الفن والسلطة والحداثة (2): خطاب بورقيبة في 7 نوفمبر 1963 أشاع المسرح وعممه ودعمه
* صورة قديمة للمسرح البلدي بالعاصمة
[زخم الحركة الثقافية السائدة هذه الأيام أثار فضول الزميل طارق السعيدي فأنتج مادة دسمة تحت عنوان " الفن والسلطة والحداثة" يحاول من خلالها الإجابة الملائمة عن سؤال مفصلي.]
الشعب نيوز/ طارق السعيدي - في حديثه عن الحداثة السائلة أشار زيغمونت باومان* الى ان التغيير الاجتماعي بما في ذلك الثورة هو اذابة للأطر الصلبة القديمة لتسمح بإعادة التشكل. ولقد كانت مهمة الدولة الساعية وراء الحداثة هي اذابة البنى الصلبة التي تعيق مشروعها.
* فرقة الرشيدية أبرز الفرق الموسيقية التونسية وفي صدر الصورة الشيخ خميس ترنان وعلى يمينه المطربة الخالدة صليحة
وقد مثلت النظم الثقافية التقليدية المرتبطة بالنظام الاقطاعي (او المخامسي) وبموروث ثقافي يعود الى قرون عديدة أبرز عائق امام تقبل الجماهير لروح الحداثة التي يريد بورقيبة ورفاقه بثها في المجتمع.
معركة التقاليد
انها معركة التقاليد كما وصفها محمد قطب وهي معركة تُصارع فيها النظم الثقافية التقليدية عوامل التغيير الاجتماعي. ولما كانت النظم الثقافية في المجتمعات التقليدية قد تأسست على الثبات الظاهر في البنية الاجتماعية وحتى في المصائر والاقدار فقد ترسخت تقاليد الجمود والثبات. وقد مثلت النظم الثقافية التقليدية الحصن الرافض لمنتجات الحداثة الفلسفية والمعرفية والابداعية وهي مقدمة غير مشجعة على إمكانيات قبول الحداثة من قبل الافراد او فلنقل مقدمة غير مشجعة على مدى قدرة الحداثة على اذابة الأطر القديمة تمهيدا لتشكل البنى الجديدة.
ان اذابة اطر صلبة ممتدة في التاريخ تستوجب الفن. ان للفن دور ثوري وهو قادر على ارباك أسس الأنظمة الثقافية التقليدية. ويعتبر ماركس ان الفن ثوري من خلال قدرته على تعرية الواقع وابراز تناقضاته ويلغي الوعي الزائف. ولا يتجاهل علم الجمال الماركسي اللينيني ما في الفن من إبداعية خلاقة تمكن من انتشاره وهو ما يجعل منه اداه مهمة لتعلم الثورة والدربة على الديالكتيك. ان مقبولية الفن لدى الجماهير ومقبولية المسرح والسينما والتلفزيون بوجه خاص قد جعلا منها أداة مهمة في مساعي النخبة الحاكمة الى ارباك أسس البنية الثقافية للمجتمع التقليدي.
رفض المسرح المبتذل
ولذلك فان نخبة السلطة ممثلة في شخص قائدها الرئيس الحبيب بورقيبة دعت الى اشاعة المسرح وتعميمه ودعمه وهو ما برز في خطاب 7نوفمبر 1963. وهو خطاب أبرز إدراك النخبة الحاكمة لأهمية دور الفن والمسرح في خفض منسوب مقاومة النظم الثقافية التقليدية لمشروع التحديث.
وقد كان خيار السلطة موفقا الى حد كبير رفض النوع المبتذل من المسرح لفائدة مسرح الدراما المسرح الخاضع لمقتضيات تقنيات وكتابة مرتبطة بالحداثة. فالمسرح حالة فنية نادرة له قدرة خارقة على اثارة التساؤلات والدفع الى الجدل والتفكير وإعادة صياغة التمثلات. وبالتالي فان جمهور المدن والقرى قد كان على موعد مع مسرح بديل جديد حداثي يلغي مسرح الابتذال.
* صورلمحسن بن عبد الله أحد أبرز الممثلين الذي عرفتهم تونس وفي الصورة على اليمين يستمع الى الرئيس بورقيبة
خلال معركة التقاليد مع منتجات الحداثة كان لابد من اليات صراع تمكن الدولة من نشر روح الحداثة وقيمها وقد كان للفن دور أساسي في اثارة المعارك مع مركز التعنت في النظم الثقافية التقليدية عبر استفزازها الى نقاش ثوابتها. واقصد بمراكز التعنت المشايخ وحراس الضمائر والاعيان في المجتمعات القروية التقليدية او مجتمعات المدينة.
منظومة قيم وتمثلات جديدة
وقد كانت المسرحية المستوحاة من المسرح الدرامي الغربي في الستينات والسبعينات قفزة مهمة نحو منظومة قيم وتمثلات جديدة من خلال المسرح تم تكوين أجيال من المحترفين الذين قدموا للتونسيين اعمالا درامية وفكاهية عبر التلفزيون.
* معلقة احدى المسرحيات التي لقيت اقبالا شديدا عند عرضها بداية من سنة 1970.
وساهمت تلك الاعمال في اعادة تشكيل التمثلات الاجتماعية للأفراد. وبهذا المعني فان الفن عموما والمسرح بشكل خاص قد تجاوزا الدور الفني المحض وأنجزا مهمة معالجة ومباشرة البنى الثقافية التقليدية واذابتها في إطار دور تنموي تحديثي خالص.
-------------
• زيغمونت باومان: Zygmunt Baumanولد يوم 19 نوفمبر1925 وتوفي يوم 9 جانفي 2017. عالم اجتماع بولوني. استقر في إنقلترا منذ سنة 1971 بعد ما تم طرده من بلاده من قبل حملة معاداة الساميّة. هو برفسور علم الاجتماع في جامعة ليدز، تقاعد سنة 1990. عُرف بتحليلاته للعلاقة بين الحداثة والهولوكوست، وأيضاً ما يتعلق بالمذهبية المادية (الاستهلاكية) لما بعد الحداثة.
-------------------