الخبير محمد العوني يكشف أهمية الاتفاقات الدولية الثنائية التي أبرمتها تونس في مجال الضمان الاجتماعي
الشعب نيوز/ صبري الزغيدي - قدم الخبير في الضمان الاجتماعي للمهاجرين الأستاذ محمد العوني مداخلة حول الاتفاقات الدولية الثنائية التي ابرمتها تونس في مجال الضمان الاجتماعي للمهاجرين، خلال ندوة قسم الهجرة والتونسيين بالخارج المنعقدة حاليا بالحمامات.
وبين الخبير انه من أجل مواجهة التحديات وضمان المعاملة العادلة للمهاجرين، عملت المنظمات الدولية، التي تعتبر الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف إحدى أفضل الممارسات، على تعزيز المساواة ومكافحة الاستبعاد الاجتماعي، وشجعت الدول المضيفة والمرسلة على التعاون بهدف وضع صكوك لتنسيق تشريعاتها بما يسمح للمهاجرين بضمان حقوقهم.
الضمان الاجتماعي في تونس
وابرز المحاضر ان الضمان الاجتماعي في تونس يعد أحد العناصر الأساسية التي قامت عليها السياسة الاجتماعية منذ الاستقلال سنة 1956، وقد حظي باهتمام الدولة لما له من آثار إيجابية على حياة الأفراد والدور الذي يلعبه في الحياة العامة ومن ترسيخ للتضامن. واشار الى انه رغم صمت دستور 1959 عن الحق في التغطية الاجتماعية، إلا أن المشرع شرع تدريجيا في تعميم التغطية الاجتماعية. لكن بعد ثورة 2011، ولسد هذه الفجوة، نص الدستور التونسي الجديد لسنة 2022 (الفصل 43) وقبله دستور 2014 (الفصل 38) على أن “تكفل الدولة الحق في التغطية الاجتماعية”.
المحاضر اكد ان الضمان الاجتماعي يعد ضروريا ويرتبط بالتشريعات الوطنية التي تحدد المزايا وشروط منحها ومدة سدادها، ولذلك فهو ذو طابع ترابي ووطني ويقتصر تطبيقه على المواطنين والأجانب حتى ولو كانوا مقيمين على الأراضي التونسية.
ماذا عن المهاجرين؟
ولفت المحاضر الى انه بالامكان أن يتضرر المهاجرون بشكل مضاعف فيما يتعلق بحقوقهم في الضمان الاجتماعي، فمن ناحية، يتعرضون لخطر المعاملة بشكل مختلف عن مواطني الدولة التي يهاجرون إليها، أو أن يتم رفض حقهم في الحصول على المزايا أو سحبها في بعض الحالات، ومن ناحية أخرى، قد يفقدون بعض حقوق الضمان الاجتماعي المكتسبة في بلدهم الأصلي لأن منحها لهم يعتمد على شرط الإقامة.
وذكر ان التونسيين بالخارج يشكلون عنصرا أساسيا من مكونات المجتمع الوطني، وتشكل مصالحهم وتطلعاتهم أولوية واهتماما أساسيا في السياسات الاجتماعية التونسية، وفي هذا الصدد، اتخذت حمايتهم شكل توفير الضمان الاجتماعي المناسب للعمال وأفراد أسرهم، سواء كانوا مرافقين لهم أو مقيمين بتونس، وهكذا، في مجال الضمان الاجتماعي، فإن الاهتمام الذي تمنحه الدولة للتونسيين بالخارج والذين تقدر أعدادهم بـ 10% من مجموع السكان، يتجلى من خلال عدة آليات أهمها: اتفاقيات الضمان الاجتماعي الثنائية والمتعددة الأطراف.
التعاون الدولي
الاستاذ محمد العوني ابرز ان الدولة التونسية سعت بعد الاستقلال إلى تفعيل التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف للحفاظ على حقوق المجتمع من خلال إبرام اتفاقيات الضمان الاجتماعي وتحسينها كلما لزم الأمر.
وعرَف الاستاذ اتفاقيات الضمان الاجتماعي الثنائية أو المتعددة الأطراف بأنها اتفاقيات قانونية بين دولتين أو أكثر، وهي تعمل على تنسيق تشريعات الضمان الاجتماعي بين الدول المتعاقدة، من أجل ضمان أقصى قدر من حقوق الحماية الاجتماعية للأشخاص الذين هم في حالة التنقل.
وبين المحاضر ان هذا التنسيق لا يعني تغيير تشريعات إحدى الدول لتكييفها مع تشريعات الدولة الأخرى أو الدول الأخرى، فكل دولة موقعة تحافظ على تعريفاتها وقواعدها وتحترمها، ومن ثم، يتم تنسيق الوسائل للاتفاق على آليات لحماية حقوق الحماية من المخاطر، سواء تم اكتسابها في بلد المنشأ أو في البلد أو البلدان المضيفة.
في هذا الصدد اشار المحاضر إلى وجوب أن تمتثل اتفاقيات التنسيق للمبادئ الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك تفرد التشريع المعمول به، والمساواة و/أو المعاملة بالمثل، وإجمالي فترات التأمين المكتملة، والحفاظ على الحقوق المكتسبة، ونقل الحقوق إلى بلد إقامة العامل المهاجر والمساعدة الإدارية المتبادلة.
الاتفاقيات الثنائية في مجال الضمان الاجتماعي النافذة
ومن أجل حماية مصالح التونسيين في البلدان المضيفة والحفاظ على منجزاتهم، ذكَر الاستاذ المحاضر بأن تونس أبرمت أول اتفاقية للضمان الاجتماعي مع فرنسا سنة 1965، ومع مرور السنين واستجابة لتطلعات العمال التونسيين المتواجدين في بلدان أخرى، عززت هذه الاتفاقية مع عدة اتفاقيات أخرى، كما حرصت تونس على تطوير ومراجعة مضمون الاتفاقيات حسب تطور تشريعات الدول المتعاقدة أو تركيبة المجتمع في هذه الدول، وتشمل هذه الآلية حاليا الاتفاقيات المبرمة مع الدول الأوروبية (14 اتفاقية) ومع بعض الدول العربية، خاصة دول المغرب العربي (6 اتفاقيات) وهي تغطي حوالي 90٪ من الجالية التونسية في الخارج.
مبادئ عامة
واوضح الاستاذ محمد العوني ان هذه الاتفاقيات تستند إلى المبادئ الأساسية التالية التي تقوم عليها معظم اتفاقيات الضمان الاجتماعي:
_ المساواة في المعاملة بين مواطني الدول المتعاقدة،
_ مجموع فترات التأمين المكتملة للاستفادة من المزايا،
_ الحفاظ على الحقوق المكتسبة أو في طور اكتسابها
_ امكانية نقل الحقوق.
وابرز الاستاذ ان هذه الاتفاقيات تنطبق على العمال بأجر ودون أجر (الذين يعملون لحسابهم الخاص) والموظفين العموميين وكذلك أفراد الأسرة، وفيما يتعلق بالمزايا، تغطي هذه الاتفاقيات الفروع الأساسية للضمان الاجتماعي، مثل التأمين الصحي للأمومة، وتأمين المعاشات التقاعدية، والتأمين ضد حوادث العمل والأمراض المهنية، بالإضافة إلى المزايا العائلية.
تطبيق التشاريع
الاستاذ ابرز ايضا ان جميع الاتفاقيات تنص تقريباً على تطبيق تشريع واحد في جميع الظروف على وظيفة واحدة أو نشاط واحد، وان الطرف المتعاقد الذي ينطبق تشريعه هو "الدولة المختصة" والهيئة الإدارية المسؤولة في الأخير عن تنظيم النظام المعني هي "المؤسسة المختصة"، وتحدد الأحكام المتعلقة بهذا الجزء أو العنوان من الاتفاقية ثلاث قواعد أساسية لتحديد التشريع الواجب التطبيق، وتستند هذه القواعد إلى مبدأ تشريعات دولة العمل (قانون مكان العمل):
"1" الموظفون مشمولون بالتشريعات النافذة في الطرف المتعاقد الذي يعملون فيه، حتى لو كانوا يقيمون في الطرف الآخر؛
"2" يتمتع العاملون لحسابهم الخاص بالحماية بموجب تشريعات الطرف المتعاقد الذي يمارسون فيه نشاطهم الاقتصادي؛
"3" يخضع الموظفون المدنيون لتشريع الطرف المتعاقد الذي تتبع له الإدارة التي تستخدمهم.
وأشار المحاضر إلى انها مجرد قواعد أساسية تنص عليها أحكام هذا الجزء عددا من الاستثناءات والحالات الخاصة، وهذا هو الحال مع الانفصال، ويظل الموظف خلال مدة الإعارة مشمولاً بتشريعات الطرف الذي تركه، علاوة على ذلك، يقول الاستاذ المحاضر ان أحكام هذا الجزء من الاتفاقية تتضمن قواعد خاصة بالأشخاص العاملين في النقل الدولي والبحارة وموظفي الخدمة في البعثات الدبلوماسية.
ثلاثة أجيال من الاتفاقيات
بين الاستاذ المحاضر انه يمكن الحديث عن ثلاثة أجيال من الاتفاقيات:
✓الجيل الأول الذي يتضمن النصوص الكلاسيكية. تم إبرامها قبل التسعينيات وتتعلق بشكل رئيسي بالعمال بأجر،
✓ الجيل الثاني الذي يتضمن المزيد من نصوص الضمان الاجتماعي العالمية. تعد مجالات التطبيق الشخصية والمادية أكثر شمولاً وشمولاً.
✓ الجيل الثالث والذي يتضمن النصوص الحديثة. تم إبرامها بهدف الحفاظ على حقوق العمال التونسيين ولكن أيضًا لتشجيع الاستثمار الأجنبي في تونس من خلال إدراج أحكام أكثر مرونة فيما يتعلق بالإعارة (فترات أطول).
المحاضر اوضح انه بالإضافة إلى الاتفاقيات الثنائية، هناك اتفاقية متعددة الأطراف مع دول اتحاد المغرب العربي وأحكام تتعلق بالقانون الاجتماعي في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لكنها غير نافذة، ولفت الى بداية اجتماعات ومفاوضات معمقة مع رومانيا وموريتانيا لإبرام اتفاقيات ثنائية في مجال الضمان الاجتماعي تتعلق بالعمال، وهناك آفاق للتفاوض مع السويد.