آراء حرة

الحاسوب البيروقراطي

بقلم طارق السعيدي

ما زال نظام الادارة في تونس يخضع لنظام الوثائق والأوراق والملفّات وما يقوله ‏السيد الحاسوب. فإذا أعطى الجهاز المحترم أوامره بحرمانك تُحرم، وإذا أمر بأن ‏تُجازى فاحمد الله، واشكر الحاسوب.

يُخطئ حاسوب الإدارة التونسية في بعض ‏الأوقات ويحرمك من حقّك فيُخرجك من قائمة النّاجحين، أو يُبرز اسمك في قائمة ‏من رُفض طلبه، أو يُحيلك على قائمة عدم توفّر الشّروط القانونية و"هات من هاك ‏اللاّوي" من الموانع القانونيّة الإجرائيّة الإداريّة المعقّدة التي لا أفهمها ولا تفهمها ‏ولا يفهمها جدّ والديك.

السيد الحاسوب في الإدارة التونسية هو "الفاتق الناطق"، ‏بل إنه مصدر فخر الإداريين عندما يعلمونك أنه النظام القوي للإدارة، وأنه لا ‏يُخطئ، وأنه مثال للشّفافيّة، وأنه مرتبط بالإدارة المركزية، وأنه تحت رقابة السّيد ‏الوزير مباشرة أو من ينوبه، ويتلخّص كلّ ذلك في عبارة "كي نضرب من هنا ‏يطلع عندهم غادي كل شيء".

قلنا إذن إن الإدارة جافّة جفاف ذلك الحاسوب الذي ‏قد لا يُخطئ وقد يُخطئ.  ومن امثلة تضُرّر المواطن من حاسوب يُخطئ "وجلّ ‏من لا يسهو" نجد أنظمة التقاعد. في اطار سياسة الدولة في فترة ما قبل الحاسوب ‏البيروقراطي، قررت الدولة ان تمنح للطالب التونسي أثناء فترة الدراسة قرضا كلّ ‏سنة بضمان الوليّ. قيمة القرض بسيطة ومهمّته مساعدة العائلة التونسية في توفير ‏أسباب النجاح المادية للأبناء.

المفترض أنه قرض اجتماعي ذو مهمّة إنسانية ‏وليس قرضا ربحيا تجاريا. المفترض أيضا أن المساعدة التي تتلقاها العائلة يجب ‏ألاّ تتحوّل إلى جحيم تجعل الأهل يندمون على اليوم الذي نجح فيه الابن وذهب ‏ملعونا إلى مقاعد الجامعة.

المفترض أن تُراعى كل الظّروف الإنسانية في هذا ‏القرض الذي أحدث أصلا لسدّ فراغ غياب الدولة وتخلّيها عن التعليم.

المفترض ‏في هذا القرض ألاّ يتضاعف كالقرض التجاري وألاّ يصبح مصدرا لربح ‏الصندوق بل المفترض أصلا أن تقوم الدولة التونسية بتسديده نيابة عن العائلات ‏التونسية التي حُرمت من حقّ أبنائها في الدراسة المجانية. لكن "اش علينا" فهذه مجرد ‏اماني.

اما على ارض الواقع فأن جماعة الصندوق ينتظرون بفارغ الصبر حتى ‏‏"يجي الصبع تحت الزّرصة" وتشير أصابع الحاسوب البيروقراطي إلى المتهم كي ‏ينطلقوا في عملية الاقتطاع لخلاص ما لديهم عن المساهم. بمجرد بلوغ الاجال ‏تنطلق اليا عملية الاقتطاع وعاش الحاسوب وعاش الذكاء الالكتروني.

لا يهمّ أن ‏الجراية ضعيفة وأنها لا تكفي لسداد القرض التعليمي المشؤوم، لا يهمّ إن كان ‏الطالب ما زال عاطلا عن العمل أو أنه أخ لثلاثة آخرين ما زالوا في رحلة البحث ‏عن عمل زمن الكورونا وما بعدها. ولا يهمّ أن الجراية تعيلهم رغم ضعفها، لا ‏يهمّ أن الجراية مال أيتام وأرملة، فالنظام الإداري يستوجب الاقتطاع وإذا ‏الحاسوب تكلّم، تكلم (1).

ولأن المواطن لا حول له ولا قوة أمام الصندوق وجبروت ‏القانون وقهر الإجراءات فليس له إلا أن يقبل بما تبقى من فتات جراية عمريّة ‏أكلها الاقتطاع وخربتها فوائض الدَّين. وأن يدعو بهلاك الحاسوب ونظام الذكاء ‏الالكتروني الذي يخطئ في الشّرّ ولا يخطئ في الخير.  ‏

‏(1) على وزن الديمقراطية كلّ تتكلم تتكلم (مسرحية كلام اللّيل)