محاكمات النقابيين/ سوسة 068 : الاتحاد العام التونسي للشغل هو الرئة التي تتنفس بها تونس هواء نقيا
اقترن اسم المحامي الاستاذ منصور الشفي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل حيث ترافع دفاعا عنه كمنظمة ودفاعا عن مناضليه منذ مطلع الستينات وخاصة في جويلية 1965 في القضية المعروفة تحت قضية الباخرة. وفي قضية الحال، سهر على تنظيم المحامين وترتيب تدخلاتهم وناقش مع اغلبهم محتوى مرافعاتهم. وكان في نفس الوقت محامي المحامين والمدافع الشرس عنهم.
٭ الاستاذ منصور الشفي
دفاعا عن الحبيب بن عاشور والصادق قديسة وعلى المحظى ومنيرة جمال الدين وبقية رفاقهم ودفاعا عن الهادي جمعة وجلال عاشور وبقية رفاقهم ودفاعا عن نورة بالخيرية ورفيقاتها اسمحوا لي سيدي الرئيس بان اتقدم بالملاحظات التالية:
اننا اذا استطعنا كلسان دفاع ان نرفع اصواتنا واذا ظهر منا بعض الحماس فإنما ذلك لنصرة الحق ولأننا لم نجافي الصواب ولم نلتزم الشطط ونتمنى ان نجد من المحكمة اذانا صاغية ايمانا منا بان لا سلطان الا سلطان القانون والعدل.
بعد استنطاق المتهمين اتضح وان هناك روايتين او موقفين الاول يتهم الاتحاد بالتآمر والثاني يقول ان الاتحاد كان ضحية.
فكيف تم الوصول الى احداث 26 جانفي ولماذا وقع الاختيار على الاتحادات الجهوية بكل من سوسة وصفاقس وتونس والمكتب التنفيذي المركزي لإيقاف اعضائها والزج بهم في السجن لأنها هذه هي الخلايا الكبرى التي تركز فيها العمل النقابي وتجسد ولأنه يراد تبديل القيادات فيها اعتقادا بان التبديل يحل المشكلة.
لكن بالرجوع الى التاريخ القريب اقول «ما اشبه الليلة بالبارحة» فلقد كنت سنة 1965 رافعت عن الحبيب عاشور في صفاقس في قضية معروفة من انظار الحق العام وها انا اليوم في سنة 1978 اعود للمرافعة والدفاع عن الحبيب عاشور والحبيب بن عاشور وغيرهما من النقابيين ولعل الفارق الوحيد بين الحادثتين هو ان عاشور دخل السجن وحده سنة 1965 ولم يقف بجانبه الا المرحوم احمد التليلي وكان المكتب التنفيذي اذ ذاك منقسما الى شطرين احيل الحبيب عاشور يومها على القضاء من اجل جرائم حق عام لكن الاسباب كانت اعمق من ذلك وقد اعترف بها السيد الرئيس نفسه والسيد الباهي الادغم.
ففي سنة 1965 اوقف الحبيب عاشور من اجل الموقف الذي اتخذه بخصوص تخفيض الدينار وبالخصوص لموقفه من التعاضد واليوم يحصل نفس الشيء تقريبا..
واستعرض المحامي جذور الخلاف الذي قام منذ 1973 بين الحبيب عاشور وبعض من في الحزب والمراحل المختلفة التي كانت تستهدف الامين العام للاتحاد كما قال بعد ان انهى المجلس القومي اشغاله تولت اجهزة الاعلام الرسمية التشهير بمواقف الاتحاد واصبحت بعض الاطراف تنادي بالقصاص من النقابيين، وبعد ذلك جاءت مرحلة التصدي للنقابيين في تونس وصفاقس وسوسة: الهادي عوف من زرمدين يؤخذ ويضرب ضربا مبرحا لانه كان يقرأ عددا من جريدة الشعب فتوجه جمع من ابناء زرمدين وضربوا المتسبب لكن الصحافة الرسمية ذكرت الحادثة الثانية ونسيت الاولى.
واضاف الاستاذ الشفي قائلا: في يوم 15 جانفي استقال صالح الفريقي والحبيب منصور من الاتحاد الجهوي بسوسة وبعد ذلك اتصل شخص لا علاقة له بالاتحاد ولا باي منظمة واسمه حسن موسى اتصل بمحمد بن عايشة عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي والمتهم في هذه القضية واشار عليه بالاستقالة قائلا له انه سيقع الامر باجراء انتخابات جديدة اذ لم يعد النصاب القانوني متوفرا اذا انسحب بن عايشة واعضاء آخرون من مكتب الاتحاد الجهوي.
وتحدث المحامي عما جرى بسوسة يوم 20 جانفي والايام الموالية وقال
وقعت محاصرة مقرات الاتحاد في تونس ايام 23 و24 و25 و26 جانفي وفي صفاقس ايام 24 و25 و26 جانفي ومما يلاحظ انه لاول مرة تقع محاصرة مقرات الاتحاد والاعتداء عليها وعلى النقابيين فيها وانا اذكر ان الحبيب عاشور الامين العام للاتحاد كان جد متأثرا اثناء استنطاقه لدى حاكم التحقيق في تونس الي حد انه بكى وقال «ان الاعتداء على الاتحاد أكثر بالنسبة لي من الاعتداء على زوجتي».
وحضر الحبيب بن عاشور اجتماع الهيئة الادارية المنعقد يوم 22 جانفي والذي تقرر فيه مبدأ الاضراب العام من طرف كافة اعضاء الهيئة الـ 84 من بين هؤلاء الاعضاء يوجد 38 في السجن والبقية طلقاء وفي مقدمتهم السيد التيجاني عبيد ومن معه الذين قالوا في زملائهم انهم منحرفون ونحن نعرف ان السيد التيجاني عبيد سبق له ان احتج على موقف الوزير الاول في قوله «سذج» اثناء مناقشة الميزانية في مجلس الامة في اواخر سنة 1977 فاين كان بقية أعضاء الهيئة الادارية الم يطالبوا بالإضراب العام ألم يوافقوا عليه؟
في 25 جانفي كان بن عاشور في مقر الاتحاد وكذلك يوم 26 ونسب له انه خاطب الحبيب عاشور هاتفيا طالبا منه التعليمات في حوالي التاسعة او التاسعة والنصف وحسب تصريح المسؤولين أنفسهم لم يحصل اي شيء في العاصمة وكان الهاتف مقطوعا على الحبيب عاشور في بيته الذي كان محاصرا وكان صاحبه في اقامة جبرية.
٭ واضاف المحامي:
واننا لو رجعنا بالذاكرة الى ما عرضته علينا التلفزة ابان احداث جانفي، من صور ومشاهد عن اعمال التخريب لقلنا ان ذلك كان مهولا وكدت انا شخصيا آنذاك اعتقد انه ربما كان الامر صحيحا فعلا وكدت اشك حتى في نوايا الاتحاد ولكن ها هي الحقيقة قد اتضحت عارية وبالرغم من ان قلم الادعاء قد هول هو الاخر الامر فقد ثبت انه لم يقع شيء يوم 26 جانفي من شأنه ان يورط المتهمين ولم يتضرر اي انسان ولو ان البحث قد ادعى انه وقع الاعتداء على عون من اعوان الامن بماء الفرق وهذا يجب التثبت فيه لان هذا البحث اكد انه وقع الاعتداء على هذا العون في الرابعة مساء وان الطبيب أعطاه راحة بعشرين يوما في حين صرّح هذا العون فيما بعد انه شارك في منتصف الليل في عملية استسلام النقابيين الذين كانوا يومها محاصرين بدار الاتحاد والغريب ان الصحف اعلمت غداة 26 جانفي انه وقع الاعتداء على أعوان لا عون من الامن وهذا كان داخلا طبعا في خطة التهويل والصحيح في اعتقادي انه لم يقع اعتداء على اي عون.
وإذا كان قد وقع في سوسة اعتداء برمي الحجارة فهذا قد قالت فيه المحاكم في الابان كلمتها واتصل به القضاء فلا يوجد اي مبرر لمثول هؤلاء المتهمين اليوم امام هذه المحكمة رغم ضخامة الملف ويمكن تقسيم المتهمين الى 3 مجموعات هي:
1) مجموعة الفتيات اللواتي وقع ايقافهن يوم 26 جانفي وزج بهن في الزنزانات طيلة 155 يوما نلن خلالها شتى انواع التعذيب فلماذا اوقفن؟ البحث قال انهن كن يزغردن وهذا اعتبره مهزلة انهن مستهدفات حسب فصول الاحالة الى 20 سنة اشغالا شاقة لا لشيء الا لأنهن زغردن وقد قيل انهن كن يسعين لتحميس الجماهير كأنما كانت هناك جماهير في دار الاتحاد التي كانت مطوقة من طرف الشرطة.
2) مجموعة الذين ليست لهم اية مسؤولية في الاتحاد وقد حشروا حشرا في القضية وهم الان مستهدفون لعقوبة الاعدام لأنهم وجدوا يوم 26 جانفي بدار الاتحاد، وانه لمن المهازل ان تعتبرهم النيابة بمثابة خطر على الامة.
3) مجموعة بن عاشور ورفاقه وقد قيل انهم متآمرون على الدولة ونسبت إليهم على هذا الاساس جرائم تؤدي الى عقوبة الاعدام ولا فائدة في الرجوع للأركان القانونية التي تتكون منها هذه الجرائم ولان الزملاء قد اعطوها حقها من التحليل ولقد اعتمد في هذه القضية على 4 وسائل لإثبات المؤامرة التي نسبت للاتحاد وهي:
1) الاعتراف: انه لا يمكن في المادة الجزائية ان يعتبر حجة ما لم تتوفر فيه بعض الشروط وهي لم تتوفر فعلا في هذه القضية اذ ان الاعترافات قد تمت بالإكراه وقد بقي بن عاشور لدى الشرطة شهرا و20 يوما فلو ان اعترافاته كانت اختيارية تلقائية لا يستوجب ذلك عدة ساعات فقط.
2) شهادة الشهود: لا يمكن الاعتماد عليها لأنها اخذت من اشخاص معينين وبأساليب معينة.
3) منشور الاتحاد الذي قيل انه صدر لتحميس الجماهير وقد قالت النيابة ان لهجته تقيم الدليل على انه كانت هناك نوايا للتعدي على النظام ونحن عندما نرجع لهذا المنشور (قرأه المحامي على المحكمة) لا نجد فيه اية دعوة للسكان لمهاجمة بعضهم بعضا وهو لا يتضمن اي شيء من شأنه ان يثبت وجود قصد لقلب نظام الحكم في البلاد.
4) الكتاب الازرق: ركز هذا الكتاب على 4 وقائع لإثبات ان الاتحاد كان ينسج خيط مؤامرة في البلاد وهذه الوقائع يمكن الوقوف عليها كما يلي:
٭ احداث 9 نوفمبر: اعتبرها المسؤولون تجربة او مقدمة لأحداث جانفي ولكن ما دام ان هذه الاحداث قد قال فيها القضاء كلمته فلماذا يقال اليوم ان الاتحاد الجهوي بسوسة كان له ضلع فيها ولماذا لم يحاكم بن عاشور ورفاقه من اجل تلك الاحداث في ابانها؟ بالمناسبة يؤسفني بعد ان قال القضاء كلمته في قضية الورداني وادانه ان يعتبر بعض المسؤولين ان تهديد الورداني لم يكن جديا، ان هذا الكلام يمثل طعنا في القضاء التونسي.
٭ احداث قصر هلال: موقف يشرف كل التونسيين واذن فلم يكن هناك موجب ليعتبر هذا الموقف قرينة او وسيلة لمؤامرة يخطط لها الاتحاد.
٭ احداث رمضان في صفاقس وقعت مظاهرات لان اشخاصا ارادوا تناول الخمر على قارعة الطريق في أحد ايام شهر الصيام وبأحد المقاهي وكان عامل هذا المقهى قد امتنع عن اعطاء الخمر لهؤلاء الاشخاص باعتبار ان ذلك يمس من المشاعر الدينية للمواطنين فوقع تهديده بالطرد وتدخل الاتحاد لفائدته ومن الغريب ان يصبح هذا التدخل بمثابة خيط من خيوط المؤامرة.
٭ زيارة عاشور الى ليبيا: لقد زار عاشور ليبيا مرتين الاولى من اجل الجرف القاري والثانية من اجل الدفاع عن العملة الفلاحيين الذين سها عنهم وزير الفلاحة نفسه وهذا يعني ان الزيارتين كانتا لصالح تونس واذكر ان الرئيس قال لعاشور لدى استقباله (ان زيارتك تعد مزية اخرى على هذا الوطن) فكيف تنقلب الامور ويقال انها زيارة خيانة.