آخر ساعة

الضاحية الجنوبية: بيوت "المحرومين" التي بنيت في بساتين الليمون وحضور قوي لحزب الله

* الصورة لمنطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية خلال الخمسينات

 الشعب نيوز/ ب ب س - فقدت الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت اليوم السبت 28 سبتمبر 2024 واحدا من ابرز اقطابها، سماحة السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله اللبناني، الذي لبى داعي ربه اثر غارة غادرة نفذها ضده الجيش الصهيوني. قبل ذلك ومدة سنوات طويلة، كانت الضاحية دوما في مرمى نيران العدو الصهيوني باعتبارها اكثر مناطق لبنان ايواءا لحزب الله ومؤسساته المدنية والدينية والعسكرية ومقرا لسكن العديد من قادته ومقاتليه وانصاره.

فماذا يمكن ان نعرف عن هذه الضاحية؟

عاد اسمها إلى الواجهة بعد سلسلة استهدافات صهيونية طالتها خلال الأيام الماضية. وهي تعدّ من بين أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في لبنان.

نحو مليون نسمة 

تقول الأستاذة المحاضرة في الجامعة الأمريكية لبيروت والباحثة في التاريخ الحضري والتخطيط العمراني، منى فواز، في اتصال مع بي بي سي عربي، إن عدد سكان الضاحية كان نحو 600 ألف نسمة، لكن الرقم ارتفع كثيراً مع لجوء المواطنين السوريين إلى لبنان، جراء الحرب في بلادهم، خلال العقد الماضي، بحيث تعد اليوم نحو مليون نسمة.

وكان آخر مسح أجرته إدارة الإحصاء المركزي اللبنانية في العام 2007، بيّن أنّ 50.3 في المئة من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت ينحدرون من مناطق الجنوب، و24.3 في المئة من البقاع، و9.7 في المئة من بيروت، و15 في المئة من جبل لبنان، و0.7 في المئة من الشمال، و0.1 في المئة من حملة جنسيات مختلفة.

هذه مناطق الضاحية

و "منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، بدأ النزوح إلى المنطقة من الجنوب والبقاع (شرق لبنان)، نتيجة الفقر والحاجة للبحث عن عمل، كما حصل في جميع بلاد العالم من نزوح إلى المدن من المناطق الريفية. يضاف إلى ذلك، أنه بعد تأسيس إسرائيل، تعطّلت الحركة الاقتصادية في مناطق الجنوب".

ونتيجة لذلك النزوح، "توسعت القرى المجاورة لبيروت شيئاً فشيئاً بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتحوّلت هذه المناطق من قرى، إلى ضواحٍ للعاصمة". وتشير الباحثة فواز إلى أنه في ذلك الوقت، لم تكن المنطقة تُعرف بـ"ضاحية بيروت الجنوبية"، بل كانت المناطق تحتفظ بأسمائها الأساسية.

وتضمّ ضاحية بيروت الجنوبية مناطق كثيرة أبرزها: الشياح، الغبيري، برج البراجنة، حارة حريك، بئر العبد، حي السلم، الليلكي، الأوزاعي، المريجة، وتحويطة الغدير.

نزوح الجنوبيين الى الضاحية

ولم تشهد المنطقة هذا التوسع الكبير في مساحتها حتى الحرب الأهلية (1975-1990) التي تقول فواز إنها "سرّعت من وتيرة النزوح والسكن في الضاحية بشكل كبير"، حيث تهجّر الناس في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية و"تحديداً عام 1976 من الضواحي الشرقية لمدينة بيروت إلى حارة حريك تحديداً".

وتضيف فواز أنه في العام 1982، ومع بداية الاجتياح الصهيوني للبنان، نزحت أعداد كبيرة من الجنوبيين إلى ضاحية بيروت الجنوبية.

وتشير الباحثة اللبنانية إلى أنّه وفي منتصف الثمانينيات، ظهرت الكثير من "العشوائيات" السكنية، وانتشر السكن غير القانوني، وتم الاستحواذ على الكثير من الأراضي بفعل الحرب، وسطوة الأحزاب التي كانت تساعد أتباعها على إيجاد مساكن.

تحوّلات دينية وسياسية

الباحثة منى فواز نشرت دراسات كثيرة عن منطقة الضاحية الجنوبية. تقول عن التحوّل السياسي والديني في المنطقة على مرّ السنوات، أنّه عام 1976، أسس المرجع الديني الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله أول حوزة دينية سياسية في المنطقة، وكان مركزها في حارة حريك. وبعدها أصبحت المنطقة مركزاً لحوزات دينية أخرى.

وحافظت حارة حريك على بعض معالمها القديمة، ولا تزال كنيستها مفتوحة إلى اليوم، وتقام فيها الصلوات أيام الآحاد.

وفي السبعينيات، بدأت المنطقة تتحوّل إلى مركز ثقل سياسي مع صعود شعبية الإمام موسى الصدر الذي أسس "حركة المحرومين" أو "حركة أمل" عام 1974. وقد فُقد أي أثرللامام موسى الصدر خلال زيارة لليبيا عام 1978.

وتضيف فواز "في أواخر الثمانينيات وبعد استقرار حزب الله في الضاحية، تغيرت هوية المنطقة، وأصبح لديها هوية دينية جديدة وسياسية ترتبط به".

وتقول إن "الشيعة في عهد موسى الصدر كانوا يُعرفون بالمحرومين، ومع صعود حزب الله درج استخدام مصطلح المستضعفين. هكذا، تحوّلت صورة الضاحية من منطقة منبوذة وفقيرة إلى منطقة لديها هوية سياسية قوية، وينظر إليها كمنطقة مقاومة ومتدينة وملتزمة".

 "وعد" تعيد البناء

وتضيف: "خلال حرب عام 2006، عندما قصف الجيش الصهيوني حارة حريك، كان هناك شعور قوي جداً بأنّ ما تحاول أن تمحوه هو المركز السياسي لحزب الله" حيث "اعتبرت دولة الكيان حينها أن جميع سكان المنطقة المكتظة التي يقع فيها المربع الأمني لحزب الله، من المسموح أن يكونوا ضمن الأضرار الجانبية". وتشير فواز إلى أنه تم تدمير أكثر من 250 مبنى سكني في حارة حريك بشكل كامل في ذلك الوقت.

وتؤكد فواز أن الدولة اللبنانية لم تقم بإعادة إعمار المنطقة بعد حرب عام 2006، بل تركت لحزب الله فرصة القيام بذلك، عبر مؤسسة"وعد". كما تشير إلى أن لحزب الله ارتباطات وثيقة باتحاد بلديات المنطقة، التي تتمركز فيها لجان أمنية تابعة له.

 

* صورة جوية لجزء من التراب اللبناني وتظهر الضاحية الجنوبية باللون المميز ومن ابرز معالمها مطار بيروت الدولي.