تقاليد الوساطة راسخة لدى التونسيين وفي تونس الصغيرة، ولكن...اليوم، هنيئا لقطر.
الشعب نيوز/ رأي حر/ محمد العروسي بن صالح - قبل أكثر من 60 سنة، دُعي الجيش التونسي، وهو الخارج لتوه من حرب فرضها عليه جيش الاستعمار الفرنسي، الى الفصل بين فريقين متنازعين في دولة الكونغو وسط افريقيا.
قبل أكثر من 60 سنة، اعترفت تونس، الحاصلة لتوها على استقلالها، باستقلال دولة الكويت عن دولة العراق رغم روابط كثيرة تمنح افضلية التعامل الى بغداد.
قبل أكثر من 60 سنة، اعترفت تونس باستقلال دولة موريتانيا عن دولة المغرب رغم كل الود والاحترام والعلائق القوية القائمة آنذاك بين ملك المغرب محمد الخامس والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة.
قبل أكثر من 50 سنة، نجح رئيس وزراء تونس، الباهي الادغم، في اخراج الزعيم ياسر عرفات من محرقة " أيلول الأسود " ونقله في سيارة خاصة مستورا بـ" سفساري " تونسي، كما نجح في نزع فتيل حرب كادت ان تذهب بالجميع الى الجحيم.
وقبل أكثر من 70 سنة، نجح الزعيم النقابي فرحات حشاد في الوساطة بين أكبر منظمتين نقابيتين امريكيتين بما ساعد في توحيدهما لاحقا.
وقبل أشهر قليلة فقط، نجح القائد النقابي، الحاصل على نوبل للسلام، حسين العباسي في فك النزاع بين السلطة والمعارضة في فينزويلا بأمريكا اللاتينية البعيدة.
غيض دون شك، ولكنه فيض من المكاسب التي حققتها تونس الصغيرة، كما فتئ يردد، ذات يوم، " زعيم عربي " لم يكن للأمر ينظر بعين الرضى، رغم انه لا مصلحة لها مباشرة وعدم احتكاكها بصاحب المصلحة.
2.
عذرا على هذه المقدمة الطويلة والانانية والتي جعلتها توطئة لما يسمى اليوم بتدوينة مختصرة
فقد دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الفلسطينية – حماس – وحكومة الاحتلال الصهيوني حيز التطبيق بداية من اليوم الاحد 19 جانفي.
حصل الاتفاق بوساطة ثلاثة أطراف رئيسية، الولايات المتحدة ولها تاريخ قديم في مثل هذه الاتفاقات، ومصر ولها هي الأخرى باع وذراع في الموضوع عربيا وافريقيا ودوليا.
ثالث الأطراف هو دولة قطر، وهي الطرف المفاجئ فعلا في مفاوضات الوصول الى هذا الاتفاق. لا فقط من خلال احتضان مختلف أطوار المفاوضات وتحمل تكاليفها، ولكن أيضا من خلال الدفع غير المنقطع وغير اليائس الى استمرار المفاوضات وابتكار الحلول اللازمة للمطبات والمعرقلات التي تحدث بين جلسة وأخرى وبين جولة وأخرى من المفاوضات والمحادثات والتفاهمات.
3.
لقد كانت في نظري الأقوى موقفا والاقرب الى النزاهة بما انه ليس لها احتكاك مباشر بصاحبي المصلحة في الاتفاق. لها دون شك كسب معنوي واستثمار طويل المدى ولكنها ليست مثل مصر التي تحتك بالطرفين، طولا وعرضا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ليست مثل أمريكا التي خاضت الحرب بصورة حضورية مباشرة من خلال الدعم اللامشروط للجيش الصهيوني وتجهيزه بأحدث الاليات وبأكفاء الخبراء العسكريين وأعتى وكالات الاستخبارات واقوى الجواسيس وادق الأقمار الاصطناعية الكاشفة لما ظهر وما استتر.
4.
قطر، كما تونس، صغيرة. وحدها المقاومة هي الكبيرة.
ملاحظة: الرأي الحر لا يلزم الا صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن موقف الجريدة.