وثائقي

بيان الذكرى 72 لاغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد : على العهد باقون.. في سبيل العمّال ماضون

تونس/ الشعب نيوز- وفاء لعادة دأبت عليها قيادات الاتحاد منذ اغتيال القائد الزعيم الرمز خالد الذكر فرحات حشاد، أصدر المكتب التنفيذي الوطني بيان الذكرى 72 لاغتيال الامين العام المؤسس الشهيد فرحات حشاد:

أيّتها العاملات أيّها العمّال
تمرّ الذكرى الثانية والسبعون على الاغتيال الغادر للزعيم الوطني والنقابي الشهيد فرحات حشّاد في 5 ديسمبر 1952 على أيدي الاستعمار الفرنسي وهي مناسبة متجدّدة نعبّر فيها عن إجلالنا لروح هذا الزعيم الخالد وعن اعتزازنا بأن نكون من أحفاد موحِّد الحركة النقابية التونسية وملهِمِ العمّال بالفكر والساعد.
وهي مناسبة لا تنقطع يقدّم فيها النقابيات والنقابيون صورَ الوفاء والاعتراف بالجميل لكلّ شهداء تونس ولدمائهم التي سقوْا بها تراب هذا الوطن من أجل الحرية والاستقلال والكرامة الوطنية. كما هي مناسبة أيضا للترحّم على أرواح الشهداء الذين ناضلوا من أجلّ سيادة الشعب ومن أجل حقوقه الاقتصادية والاجتماعية وبغاية تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وصوْن الحريات والديمقراطية وتحرير الإنسان، اولئك الذين واجهوا جبروت الاستعمار وناضلوا ضدّ الاستغلال والاستبداد والحيْف الاجتماعي والذين ذادوا عن الاتحاد ودافعوا عن استقلاليته وخاضوا المعارك المريرة لضمان حرية العمل النقابي والدفاع عن حقوق الطبقة العاملة وجموع الكادحين.
واليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، يحتاج النقابيات والنقابيون إلى استذكار المبادئ والقيم التي رسّخها الشهيد الزعيم فرحات حشاد وسائر رفاقه المؤسّسين، وسار على دربها الروّاد من الزعماء والقادة والمناضلين أبناء الاتحاد العام التونسي للشغل، من قيم الإيثار والتضحية والصدق والتفاني في خدمة العمّال والإصرار على المطالبة بالحقوق والحرص الشديد على وحدة النقابيين والتعالي عن الخصومات الهامشية وتقديم الأولويات مع وضوح الرؤية ودقّة الأهداف وحسن رسم الخطط في نطاق تصوّر وطني متكامل لا يحيد عن مبدأ التوازي بين المسارين: الاجتماعي والوطني. وإنّ النقابيات والنقابيين مدعوون اليوم، على وجه الخصوص، إلى استحضار هذه القيم وإعلائها والتحلّي بها تعزيزا لوحدتهم وصوْنا لمنظّمتهم وقربا من العمّال وعموم الشعب، حاضنتهم الأساسية  في ذلك ومعينهم على مزيد النضال حتّى رفع الحيْف وتحقيق العدالة الاجتماعية.

أيّها الشغّالون 

لقد وعدناكم أن نحييَ الذكرى الثانية والسبعين لجريمة اغتيال حشاد بدار الاتحاد ببطحاء محمد علي بعد استكمال بنائها وتجهيزها تحقيقا لرغبة أجيال من النقابيات والنقابيين، وها قد أنجزنا هذه المهمّة بنجاح وخرجت دار الاتحاد في حُلّة جديدة تليق بالتاريخ العريق للاتحاد، وعلى النقابيات والنقابيين أنْ يفخروا بهذا الإنجاز الذي سيبقى للأجيال القادمة، وألاّ يهتمّوا بحملات التبخيس المغرضة لمحاولة تقزيم كلِّ منجز بغاية الإساءة إلى الاتحاد وإلى تاريخه العريق. ولم يبق للنقابيات والنقابيين غير تكثيف النشاط وتنويعه ومواصلة العمل الدؤوب في ساحة محمد علي الحامي، ساحة الصمود والنضال، ساحة قوى الحرية والعدالة الاجتماعية التي ظلّت مركز النضال الاجتماعي والوطني والديمقراطي وستظلّ قطب الرحى في توحيد القوى الوطنية والديمقراطية في مواجهة الحيف والاستبداد والأطماع الخارجية، هكذا تستعيد ساحة محمّد علي ألَقَهَا وإشعاعها ونضالَها في هذه الذكرى العزيزة على التونسيات والتونسيين جميعا وعلى النقابيات والنقابيين خصوصا. 
إنّ إحياء ذكرى استشهاد الزعيم فرحات حشّاد هذه السنة تتزامن مع مرور مائة سنة على انبعاث الحركة النقابية التونسية التي دافعت، منذ النشأة، مع محمد علي الحامي ومختار العياري والطاهر الحدّاد وغيرهم في جامعة عموم العَمَلة التونسية الأولى ثم مع بلقاسم القناوي ورفاقه في جامعة عموم العَمَلة التونسية الثانية ومع الشهيد فرحات حشاد ورفاقه في الاتحاد العام التونسي للشغل، على الهوية الوطنية الخالصة وأكّدت الجذور الضاربة للعمل النقابي في أعماق هذا الشعب وللمكانة التي يحتلّها اتّحادنا في ذاكرة وضمير كلّ التونسيات والتونسيين عبر مسار تاريخي ملحمي ومراحل بناء طويلة وتضحيات جسام تحدّت الاغتيالات والقمع ومحاولات الإخضاع وحملات التشويه والتشكيك.

أيّتها العاملات، أيّها العاملون

تمرّ علينا الذكرى الثانية والسبعين وبلادنا تعيش مخاضا عسيرا، وتشهد ارتدادا واضحا في اتجاه الانغلاق والتفرّد بالرأي وضرب الحرّيات وإقصاء القوى الاجتماعية والسياسية وشيطنة كلّ نفس ديمقراطي وسيادة الرؤى والسياسات الشعبوية، في الوقت الذي تعيش فيه تونس أزمة عميقة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، كان من المفروض مواجهتها بسياسات واضحة وبرامج بديلة وبجهد تشاركي متكاتف على قاعدة حوار وطني واجتماعي جدّي ومسؤول. غير أنّ الأزمة تسير نحو الاستفحال وينعدم الحوار وتطغى الارتجالية ويسود غياب البرامج، لذلك تعمّقت الأزمة الاقتصادية فأضرّت بعديد القطاعات الاستراتيجية كالفلاحة والصناعة والطّاقة وقطاع الخدمات وكانت المؤسّسات العمومية والمرفق العام ُأولى القطاعات المتضرّرة وأكثرها اتجاها نحو التهرّؤ والتدهور والإفلاس.
من غير الممكن إنكار غياب التنمية وتعطّل النمو وارتفاع معدّلات التضخّم ولا التقلّص الحاد في الاستثمار ولا الانحدار الكبير للدينار ولا أيضا عمليات الإغلاق الواسعة التي شهدتها العديد من المؤسّسات وخاصّة منها الصغرى والمتوسّطة نتيجة الأزمة الاقتصادية وغياب دعم الدولة وانعدام برامج الإنقاذ الاقتصادي. ولا يمكن لأحد أن يتجاهل ارتفاع الأسعار وندرة المواد الأساسية وتنامي الاحتكار وغياب أيّ سياسة لمجابهة ذلك.
ومن غير شكّ أن تنعكس هذه الأزمة الاقتصادية على الوضع الاجتماعي التي تضرّر منها الأُجراء وعموم الشعب، فارتفعت، جرّاءها، نسب الفقر والبطالة وتدهورت، بسببها، المقدرة الشرائية وتفاقم عجز العائلات عن مجابهة أدنى متطلّبات الحياة وطالت الأزمة الاجتماعية كلّ الفئات والشرائح تقريبا، بمن فيها الطبقة الوسطى وشرائحها العليا، كالأطباء والمهندسين والجامعيين وغيرهم من الذين كانوا لعقود إحدى رافعات ازدياد الطلب ومحرّكا من محرّكات النمو، الأمر الذي اضطرّ أعدادا كثيرة منهم إلى الهجرة. 
وقد تزامن كلّ ذلك مع الرفع التام أو الجزئي للدعم والترفيع في الأعباء الضريبية وغابت الخدمات الاجتماعية العمومية أو تكاد وتوسّعت دوائر خدمات القطاع الخاص لتزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطن وعلى العائلات وفي مقدّمتهم الأُجراء. وفي المقابل أوقفت السلطة الحوار الاجتماعي وعطّلت تطبيق الاتفاقيات وتدهورت الأجور في اتجاه مزيد تفقير العمّال وتجويعهم، بل وعمدت إلى انتهاك الحقّ النقابي ومحاصرته والكيد للنقابيين وتلفيق التهم وفبركة القضايا والزج ببعضهم في السجون وطرد عدد منهم من العمل ونقلة آخرين تعسّفيا والحطّ من رتبهم وحرمانهم من الوظائف لمجرّد ممارسة الحق النقابي والدفاع عن حقوق العمّال وعن مطالبهم المشروعة فضلا عن حملات التشهير والتشويه والمغالطة والتحريض وتأليب الرأي العام ضدّ الاتحاد لضرب مصداقيته وعزله عن حاضنته العمالية والشعبية حتى يسهل الإجهاز على الحقوق وإنهاء العمل النقابي.

أيّها الشغّالون
تمرّ علينا الذكرى الثانية والسبعون وتحدّيات كثيرة تُطرح علينا وتتطلّب منّا مواصلة النضال من أجل حقوق العمّال ووفاء للوطن إذ أنَّ نضال الشهيد فرحات حشاد لم يكن من أجل الحقوق النقابية فحسب بل كان أيضا من أجل العدالة الاجتماعية والرقي الوطني، فقَدَرُنا أن نبقى مخلصين للوطن أوفياء لشهدائه وبُناته متمسكين بالمبادئ النقابيّة، مناضلين من أجل الديمقراطية والحريات العامة والفردية والعدالة الاجتماعية. كما سنظلّ كما كنّا دوما قوّة اقتراح ومبادرة وتوازن وفاعلا أساسيا في مسار الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي والاستقرار الاجتماعي والتنمية المستدامة وهي مواقف وقرارات ضبطتها سلطات القرار في الاتحاد وآخرها المجلس الوطني الأخير المنعقد بالمنستير بتاريخ 5 و6 و7 سبتمبر الماضي والذي حدّد جملة من المهام والأوليات وجب على الهياكل النقابية النضال من أجلها التوحّد لتحقيقها.
وفي هذا الإطار نجدّد:
1.    رفضنا المطلق استهداف الحقوق والحريات وفي مقدّمتها الحقّ النقابي بما في ذلك الحق في الإضراب ونجدّد المطالبة بسحب المرسوم 54 ونعتبر التضييق على الحرّيات هو تجسيد لسلطة الاستبداد والدكتاتورية والحكم الفردي.
2.    دعوتنا، مرة أخرى، إلى استئناف الحوار الاجتماعي، هذا المكسب الوطني العريق، إيمانا منّا ألاّ تقدُّمَ ولا تنمية ولا ديمقراطية دون حوار اجتماعي ودون تشاركية فعلية.
3.    مطالبتنا بمفاوضات اجتماعية جدية ومسؤولة وحرّة وطوعية لتحسين الأجور وتطوير التشريعات الشغلية ومراجعة الأعباء الضريبية حماية لحقوق العمّال وتداركا لتدهور المقدرة الشرائية للأجراء في مواجهة رفع الدّعم والغلاء والارتفاع الجنوني لأسعار المواد الأساسية والاستهلاكية والخدمات. 
4.    تمسّكنا بفتح حوار جادّ لإنقاذ المرفق العمومي من تعليم وصحّة ونقل وخدمات والتي تشهد انهيارا كبيرا وتدهور مريعا، باعتبار هذه المرافق إحدى ضمانات التعديل الاجتماعي وركيزة من ركائز تحقيق التقدّم والرفاه الاجتماعيين وضمان المستقبل الأفضل للأجيال القادمة.
5.    رفضنا لكلّ أشكال التشغيل الهشّ ودعوتنا إلى التفاوض في آليات تجاوزه وتسوية وضعيات عشرات الآلاف من الأجراء الذين يعانون ويلات هذا النوع الجديد من العبودية من عقود وتعويض وأعمال وقتية وسمسرة باليد العاملة.
6.    دعوتنا إلى فتح حوار جدّي لإنقاذ المؤسّسات العمومية في جميع الأنشطة والقطاعات لإصلاحها والمحافظة على ديمومتها وضمان نجاعتها وقدراتها التنافسية حتّى تواصل تأدية خدماتها لفائدة عموم المواطنين. 
7.     تمسّكنا بدعم الدولة للمواد الأساسية باعتبار الدعم تدخّلا تعديليا وتكميليا للأجور المتردّية  تشديدنا على اهمّية التفاوض في صيغ وآليات توجيهه إلى مستحقّيه.
8.    تمسّكنا بتطبيق جميع الاتفاقيات المبرمة وخاصة اتفاقيتي 6 فيفري 2021 و15 سبتمبر 2022 وإلغاء المنشور عدد 21 الذي واصل تكريس ضرب الحقّ النقابي ودعوتنا إلى فتح جولة جديدة من المفاوضات في الوظيفة العمومية والقطاع الخاص وإلى مراجعة دورية لتحسين مقدرتنا الشرائية وتشبّثنا بحقّنا في تحسين شروط وظروف عملنا وبحماية حقوق المتقاعدين.
9.    مطالبتنا بفتح مفاوضات اجتماعية في القطاع الخاص تشمل الجانب الترتيبي بمراجعة الاتفاقية الإطارية والاتفاقيات المشتركة ومحاربة التشغيل الهشّ وغير ذلك من البنود، كما تشمل الجانب المالي بمراجعة الأجور والمنح وتدارك الضعف الفادح فيها والشروع في مفاوضات قطاعية في أقرب الآجال.

أبناء الاتحاد وبناته، أيها الشغالون،
تمرّ اليوم أكثر من 425  يوما على حرب الإبادة الجماعية ضدّ شعبنا الفلسطيني وخاصّة في غزّة، هو تطهير عرقي يشنّه الكيان الصهيوني النازي منذ السابع من أكتوبر 2023 بدعم مباشر من أمريكا وبعض الدول الأوروبية وبمباركة وتواطؤ من عدد من الأنظمة العربية المطبّعة مع الكيان البغيض، ليذهب ضحيتها أكثر من 50 ألف شهيد وما يفوق عن 150   ألف جريح ومئات الآلاف من المشرّدين واللّاجئين من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى في العراء وفي مواجهة الأوبئة والجوع والبرد، وذلك مواصلة في الإبادة والتهجير القسري التي انطلقت منذ نكبة1948 . 
فلم يتورع الكيان الغاصب عن ارتكاب مجازر بشعة أمام أنظار العالم والصمت المخزي للمنظّمات الدولية، وعمد إلى تدمير المدارس والمستشفيات والمخابز والبنى التحتية والمرافق العامة والأحياء السكنية ودفع بمئات الآلاف من سكّان غزّة المهجّرين أصلا منذ 1948  إلى النزوح من جديد والبحث عن ملاجئ أخرى.
ولم يعد خافيا أنّ حرب الإبادة هذه بمجازرها ودمارها تهدف إلى القضاء على شعب بأكمله وتهجير من تبقّى منه والقضاء على المقاومة وتصفية الحقّ الفلسطيني نهائيا وفسح المجال واسعا أمام التطبيع الشامل مع دولة الكيان المحتلّ.
وبالتزامن مع السعي لإبادة الشعب الفلسطيني، يسعى الكيان المحتلّ وحلفاؤه إلى القضاء على المقاومة في لبنان عبر اغتيال القادة اللبنانيين ومنهم الشهيد حسن نصرالله وعبر الاغتيالات الجماعية  بالتفجيرات التي استهدفت هواتف المقاتلين والمواطنين وبالغارات الجوية المدمّرة والاجتياحات الفاشلة والمندحرة وذلك لضرب وحدة المسارات الكفاحية ولعزل المقاومة في غزة والضفّة، وها هي تشعل من جديد الحرب على سوريا بإعادة تحريض جحافل الإرهابيين لمهاجمة حلب وحماة وغيرها من المدن السورية الصامدة.
غير أنّ هذه المجازر لم تفلّ من عزم المقاومة ولم تضعف صمودها المستمر منذ سنة وبضعة أشهر، بل لقد أثبتت المقاومة قدرة فائقة وتطوّرا ملفتا منذ مسكها بزمام مبادرة العمل الفدائي يوم 7 أكتوبر 2023 في عملية طوفان الأقصى وعبر أشهر من الضربات والخسائر في العتاد والعدّة والجنود التي تكبّدها للعدو الصهيوني المدجّج بأحدث الآليات وأكثرها تدميرا. ولم يستطع الكيان الغاصب رغم مرور سنة ونيف من الوصول إلى أسراه الذين وقعوا بأيدي المقاومة الفلسطينية الباسلة.
سيظلّ الاتحاد العام التونسي للشغل، على خطى الشهيد المؤسّس فرحات حشّاد الذي نظّم تطوّع العديد من الشباب التونسي للالتحاق سنة 1948 بصفوف المقاومة الفلسطينية، وسيبقى مؤيّدا للمقاومة داعما للحقّ الفلسطيني حتّى تحقيق النصر وتحرير كامل الوطن وإقامة الدولة المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف.    
وسيواصل الاتحاد التأثير على المنظّمات الدولية النقابية وحثّها على تكثيف التضامن مع الشعب الفلسطيني بالضغط من أجل الوقف الفوري للعدوان وفتح المعابر وفكّ الحصار وإنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية المشروعة كاملة. 
ولا يفوتنا في هذه المناسبة تجديد مطالبتنا بسنّ قانون لتجريم التطبيع في تونس لمواجهة الصهيونية ولدعم صمود شعبنا الفلسطيني.

المجد والخلود للشهداء
العزّة للوطن 
عاش الاتحاد العام التونسي للشّغل حرّا مستقلاّ ديمقراطيا مناضلا

الامين العام

نورالدين الطبوبي