تحرّي

تجميد الحوار الاجتماعي وضرب المفاوضات الخاصة بالنّصوص التشريعية يمهد الى التفويت في المؤسسات العمومية.

تضليل: أغفل الاتحاد منذ مدة طويلة الخوض في الجوانب التشريعية والترتيبية لعدد من القوانين والمجلات والاوامر التطبيقية رغم أهميتها في الحفاظ على مصالح العمال وحقوقهم المكتسبة متجها الى الزيادات الدورية في الأجور والمنح.
 
الحقيقة: قل وندر ان اقتصر الاتحاد في مفاوضاته مع الحكومة والأعراف على الزيادات والأجور – رغم أهميتها – دون التطرق الى الكثير من المسائل التشريعية والترتيبية. لكن في غمرة النقاش حول الزيادات وحجمها ومفعولها، يقع اهمال الإشارة الى المكاسب القانونية والتي لولاها ما صمدت دورية الزيادات في الأجور والمنح.
لكن الذي يحصل منذ مدة هو انه جرى بكل بساطة تجميد الحوار الاجتماعي وضرب المفاوضات خصوصا في علاقة بالنّصوص التشريعية ذات الصّلة بالقطاع العام.
فقد أصبحت هذه الأخيرة مادّة للمراجعة والتّنقيح بشكل أحادي الجانب بما يعني نسف الجهود المبذولة في تقديم وجهات نظر المنظّمة وتحفّظاتها بشأن مقترحات التّعديل التّشريعي في عديد القوانين. 
وفي هذا السّياق كان الحرص شديدا على القيام بخطوة من أجل دعم التّشاركية بتنظيم ندوة دراسية بحضور وفد حكومي حول "حوكمة المساهمات والمنشآت والمؤسّسات العمومية" في شهر ديسمبر 2022، وحيث كانت الغاية من وراء هذا النّشاط إرساء قواعد موضوعية للحوار والتّشاركية حول التّنقيحات المقترحة للقانون عدد 9 لسنة 1989 المؤرّخ في 01 فيفري 1989، تعثّر مسار التّشاور بمجرّد تقديم الاتّحاد العام التّونسي للشّغل لقراءاته وتحفّظاته بشأن التّنقيحات المقترحة.

توجه ضمني نحو التفويت
والواقع ان تلك التنقيحات اكتست في نظرنا خطورة بالغة تتجلّى في التّوجّه الضّمني نحو التّفويت في المؤسسات العمومية خصوصا من خلال آلية إحداث المؤسّسات انطلاقا من غرة جانفي 2023 في شكل شركة خفية الاسم وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية ألا تكون الدّولة مساهما في رأسمال المؤسّسة المحدثة.
وعليه، تمّت مراجعة القانون عدد 9 لسنة 1989 المؤرّخ في 01 فيفري 1989 بصفة أحادية و بمصادقة مجلس الوزراء في انتظار إحالة مشروع القانون على مجلس نواب الشعب بما يحيل إلى المزيد من التّراجعات في الحقوق والمكتسبات العمالية وخاصة منها تلك المرتبطة بالتّصدي للخوصصة والتّفويت وضمان الحقوق والحريات النقابية.
 ان هذا المعطى يطرح تحديّا إضافيا يتمثّل في النّضال المتواصل واليقظة التّامة وممارسة المزيد من الضغوط لمنع سياسة الهروب الى الأمام والأمر الواقع في المجالين التّشريعي والتّرتيبي بما يقتضي الدّفع بكل قوّة من أجل ضمان عدم المساس بالمكتسبات التاريخية للعمال بالقطاع العام وبقية الأسلاك وضمان ممارسة الحقوق والحريات النقابية بما يضمنه القانون والتشريعات الوطنية وكذلك المعاهدات والاتّفاقيات الدولية.
كما أنّ المعركة التّشريعية المرتبطة بالمؤسّسات العمومية لا تعتبر نقابية فحسب وإنما هي معركة سيادة حقيقية في عديد المجالات الحيوية على غرار المياه والطّاقة والنّقل والصّحة والتّعليم والغذاء والتّموين وهي قطاعات باتت مهدّدة فعليا في ديمومتها وعموميّتها. 
 وعليه، يتّجه أن يعمل الاتّحاد العام التّونسي للشّغل على الاستباق والتصدي لهذه المحاولات المريبة خصوصا وأنّها تستبطن سحب البساط من أقدام النقابيين ومنظّمتهم عبر حرمانهم من حقّهم القانوني في مراجعة التّشريعات بشكل تشاركي يضمن حقوق الأطراف الاجتماعية وأطراف الانتاج ويحسن المناخ الإجتماعي ويبني نموذجا ناجحا لمنوال تنموي اجتماعي تشاركي. 

توافق أفسده التعنت الحكومي
وفي سياق متّصل، فقد خاض الاتّحاد العام التّونسي للشّغل ممثّلا في قسم المؤسّسات والدّواوين والمنشآت العمومية مسارا تفاوضيا عسيرا بغاية التّسريع في إنهاء مراجعة القانون عدد 78 لسنة 1985 المؤرّخ في 5 أوت 1985 المتعلّق بضبط النظام الأساسي العام الأعوان الدواوين والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والشركات التي تمتلك الدولة أو الجماعات العمومية المحلية رأس مالها بصفة مباشرة وكليا.
 فبعد أن تمّ التّوافق حول أغلبية الفصول من القانون المذكور حال تعنّت الطرف الحكومي دون إتمام مراجعة القانون المذكور وبالتّالي تعطّل إصلاح أغلبية الأنظمة الهيكلية الخاصّة للمؤسّسات العمومية بما كان من شأنه تعزيز مردوديتها وقدراتها الإنتاجية وتوازناتها المالية وتطوير مواردها البشرية وتحفيزها على قاعدة التّسيير وفق برنامج أهداف إضافة إلى تفعيل مختلف الاتّفاقيات المبرمة بالقطاع العام، وبما أدّى إلى تواصل الوضع كما هو عليه في العديد من مؤسّسات القطاع العام.
هذا وما يزال المجال مفتوحا في علاقة بالأمر الحكومي عدد 105 بتاريخ 26 فيفري 2020 على إثر صدور القانون عدد 47 المؤرّخ في 29 ماي 2019 المتعلّق بتحسين مناخ الاستثمار وخاصّة في فصله المتعلّق بإنتاج الكهرباء من الطّاقات المتجدّدة وذلك بالسّماح بتكوين شركات للتّوليد الذّاتي للكهرباء من الطّاقات المتجدّدة وبيعه للمستهلكين الذّاتيين أو للجماعات المحلية.
 وهو ما يعني خلق مؤسّسات خاصّة منافسة للشّركة التونسية للكهرباء والغاز تتمتّع بحقّ نقل الكهرباء المنتجة عبر الشبكة الوطنية مما يحوّل الشّركة التونسية للكهرباء و الغاز من مؤسّسة وطنية تلعب دورها الاقتصادي والاجتماعي إلى مجرّد شركة تجارية وذلك في إطار سياسة كاملة للدولة للتّخلي عن الدعم والمؤسّسات العمومية. كما ينسحب نفس الأمر في علاقة بالمناورات التّشريعية على الأمر 422 بتاريخ 14 جويلية 2020 والذي يسمح لمجالس الإدارة بالتفويت في ممتلكات المؤسّسات العمومية بكل من شركتي اتّصالات تونس والشركة التّونسية للكهرباء والغاز وتعديل نظام التّأجير والقيام بالانتدابات طبقا لمجلّة الشغل.