دولي

خطابات الجولاني : ما للداخل وما للخارج

الشعب نيوز / صبري الرابحي - تكتنف شخصية احمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني الكثير من الغموض المحيط ببروزه الصاروخي في المشهد.

سياقات حضوره في المشهد ارتبطت لمدة طويلة بمرحلة ما قبل سقوط نظام بشار الأسد وبالمرحلة الانتقالية عقب طي صفحة الحرب الأهلية.

- ما قبل سقوط نظام بشار الأسد:

عرف عن الجولاني ارتباطه بالتنظيمات المسلحة المحظورة دوليا من تنظيم القاعدة إلى جبهة النصرة وصولا إلى هيئة تحرير الشام التي أطاحت بنظام بشار الأسد خلال اثني عشر يوماً من الهجمات المركزة على الجيش النظامي.

بناءا على ما يتوفر من معلومات حول شخصيته الغامضة نجد أن الشرع هو أحد أمراء مشروع الجهادية للحكم، ليس تصنيفاً فقط، وإنما من خلال تحليل خطابه وما يحسبه مراجعات نقدية لتمشيه في علاقة ببقية التنظيمات المتطرفة وبالغرب.

- مرحلة ما بعد الأسد :

يمكن تصنيف أحمد الشرع كأحد أكثر المؤثرين في المشهد السوري في أعقاب موقعة الثامن من ديسمبر، الجولاني تحوّل خلال ساعات قليلة إلى نافذة سوريا إلى العالم الخارجي بوجه جديد مفاجئ للجميع.

عنصر المفاجأة لم يتوقف عند الاطاحة ببشار الأسد وهروب قواته، بل تجاوز ذلك إلى ظهور الجولاني-الشرع ناطقاً باسم هيئة تحرير الشام التي تحدث عن إنهائها لمهامها وقرب حلّها ليكمل كسر صورة انتمائه لهذا التنظيم وما سبقه ليخرج للعالم بوجه آخر وبخطاب مغاير له ما له للداخل وعليه الكثير للخارج.

- خطاب الداخل: الوحدة والتهدئة :

كان خطاب الشرع متزنا في علاقة بدقة المرحلة ساعات قليلة بعد سقوط بشار وقواته وسيطرة المعارضة المسلحة على مبنى التلفزيون ومبنى هيئة الأركان.

كان تركيز الشرع على خطاب التهدئة مرتبطاً بعاملي التسليح المتواصل على امتداد أكثر من ثلاثة عشرة سنة من الحرب الأهلية وتغلغل النظام البعثي في النسيج الاجتماعي للشعب السوري مما قد يشكل مليشيا حزبية مسلحة تنتصر لنظام الأسد وما بقي منه على الأقل.

كان حديث الشرع عن الوحدة الوطنية بمثابة استباق تأجيج الطائفية في سوريا خصوصاً تأليب الثوار على الطائفة العلوية المقربة جداً من نظام الأسد أباً وإبناً لعدة اعتبارات منها ماهو عائلي.

- خطاب الخارج: الانفتاح والحياد :

يمكن تحليل الخطاب السياسي لأحمد الشرع للخارج على أساس رسالتي الانفتاح والحياد تجاه العالم والمنطقة.

من حيث الحياد يحاول الشرع منذ ظهوره الجديد تمرير رسالة قطع سوريا الجديدة مع انغلاقها القومي وتحطيم الثورة لخيار العداء والتحالفات المصلحية في علاقة بتثبيت أركان الحكم فقط.

الشرع تحدث عن أمله في أن يزور أصدقاء سوريا بلده وأن تتغير نظرة غيرهم للمشهد مستغلاً تتالي زيارات الوفود لدمشق خلال المدة الأخيرة وتفاعله مع مواقف اللاعبين الكبار في المنطقة من مجريات الأحداث مراوحاً في ذات السياق بين الانفتاح والحياد عن كل التجاذبات.

أما عن الحياد فإن رسالة الشرع أنه لا مجال لعداء "رسمي" للقوى الإمبريالية الكبرى مفرقاً بالتالي بين التنظيم والدولة، يفهم بأنه رسالة طمأنة لهذه القوى حول تعاطي إدارة الشرع مع تواجدها ومصالحها في الداخل السوري وفي محيطها الاقليمي.

رسالة الشرع الأهم هي المتعلقة بموقع سوريا داخل الصراع العربي الصهيوني على امتداد أكثر من سبعين سنة يفهم بأنه وبعد ما راكمته سوريا من تجارب الصراع ثم السلام الحذر إلى أن تحولت إلى أحد وكلاء الممانعة القومية في المنطقة إضافة إلى أدوارها المتقدمة في شدّ "النظام الرسمي العربي" إلى الحد الأدنى من رفض وجود الكيان على الأراضي التاريخية لفلسطين وللمنطقة العربية قد يتحول إلى حياد سلبي تجاه الأحداث وتجاه الصراع برمته.

إن تصريح الشرع بأنه لن يسمح بأن تكون سوريا مسرحاً لأي هجوم على اسرائيل يطرح أكثر من تساؤل حول أجندات الثورة السورية ومدى تفاعلها مع المتغيرات الكبرى في العالم.

هذا التحول أيضاً سوف يكون رسالة إدارة المرحلة الانتقالية إلى العالم تماماً مثل رسالته للداخل السوري الذي يبدو أنه مازال منشغلاً برأب الصدع الحقوقي في البناء المجتمعي لسوريا قبل أن ينتبه إلى بقية القضايا التي نعتبرها مركزية ولا مجال لترتيبها على قاعدة الأولويات.