ثقافي

الفن والسلطة والحداثة (4/4): المشروع الأمثل هو مسايرة حركة الفن وحفظ تنوعه ومقاومة الاسفاف والابتذال

 الشعب نيوز/ طارق السعيدي - سيكون من السهل القفز على مرحلة الثورة او الانتفاضة او الفيضان الشوارعي وما بعدها فقد كان الصراع منحسرا بين مشروع واحد يريد تغيير نمط عيش التونسيين وبين مشاريع متعددة ومختلفة المنطلقات وهو ما خلق لبسا حول المشاريع الثقافية لأصحابها. وسيكون علينا ان ننتظر فترة من الزمن حتى تتكشف اغلب النوايا السخيفة (سخيفة في مرماها العام) لعدة أنماط من الفن او المحاولات الفنية. 
في افق الفن المحض
قلنا اننا سنقفز على تلك المرحلة لمحاولة فهم المشروع الثقافي للسلطة الحالية. فكما يبدو ان هناك اهتمام بالفن بوصفه "محملا لقيم النضال والحرية" وفق الخطاب الرسمي التونسي. ويبدو اننا بصدد تحول جديد في تمثل السلطة للفن الذي سينقل الخطاب الرسمي من الفن بوصفه الية لإذابة الأطر الثقافية التقليدية كما أراده بورقيبة، الى الفن بوصفه حمال رسائل، أي الانتقال من الفن بوصفه جزءا من استراتيجية تنموية، الى الفن بوصفه الية للدعاية. 


هذا الامر يستوجب الكثير من التدقيق لان الفن بتلك الصيغة لن يكون فنا. ان الطابع الغالب في الخطاب الرسمي للسلطة يختزن في طياته ميول محافظة سيكون علينا ان ننتظر مزيدا من الوقت لكي يتبين لنا إذا ما كان للسلطة الحالية مشروعا ثقافيا. 
ان المشروع الثقافي لا يمكن إنجازه الا من ضمن مشروع تنموي وتصور مجتمعي عام ولما كان المشروع التنموي الان غير واضح تماما فان المشروع الثقافي ملتبس وبالتالي فان تفاعل الحقل الثقافي مع الحقل السياسي فيه الكثير من اللبس والركون الى السجلات القديمة من العلاقات أي اننا لسنا بصدد فن يمكن وصفه بالرسمي او حتى بغير الرسمي. 
 في كتابه "عصر الفراغ" يشير جيل ليبوفكسي* الى انتقال الفن الى مرحلة "ما بعد الحداثاني" بوصفها مرحلة لقلب صفحة الحداثانية حيث سيصبح الفن تقليدا مثل بقية التقاليد الأخرى. 
ما بعد الحداثانية تهدف باختصار الى "استرخاء الفضاء الفني بالموازاة مع مجتمع لم تعد الأيديولوجيا الصلبة تستهوي فيه احدا وحيث تختلط الأدوار والهويات " وحيث الفرد أصبح عائما ومتسامحا ذلك ان فن ما بعد الحداثانية لن يسمح لأي جهة كانت بضبطه. 
وبالتالي فان المشروع الأمثل للسلطة هو مسايرة حركة الفن وحفظ تنوعه ومقاومة مظاهر الاسفاف والابتذال (الفني طبعا لا شان لصحاب المقال باي معايير اخلاقاوية) ودعم الفن بوصفه فنا وعدم السعي الى ضبطه والحاقه بالاجندا السياسية.


شكل مميز من الوعي 
ان الفن بوصفه فنا محضا يمثل شكلا مميزا من الوعي الاجتماعي وهو شكل تحريري بالضرورة منحاز للقضية الإنسانية في معناها العام. فالفن المحض ليسا حياديا كما يبدو ولكنه منحاز الى توجه فكري ويحمل قضايا العصر. 
وحيث ان "الفن يهم الجميع" (تشرينوتشوفسكي) فان معركة تحريره من كل محاولات الضبط ستكون مهمة ملحة للجميع وسيقودها الفنانون متى اختاروا الانحياز الى الفن المحض بعيدا عن الانتماء الى الفن بوصفه حرفة. أي الانحياز الى الفن للفن (بيلنسكي) انها معركة فنية كل وسائلها الابداع والجمال.

--------
•    جيل ليبوفتسكي ‏ فيلسوف وكاتب وعالم اجتماع فرنسي، أستاذ بجامعة غرينوبل. ينشغل بالأمور الاجتماعية وبالنزعة الفردية ونزعات الموضة والاستهلاك المفرط في المجتمع الرأسمالي. من أهم مؤلّفاته: «عصر الفراغ: الفردانية وتحولات ما بعد الحداثة» الذي نشره سنة 1983 .