دولي

نهاية السنة ومقدّمات مستقبل النزاع العربي الصهيوني

الشعب نيوز / صبري الرابحي - لم تكن سنة 2024 كسابقاتها من السنوات على عدّة مستويات، محدّدة، فارقة وخاصة مؤذنة بتحولات عميقة وخرائط جديدة قد ترتسم على مجالات واسعة.

فتنامي الصراعات وأفول بعض القادة وخروح قوى أخرى للعلن قد يجعل من هذه السنة مقدّمة لصفحات جديدة من تاريخ الإنسانية لم تعرفها من قبل.

- تواصل الحرب على غزة : 

عرفت سنة 2024 على إمتداد أيامها الـ365 تواصل المجازر الصهيونية بدون هوادة، نتحدث عن استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني ونتحدث عن 108 آلاف جريح وغيرهم من المفقودين.

في غزة نتحدث عن القتل بدم بارد واستهداف الملاجئ والمستشفيات، نتحدث عن خيام اللاجئين وقتل الطفولة فيما إعتبرت اليونيسيف سنة 2024 كاسوأ عام على الأطفال في مناطق النزاع وبالتالي بمكننا القول بدون مبالغة أن سنة 2024 هي سنة السقوط المدوي لبروبغندا العدالة الإنسانية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وغير بعيد عن ذلك فإن سنة 2024 كانت بإمتياز سنة اختلال موازين العدل الدولية عندما يتساوى الضحية مع الجلاد.

لكن بالرغم من كل ذلك نتحدث في حصيلة هذه السنة عن صحوة الضمير الجمعي في عدة عواصم وبروز بريق الأمل في أجيالٍ تنتصر للحق الفلسطيني خاصة عندما نتذكر مظاهرات الطلبة في عدد من العواصم وخاصة أهمها في عقر دار الإمبريالية العالمية ووكلائها.

نتحدث أيضاً عن انتصارات المقاومة التي دكت تل أبيب بالصواريخ ونجحت في زعزعة أمنها وأثبتت أنه لا قبة في سماء الأراضي التاريخية لفلسطيين سوى قباب الجبن الصهيوني وقباب معاونيه والمطبعين معه والأنظمة الرجعية التي التعامل معه.

لا يمكننا أن نمر دون الحديث عن سياسة الإغتيالات والتي عرفت ذروتها في النصف الثاني من سنة 2024 بداية باغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس في طهران بالذات مطلع شهر جويلية ونحن نعمل وزن اسماعيل هنية في الحركة وأدواره المهمة خاصة في حشد الدعم وكسر الحصار المفروض على حماس.

أيضا تميزت هذه السنة بحادثة إغتيال يحي السنوار في 16 أكتوبر 2024 وهو خليفة هنية على رأس حركة حماس ومهندس عملية طوفان الأقصى وهو القائد التاريخي العمليات العسكرية النوعية على جيش الكيان والرجل الذي اعتبر الكيان الافراج عنه في صفقة تبادل الأسرى خطأ استراتيجيا لا يغتفر.

لكن المهم في كل ذلك أنه رغم انتهاج الكيان لسياسة الإغتيالات إلا أنه لم ينجح في القضاء على المقاومة ولا زعزعة بنائها التنظيمي.

- توسع الصراع في لبنان وايران :

إلى حدود منتصف السنة تقريباً كان من المستبعد أن يتوسع الصراع في المنطقة لعدة اعتبارات، أهمها أن الكيان الصهيوني لا يريد أن يفتح الحرب في أكثر من واجهة إضافة إلى المخاوف الدولية من أن يتحول النزاع في الشرق الأوسط إلى حرب عالمية ثالثة تعصف بالانسانية.

كانت أولى مؤشرات تنامي هذا الخطر باستهداف قيادات تابعة للحرس الثوري الايراني في سوريا ولبنان وهو ما جعل إيران تردّ بليلة المسيرات في منتصف شهر أفريل تقريباً ومن جديد في أوائل شهر أكتوبر ردها كان ينبني أساساً على إغتيال اسماعيل هنية على أراضيها وحسن نصر الله في بيروت وهي تقريباً من أكبر المواجهات الغير مباشرة بين الطرفين والتي كسرت توازن الرعب القائم بينهما لسنوات.

أما بالنسبة الحرب على لبنان فقد تميزت بتشابهها من حيث الظروف والأداء مع حرب تموز حتى أنها أفضت إلى انتهائها بنفس الشروط تقريباً ومازالت إلى اليوم تحتكم إلى الهدوء الحذر وهو السمة الأبرز في اتفاق وقف إطلاق النار الذي فضلاً عن هشاشته فإنه لا يعدو إلا أن يكون استعدادا من الجانبين لجولة أو جولات أخرى من الصراع.

- الانتخابات الرئاسية الأمريكية وسقوط نظام بشار الأسد :

تميز الربع الأخير من سنة 2024 بمفاجأتي عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية وهروب بشار الأسد إلى روسيا.

فبالنسبة لعودة ترامب كانت متوقعة جداً خاصة بعد ازاحة بايدن من ترشيح الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية واستبداله بكامالا هاريس ودفعها للسباق الرئاسي بذهنية إستمالة الأقليات وترشيح إمرأة على أسس الجندرة.

هذا الاختيار فشل أمام تيار الشعبوية الجارف الذي نجح فيه ترامب مرة أولى في سنة 2016 أمام هيلاري كلينتون وأعاد الكرة أمام كامالا هاريس ليجد نفسه في طريق مفتوح نحو البيت الأبيض وبالتالي فرصةً لإدارته وحزبه لإستكمال مشروعها الشرق الأوسط والعالم.

شكّل سقوط نظام بشار الأسد مفاجئة غير متوقعة خاصة عندما نرى صموده لسنوات عديدة خلال الحرب الأهلية السورية، أيضا نجاح بشار الأسد في حشد الدعم الروسي والايراني لسنوات، إلا أنه تمت الاطاحة به بعد 12 يوماً تقريباً من بداية الهجوم الذي قادته هيئة تحرير الشام والذي توج بفرار بشار الأسد إلى روسيا وفتح سوريا لصفحة جديدة من تاريخها مازلنا لا نعلم تفاصيلها وملامحها بعد خاصة في علاقة بدور سوريا التاريخي في الصراع العربي الصهيوني وعقيدة الممانعة وتعاطيها مع محور المقاومة.

سوريا اليوم تخرج للعالم بتحوّل عميق لم تشهده لأكثر من نصف قرن يكتنفه الغموض حول أجندات القوى الحاكمة اليوم ومطامع دول الجوار ونفوذ اللاعبين الكبار على مجالها في آن واحد وهو ما قد ينبأ بسيناريوات مختلفة.

نهاية سوف يُؤرخ لسنة 2024 كواحدة من أكثر صفائح التاريخ إضطراباً وسوف تكون لأحداث ايامها الخمس وستون بعد الثلاث مائة ارتدادات وهزّات كبرى لسنوات أخرى قادمة في مكابرة من عنف التاريخ أمام أفاعيل الجيولوجيا أحياناً.