الفن والسلطة والحداثة (3): مفارقة عجيبة نقلت الفن من محل الاهتمام الى عالم مرفوض
[ في علاقة بالفن والسلطة والحداثة، نكتشف في الحلقة الحالية مفارقة عجيبة ستجعل الفن والمسرح الذي كان لتوه محل اهتمام الى عالم مرفوض ومحل ملاحقة وسيظهرهنا الفن الرسمي (والمسرح الرسمي جزء منه) في حين سيتمرد فنانون ]
الشعب نيوز/ طارق السعيدي - ان اعتماد نخبة السلطة على الفن لا يعني انها تحولت مباشرة الى مجموعة من دعاة فن، فالفن بوصفه حرية يعزز الفردية أي التوق الى التخلص من قيود المجتمع التقليدي ومن سلطة الدولة ومحاولات الضبط الاجتماعي.
وبالتالي فان الفن بصياغته تلك يمثل خطرا على المشروع السياسي للدولة. في تلك الفترة من الحكم كانت الدولة الراعية هي النموذج الرائج للحكم خاصة في البلدان التي خرجت لتوها من الاستعمار تباعا.
في المشروع الثقافي للسلطة
لذلك فان مقولات الديمقراطية لم تكن تجد صداها خاصة لدى نخبة تعتبر نفسها قائدة التحرر الوطني وهي مهمة تاريخية تمحنها من الحصانة في رأيها ما يجعلها خارج دائرة النقد والنقاش حول التداول والديمقراطية وغيرها من مقولات ومنتجات الحداثة السياسية.
* من ابرز المنتفضين على فن السلطة، الشعراء وفي الصورة اثنان منهم الراحلان بلقاسم اليعقوبي وعبد الجبار العش.
ولذلك فان الديمقراطية لم تمثل رهانا أصليا لدى السلطة. ومن منطلق الثنائية القائمة على تطلعات السلطة للاستفادة من الفن وتخوفها من انعكاساته وما يحدثه من النقد والجدل، تشكلت مفارقة عجيبة ستجعل الفن والمسرح الذي كان لتوه محل اهتمام الى عالم مرفوض ومحل ملاحقة وسيظهر هنا الفن الرسمي (والمسرح الرسمي جزء منه) في حين سيتمرد فنانون وينتجون الفن هكذا دون القاب أي الفن المحض او فن ما بعد الدراما.
خلال فترة الصراع بين فن السلطة او الفن الرسمي والفن، كان هناك تقارب ملحوظ في الشحنة الفنية فلا أحد ينكر على فن السلطة ان في ما كان يذاع في التلفزات والراديو وما كان يقام من مسرحيات واناشيد وحفلات رسمية كان يكتسب الحد الأدنى من الفن.
لذلك كان على المتمردين المضي قدما في الانفصال عن مجالات الفن الرسمي ومغادرة فضاءاته بما في ذلك دور العرض الرسمية والمسارح الحكومية والسينما العمومية. وفي خضم هذا الصراع، نشأت جمعيات ونواد ثقافية مهمة تنشر الفن المحض، الفن "الثوري"، ومن أبرزها جمعية نوادي سينما الهواة.ذ
إثر نهاية حكم بورقيبة وصعود زين العابدين بن علي، انتقلت البلاد الى مرحلة جدية من العلاقة بين الفن والسلطة. السلطة في تلكم اللحظة لم تعد بحاجة الى الفن بوصفه الية اذابة للأطر القديمة يل أصبحت تعول عليه في التسويق للإسفاف وهدم أسس الفن.
وبدأت الانتكاسات الفنية بالعودة الى مسرح وتلفزيون ما قبل الدراما. وحتى الحالات التي حافظت على مضمون جمالي شكلاني وانخرطت في التلفزيون والمسرح الدرامي فقد التزمت بخطابات رسمية بالغت في الانضباط الى السياق العام للخطاب السياسي وافتقدت بذلك جوهرها الفني.
فولكلور وفرجة
راهنت الدولة على الدعم السخي لبعض المبدعين من خارج الدائرة الرسمية لدفعهم الى الانخراط في مشروعها الثقافي القائم على الفلكلور والفرجة وقد تعمقت خلال تلك الفترة الهوة بين الفن الرسمي بواجهتيه العلنية والسرية، وبين الفن المحض. وقد شاهدنا تمرد الفنانين من خلال عروض مسرحية وفنية خارج السرب ابداعا وموقفا ومضمونا.
* صورة لمشهد من فيلم ثلاثون
لا اريد ان اذكر الأسماء، ولكن مسرحيات خمسون وجنون وكلام الليل وعروض رضا الشمك وفرقة البحث الموسيقي واولاد المناجم والحمائم البيض وغيرهم من المسرحيين والموسيقيين مثلت بديلا مهما عن مجاميع الاسفاف. كما شهدت الحركة الفنية في تونس قبيل سنوات قليلة من "الثورة" تصاعد احتجاج شبابي رافض للسائد الفني وقد تجسد من خلال محاولات الفضاءات المسرحية التي أقامها عدد من المسرحيين الشبان مثل غازي الزغباني. ومحاولات موسيقية مثل محاولة الراحل ياسر جرادي وبعض مغنيي الراب. وقد اكدت تلك الدينامية صلب الحركة الفنية فشل المنوال الثقافي الرسمي ومساعي احتواء الفن وضبطه.
اقرأ أيضا:
الفن والسلطة والحداثة (2): خطاب بورقيبة في 7 نوفمبر 1963 أشاع المسرح وعممه ودعمه