رحيل الاستاذ المختار العرباوي، المناضل الصادق والكاتب المتميز
الشعب نيوز / خليفة شوشان - رحم الله الاستاذ المختار العرباوي الذي وافته المنية اليو الاحد 18 أوت 2024. ولمن لا يعرفه فان الراحل مختار العرباوي هو المناضل العروبي التقدمي والوحدي المعتزّ بأمته، والسجين السابق في برج الرومي، والمدافع الصادق عن كل القضايا النقابية بانخراطه في صفوف الاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس، والحقوقية في صفوف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، والقومية اسنادا للحق الفلسطيني والتصدي للحصار الظالم الذي فرض على العراق بداية التسعينيات، وانتصاره لكل القضايا الانسانية العادلة..
الى جانب نضالاته السياسية والنقابية والحقوقية كان للفقيد نضاله الفكري، فكان الكاتب والباحث المتميز، أصدر العديد من الكتب والدراسات وشارك بمقالاته في العديد من الصحف والمجلات التونسية والعربية.
تميز خاصة باسهاماته الفكريّة في دراسة الروابط القومية والحضارية التي تجمع ولا تفرق بين العرب والبربر متحديا كل الذين جندوا أقلامهم لتأجيج حمّى "النزعات الشوفينية الانفصالية الامازيغية" في المغرب العربي. ترك لنا الفقيد مدونة بحثية أثرت المكتبة الوطنية والعربية..
رحم الله أستاذ الأجيال المختار العرباوي.
ماذا يمكن ان نعرف عن الاستاذ المختار العرباوي؟
محمد المختار العرباوي هو شخصية تونسية بارزة في مجالي الفكر والنضال. وُلد بأرياف تالة سنة 1937، وبدأ تعليمه في تونس قبل أن يتوجه إلى مصر لمواصلة دراسته الجامعية، حيث حصل على الإجازة في اللغة العربية من جامعة القاهرة.
كانت مصر بالنسبة له أكثر من مجرد مكان للدراسة؛ كانت عشقاً دائماً، وكثيراً ما كان يعود إليها في زيارات متكررة. نضاله وتدريسه بعد تخرجه، عاد العرباوي إلى تونس وبدأ حياته المهنية كأستاذ للغة العربية في معهد رادس.
لم يكن العرباوي مجرد أستاذ عادي؛ فقد كان أيضاً مناضلاً نقابياً شرساً، دافع عن حقوق المعلمين وشارك في العديد من الحركات النقابية التي طالبت بتحسين ظروف العمل وضمان حقوق العاملين في قطاع التعليم.
* مواقفه السياسية
عرف العرباوي بمواقفه الجريئة ضد النظامين الحاكمين في تونس خلال فترتي حكم بورقيبة وبن علي. تعرض للسجن والتعذيب بسبب مواقفه السياسية، كما وُضع تحت الإقامة الجبرية لسنوات، ومنعه نظام بورقيبة من حضور جنازة أمه بعد وفاتها، لكنه لم يتراجع قط عن مبادئه. كان العرباوي من بين مؤسسي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، حيث عمل في المجال الحقوقي والسياسي مع مجموعة من السياسيين التونسيين، بما في ذلك سهام بن سدرين، ومحمد المنصف المرزوقي، وأحمد نجيب الشابي، وعدة شخصيات معارضة للدكتاتورية.
* الحركة القومية العربية
كان العرباوي من مؤسسي الحركة القومية العربية في تونس وأحد رموزها. دافع لسنوات عن حلم الوحدة العربية والاندماج العربي، وكان خصماً شرساً لمشاريع التقسيم التي كانت تهدد الوحدة العربية. مواقفه من القضايا العربية بالرغم من توجهاته القومية والعروبية، كانت مواقف العرباوي معادية لأغلب السلط العربية، خاصة في موضوع القضية الفلسطينية وأحقية الشعب الفلسطيني في أرضه.
* دعمه للشعب العراقي
كان العرباوي مناصراً قوياً للقضايا العربية، وخاصة القضية العراقية. كان العربي الوحيد من غير العراقيين الذي أُسند له شرف العضوية الكاملة في بيت الحكمة بالعراق. خلال فترة الحصار على العراق، كان يجوب تونس لجمع المساعدات الإنسانية، وخاصة الأدوية، لإرسالها إلى الشعب العراقي.
* تأثره بالشيخ أحمد الرحموني في صغره
تأثر العرباوي بشخصية الشيخ أحمد الرحموني، أحد مؤسسي الفرع الزيتوني في تالة. كان الشيخ الرحموني مصدر إلهام للعرباوي، حيث تعلم منه قيم النضال والالتزام الوطني، وهو ما شكل أساساً لمواقفه السياسية والفكرية فيما بعد.
* مؤلفاته
من أبرز أعماله: "البربر عرب قدامى": دراسة استغرقت منه 11 عاماً من البحث والسفر، تناول فيها العلاقة بين العرب والبربر.
طبع الكتاب عدة طبعات في لبنان وليبيا وتونس بعد رفع الحظر عنه لمواقفه السياسية. "الوحدة والتنوع في اللهجات العربية القديمة": بحث في الفروق والتنوعات بين اللهجات العربية. "في مواجهة النزعة البربرية وأخطارها الانقسامية": تناول فيه المخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية.
"اللغة البربرية لغة عربية قديمة": دراسة حول تطور اللغة البربرية وعلاقتها بالعربية. "خطنا السياسي": بيان شامل يوضح فيه مواقفه السياسية ورؤيته لقضايا الساعة.
* نشاطه الأكاديمي
محمد المختار العرباوي حاضر في عدة دول عربية، بما في ذلك العراق وتونس وليبيا ومصر، حيث شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية، مساهمًا في إثراء الفكر العربي ودعم الحوار الثقافي.
بعد الثورة التونسية لم يرغب العرباوي في المشاركة أو البروز بعد الثورة التونسية إيماناً منه بضرورة فتح المجال للشباب والجيل الجديد لبناء الدولة العصرية.
لم يُكرم في تونس إلا بعد الثورة، في عهد الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي، حيث استقبله في القصر الرئاسي. ومع ذلك، كرّمته عدة دول عربية أخرى، مثل العراق التي عاملته معاملة الأخيار، وليبيا.
* وفاته
توفي محمد المختار العرباوي فجر 18 أوت 2024 في تونس العاصمة ودُفن في مقبرة مدينة رادس. بفضل إسهاماته الكبيرة في الدفاع عن القضايا العربية ودعمه المستمر للشعوب المظلومة، يُعتبر العرباوي من أبرز الشخصيات التونسية والعربية التي كرست حياتها للنضال من أجل العدالة والحرية.
أعماله ومواقفه تظل نموذجاً يُحتذى به في التضامن العربي والإنساني.(منقول)
شهادة : المختار العرباوي، يتحداني بنشر" البربرعرب قدامى"
تاسيت اليوم وأنا اعلم بوفاة الاستاذ المختار العرباوي، ذلك المفكرالذي عرف بغزارة انتاجه الفكري والادبي وخاصة بنقاشه الهادئ لاي مسالة تعرض أمامه. علاقتي به تعود الى أوائل تسعينات القرن الماضي أو أواسطه حيث كانت الاوضاع في العراق على ما هي عليه من حصار وتكالب القوى العظمى والصغرى - والعربية منها - على تدمير العراق والقضاء على قائده الكبير الراحل صدام حسين.
كنت قبل مدة من ذلك قد توليت رئاسة تحرير جريدة الشعب الورقية الاسبوعية وقد عملت على فتح اعمدتها امام المزيد من الكتاب من مشارب مختلفة وحتى متناقضة وأمام تيارات فكرية واسعة وعديدة بما سمح للعديدين بطرق الكثير من المسائل وذلك عبر مساحات اضافية منها الشعب 2 والشعب 3.
في أحد الايام دخل علي في مكتبي "سي المختار" وأخذ يحادثني في جملة من المسائل الراهنة آنذاك. شرحت لضيفي ان جريدة الاتحاد مفتوحة امام الجميع دون استثناء ودون اقصاء، أيا كان الكاتب وايا كان المحتوى.
عندها أخرج من حقيبته مخطوطا أبقاه في يده وقال لي: سوف أصدق ما تقول اذا نشرت هذا النص. أخذته منه وما إن قرات العنوان حتى ارتبكت: البربر، عرب قدامى,
" ما هذا يا سي مختار؟" "هو ذاك يا سي محمد، فهل تقدر؟
نشرتُ النص فاثار من الجدل واللغو ما لم اكن اتوقع. فلا " العرب " رضوا به ولا " البربر" قبلوا به. أما عن الاتهامات لي وله فحدث ولا حرج.
ومنذ ذلك اليوم، صرنا أصدقاء، نلتقي، كلما سنحت الفرصة، في مقهى تعود الجلوس فيه كل صباح.
رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه.
محمد العروسي بن صالج