترّهات حسين الديماسي: إختزال مشاكل الإقتصاد التونسي في كتلة الأجور والدعم يعكس سذاجة المحلل وجهله بابجديات التحليل الإقتصادي
بقلم / الدكتور: عبد الرحمان اللٱحقة.
جرت العادة في قطاع التعليم العالي، كما في العديد من القطاعات، أن نتحاشى التقييم العلني أو التعليق على الزملاء من مبدأ الإحترام المتبادل وإحتراما للمهنة وكذلك بدافع الحياء. ويكتفي عادة الزملاء بالتعبير عن وجهات نظر مختلفة بعيدا عن التجريح. (ولكي أكون صريحا فاننا لا نتحرج من إطلاق التقييمات في المجالس الخاصة) لكن في بعض الأحيان يدفعك بعض الأشخاص وفي مقدمتهم حسين الديماسي للخروج عن هذه العادة وعدم إحترام مبدأ التحفظ و الخروج للعلن و أظن أني في موقع يسمح لي بالتعليق على أفكار أو بالأحرى "ترهات حسين الديماسي".
نفس التحاليل والافطارمنذ سنوات
فالسيد لم يكف طيلة السنوات الاخيرة عن مغالطة الرأي العام وتكرار وإجترار نفس التحاليل والأفكار الساذجة في وسائل الإعلام مستعملا أدوات نظرية ونماذج إقتصادية بسيطة تدرس عادة في الاسبوعين الاولين لطلبة السنة أولى إقتصاد لتسهيل فهمهم للتحليل الاقتصادي مع تحذيرهم في نفس الوقت أن الواقع أكثر تعقيدا وان إطلاق الأحكام يتطلب تحليلا دقيقا يأخذ بعين الإعتبار التوازنات الكلية للإقتصاد والترابطات بين مختلف المجاميع الإقتصادية فضلا على أهمية السياقات السياسية والإجتماعية والثقافية في إطلاق الأحكام. لكن من الواضح أن السيد حسين الديماسي تغيب عنه هذه الاعتبارات.
وأذكر انني كنت اصطحب معي للأسبوع الثاني لدرسي "مدخل إلى الإقتصاد" سيارة بلاستكية أو خشبية لأقنع طلبتي أنه على الرغم من أن هذه اللعبة تمثل في ظاهرها سيارة متكاملة تسير فوق طاولتي بشكل سلس إلا أنها لا تظهر التعقيدات الحقيقية لعالم الميكانيك والشكل الحقيقي للسيارة وهو ما ينطبق على العلوم الإقتصادية.
أعتقد أن إختزال مشاكل الإقتصاد التونسي في كتلة الأجور والدعم يعكس سذاجة المحلل وجهله بابجديات التحليل الإقتصادي. لا أحد ينكر ضرورة الرفع من مستوى ونسب الإستثمار العام والخاص وتحسين الخدمات الأساسية عبر إيجاد الموارد المالية الضرورية لذلك من خلال الإصلاح الضريبي ومقاومة التهريب والفساد والإقتصاد الريعي،...إلخ لكن لا يمكن ان يكون ذلك عبر تجويع الطبقة العاملة التي ترزح تحت سياسة مجحفة للتأجير (التي وجب بالمناسبة مراجعتها) بدعوى الحفاظ على تنافسية الإقتصاد الوطني.
فهل يعلم السيد المحلل أن العامل التونسي يتحصل على 30% فقط من القيمة المضافة التي يخلقها مقابل 45 إلى 50% في العديد من البلدان التي تشبهنا؟ وهل يعلم ان 65 بالمائة من كتلة الأجور تخصص للتعليم والصحة والامن في بلد مازال يحتاج الى 15 الف أستاذ و4 الاف طبيب لضمان كرامة الشعب التونسي بغض النظر عن ان 20 بالمائة من العائلات التونسية لا تملك الماء الصالح للشراب.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، لو ان الاتحاد انساق وراء يوسف الشاهد الذي كان ينوي التفويت في بنك الإسكان ب 4 مليار دينار أو وكالة التبغ والوقيد، هل كان هذا الاجراء سيحل المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد؟ والأكيد ان الجواب قطعا لا في غياب الإصلاحات الحقيقية المتوافق عليها.
ولا اريد ان اخوض اكثر في هذا الجانب لان الحديث سيطول وسيجعلنا نخرج عن الموضوع الأصلي للتدوينة.
تحاليل في شكل حقائق مطلقة
ومن الطبيعي ان يلقى السيد موضوع هذه التدوينة وغيره من اشباه المحللين الاقتصاديين حظهم في المنابر الإعلامية، لانهم يقدمون تحاليلهم على انها حقائق مطلقة بالإضافة الى قدرتهم على تقديم أفكار متسقة وسلسة وهو في الحقيقة ما يتعارض مع التحليل العلمي والجدي الذي يتطلب الكثير من التنسيب والاستدراك وهو ما لا يحبذه الإعلاميين اللاهثين وراء الاثارة.
اعتقد انه من المهم التحري في الأشخاص الذين يقدمون انفسهم على انهم خبراء في الاقتصاد وتفتح امامهم المنابر الإعلامية في الوقت الذي يفتقدون فيه الى وزن اكاديمي في الجامعة التونسية وليست لهم أي كتابات ذات قيمة علمية سواء في تونس او خارجها.
وللشهادة انه كلما ذكر السيد حسين الديماسي في الحلقات الاكاديمية الضيقة يكون التعليق في كل مرة « il n’est pas particulièrement brillant » واترك لكم حرية استخلاص العبرة من هذا التقييم.
خطابات شعبوية تلهب القاعات
وختاما أن ما يجمعني مع السيد حسين الديماسي انه كانت لنا مداخلات في ندوات نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل، غير ان الديماسي كان يقدم خطابات شعبوية تلهب القاعة وتتماشى والتيار السائد وتغالط العامل البسيط، في حين اني على مر تجربتي خلال ال8 سنوات الأخيرة في الاتحاد، حافظت في مداخلات على تقديم خطاب موضوعي وصريح دون حسابات لانارة الراي العام النقابي بحقيقة الأوضاع، تنفيذا لوصية المرحوم عبد السلام جراد الذي قال لي يوما "ان دور الخبير هو تقديم الحقيقة كما هي ويبقى لهياكل الاتحاد مهمة تكييفها سياسيا واجتماعيا."