تحرّي

بين التضليل والحقيقة: مطالب العمال ليست هي السبب في تفاقم البطالة وتدني نسبة النمو وزيادة الفقر والرغبة في الهجرة

تضليل:   

"إنّ تردّي الوضع الاقتصادي في البلاد يعود الى أسباب عديدة في مقدّمتها المطالب المجحفة التي ما فتئ الاتحاد يرفعها في كل آن وحين ويصرّ على تحقيقها، مقيما الدليل على عدم تفهمه للاوضاع وعدم سعيه إلى المساعدة على التعافي من تبعات كوفيد_19."

الحقيقة:

إنّ العمّال وعموم الفئات الفقيرة والضعيفة هم أوّل من يتأثّر بالازمات الاقتصادية والاجتماعية ويدفعون ثمنها ومن دور الاتحاد كغيره من النقابات ان يدافع عن مطالبهم في تحسين مقدرتهم الشرائية وضمان عيشهم الكريم.

والحقيقة أيضا ان الامر في الصعوبات الاقتصادية يعود الى غياب الرّؤية الواضحة في معالجة مختلف الظواهر ومنها تفاقم التّغيّرات المناخية وشحّ المياه اللذان أصبحا عائقا حقيقيا للتّنمية وتهديدا صريحا من شأنه ضرب كلّ المنظومات الاقتصادية والاجتماعية وسبل العيش، وزيادة الفقر، وتعميق الفوارق، والمسّ من الأمن الغذائي.

فعلى الصّعيد الاقتصادي، تشير كلّ الأرقام الرّسمية إلى انتكاسة خطيرة كما يلاحظ مؤخّرا من خلال الانكماش الاقتصادي بتسجيل نسبة نموّ سنوي بـ 0,4 % في سنة 2023 وصولا إلى  0,2 %  و 1 % تواليا في كلّ من الثّلاثي الأوّل والثّاني لسنة 2024، وتراجع الاستثمار العمومي من 6 % إلى 3 % من النّاتج المحلي الخام إلى حدود سنة 2022 مقارنة بـ 2016 وتقهقر الاستثمارات الأجنبية المباشرة وخاصّة استفحال سحب الاستثمار في كافّة القطاعات جرّاء الضّبابية وتزايد الشّكوك وتردّي مناخ الأعمال،

إضافة إلى ذلك، تؤكّد أحدث المؤشّرات الاقتصادية الكلية في علاقة:

1. بمعدّل البطالة العام الذّي بلغ 17,7 % في سنة 2023 أن نسب البطالة في الثّلاثي الأخير لذات السّنة ناهزت: 40,9 % لدى الفئات الشّبابية في الفئة العمرية ما بين 15 و 24 سنة، و 23,2 % لخرّيجي التّعليم العالي) وبالتّضخّم المالي بـ 7,4 % في سنة 2024 (والذّي بلغ 9,3 % سنة 2023 )

2. بارتفاع نسبة التّداين من 77,6  %في 2022 إلى 80,2 % في 2023 من النّاتج الدّاخلي الخام، وبعجز الميزانية الذّي بقي يراوح مكانه في حدود 6,8 % من النّاتج الدّاخلي الخام (في 2023 )، دون الأخذ بعين الاعتبار الوضعية الكارثية للمؤسّسات العمومية التّي تفاقم تداينها على نحو كبير بما ينذر بمزيد تقهقر جودة خدماتها وبتعطّل المرافق الحيوية والأساسية وبأخطر العواقب على الدولة وعلى المجتمع بأسره.

أمّا على الصّعيد الاجتماعي، فقد ازدادت نسب الفقر المالي والفقر متعدّد الأبعاد وفقر العمّال، وارتفعت نسب العمل غير المنظّم والعمل الهشّ إلى معدّلات قياسية في العديد من القطاعات، في حين تتراوح نسبة الشّبّان الذّي لا يمارسون أيّ نشاط يتعلّق بالدّراسة أو بالتّكوين أو العمل سنة 2023 حسب المعطيات الرّسمية لمنظّمة العمل الدّولية بين 25 % و 31,2 % بما يفوق المعدّل العالمي المقدّر بـ 20,4 %.

 كذلك، بلغت نوايا الهجرة من تونس لدى الشّباب في الفئة العمرية ما بين 15إلى 29 سنة نسبة 40 %، إضافة إلى ارتفاع قياسي لنزيف هجرة الكفاءات في مختلف الاختصاصات لعلّ من أهمّ مؤشّراتها وجود نيّة مغادرة تونس لدى 50 % من الأطبّاء التّونسيين ناهيك عن الأساتذة الجامعيين والمهندسين والإطارات الصّحية وشبه الصّحية والاقتصادية والمالية والإدارية والتّقنيين والحرفيين.