دمي في الغياب .. قصيدة جديدة لهشام الورتتاني
رياحٌ مِنَ الشّرقِ تأتي
مُحَمَّلَةً بالأنين،
صَدًى مِنْ جنوبِ الجنوبِ يُنادي،
دَمٌ ورماد...
وشَكْوى لِأُمِّ الرّضيعِ الّذي انْتَشَلوهُ
يَدَيْنِ وساق...
وأنّاتُ جُرحي المُخَبَّئ تَحْتَ المعابِرِ منذُ سِنين
وصَرْخَةُ طِفْلٍ يُلَوِّحُ بالشّالِ
تحْيا فلسطين...
رياحٌ مِنَ الشّرْقِ تَأتي
مُحَمَّلَةً بِالنَّدَى والحنين،
صَدًى مِنْ جنوبِ الجنوبِ
يُنادي -أُحبّكَ-
وقلْبي يُنادي -أُحبّكِ أكثرْ-
ولكنْ دمي في ثنايا الجراحِ
يُنادي أريد/ أريد/ أريد...
دمي في الغيابِ وميضٌ
يداعبُ جُرْحَ البياضِ اليتيمِ المُسَجّى
على قُبَبٍ مِنْ ضباب، تُطيلُ التَّأَمُّلَ
في ما تَبَقّى مِنَ الذِّكريات،
بِلا أُمنيات،
وتَرْنو إلى جنّة في المَدى
ودمي في الغيابِ شرابٌ لزيتونةٍ
في أقاصي الشّمال تُغازِلُ أرضَ الشّهيد
وترنو إلى جَدَّةٍ في الصّعيد البعيد/ البعيد
وفي صَفْحَةٍ مِنْ كتابٍ قديم يُحَدِّثُنا عن
صهيلِ الخيولِ وجُرحِ المغولِ وقصّةِ مريمَ
والمَجْدليّةِ وابنِ البتولِ وربِّ السّماءِ المعيد/ المعيد
دمي في السّحاب دمي في الوريد
دمي في الغياب وحيدٌ شريدٌ يُشيرُ إلى أُمَّةٍ مِنْ سراب
تُشيدُ الخراب وتبني القِباب وتَنْعى الفقيد
وتَبْكي الشّهيد وتَهْوى التَّوَرُّعَ في كلِّ عيد
وتَرْفَعُ رايَةَ نَصْرٍ بعيد/ بعيد/ بعيد...
وحيد شريد أنامٌ على دكَّةٍ مِنْ حَصَى،
وأسْكُبُ جُرحي على وَرْدَةٍ
نَتَأَتْ مِنْ أنينِ الطّريق الّذي صَدَّعَتْهُ السّنين
وأَرْوي الجدارَ القديم الّذي ظلَّ مثلي
يُقاوِمُ دهرا عنيدا/ عنيدا/ عنيد...
دمي في السّحاب دمي في الوريد
دمي سالَ مِنّي أمامَ الضّريح
وأَلْقى التّحيّةَ مثل الجنودِ ودوّن
بين الضّلوعِ وعود وردّت رعود
سيبقى الجنوبُ وتبقى السُّهوبُ وتبقى الدّروب
ويهدأ ظلّي الطّريد/ الطّريد/ الطّريد...
دمي في السّحاب دمي في الوريد
دمي في الغياب يُداعِبُ أرضا يباب
لتَنْبُتَ من وجعي صرخةٌ تَسْنُدُ العابرين،
ومِنْ أَنَّةِ السّاكنينَ جنانٌ تَشًقًّ التّراب
ومِنْ عطشي رايةٌ ونشيد...
دمي في الغياب أبٌ لليتيم وحُضْنٌ حليم
وقصَّةُ عِشْقٍ لأرض الجنوبِ
وعِطرُ الصّبيّةِ بينَ الدّروب
ولو خيّروني فأنت الحبيبةُ أنت القصيد
ومِنْكِ سَيُولَدُ كُلُّ المدى
ويأتي من العشق حَتْما حَفيد...
دمي في السّحاب دمي في الوريد