وطني

رحيل الكاتب والباحث الفرنسي - التونسي "جون فونتان"

غادرنا ليلة أمس الباحث والمفكّر والوجه الثقافي البارز المستقرّ في تونس منذ سنة 1956 وصديق الجميع، الأب "جون فونتان" عن سنّ ناهز 85 سنة.
ولد "جون فونتان" يوم 02 ديسمبر 1936 بقرية "سان أندري" (Saint-André lez- Lille ) شمال فرنسا. درس الابتدائي بمسقط راسه والثانوي بمعهد "روبي" (Roubaix) حيث حصل سنة 1953 على شهادة البكالوريا اختصاص رياضيات. عزم على دراسة الرياضيات في البداية، لكنه سرعان ما وجه اهتمامه إلى العالم العربي للقيام بدراسة مستفيضة للغة والآداب العربية.
في 15 سبتمبر 1955 شدّ الرحال إلى الجزائر كتلميذ بمعهد الآباء البيض بالجزائر لكن بطلب منه تمّت نقلته في السنة الموالية إلى "معهد الآباء البيض سان جوزاف" بتيبار قرب باجة (Saint-Joseph de Thibar) لدراسة الدين المسيحي.
و في سنة 1958 عيّن معلما بالجزائر إلى غاية سنة 1959. وبين 1959 و 1962 درس الدين بقرطاج وبمنوبة ثمّ عاد لتحقيق حلمه الأول بدراسة اللغة والآداب العربية بكلية الآداب بتونس.
وفي سنة 1965 توجه لمواصلة دراسته للغة العربية بالمعهد البابوي للدراسات العربية والإسلام بروما (l'Institut pontifical d'études arabes et d'islamologie de Rome) وفي سنة 1968 حصل على الإجازة في اللغة والآداب العربية من كلية الآداب بتونس بتفوّق.
ومن سنة 1968 إلى سنة 1977 شغل خطة مدير مكتبة معهد الآباء البيض بتونس ومدير مجلة "إيبلا" من سنة 1977 إلى سنة 1999. وبالتوازي مع ذلك رسّم في المرحلة الثالثة بجامعة "إيكس- آن بروفانس" (Université d’Aix-en-Provence) بجنوب فرنسا حيث حصل على شهادة دكتوراه الدولة في اللغة والآداب العربية.
ركز الأب اليسوعي (Jésuite) ذو الاختصاصات المتنوعة اهتمامه بدرجة أولى على الأدب التونسي الجديد الناطق باللغة العربية. وكان له النصيب الأوفر في مجمل المؤلفات القيمة في هذا المجال.

وإلى جانب ذلك يعتبر "جون فونتان" من أفضل الشخصيات الخبيرة بشؤون البلاد التونسية. وحسب العديد من المختصين لا يوجد فرنسيّ على معرفة دقيقة بمجالات الحياة اليومية وبهموم الناس وكذلك بالظروف العامة للبلاد وبالظاهرة السلفية والاسلام المتشدّد (بعد 2011) وبالسجون والمساجين الأفارقة والأوروبيين المسيحيين في السجون التونسية بعد تنامي ظاهرة الهجرة السرية إلى الضفة الشمالية للمتوسط...، أفضل من "جون فونتان" !
وبالرغم من مغادرته للمعهد وتقدمه في السن فقد بقي "جون فونتان" يشارك بانتظام في النقاشات العمومية وإلقاء المداخلات والمحاضرات وإرشاد ومساعدة المساجين المسيحيين في السجون التونسية .

ولئن انسحب من تحمل مسؤوليات مباشرة داخل المعهد ومجلة"إيبلا"، فإن هذا الأب الفرنسي دما و "التونسي" روحا ولسانا والملتزم يقضايا البلاد، ظل مع ذلك يعمل في الخفاء.
وهو علاوة على كل ذلك محب للمسرح والسينما والموسيقى الهادئة والمالوف التونسي... وعازف ممتاز على آلة الكلارينات. اشتهر الراهب الفرنسي "جون فونتان" منذ خمسينيات القرن الماضي بدراساته وبحوثه العميقة في الأدب التونسي والعربي، وأتقن اللغة العربية منذ قدومه إلى تونس منتصف الخمسينيات، ليصبح من أبرز المتخصصين والمحاضرين والكتاب في الأدب التونسي نثرا وشعرا وقصة...

رحم الله الفقيد "جون فونتان" ورزق اهله وكل من يحبه الصبر والسلوان.