وطني

الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للانسان

الشعب نيوز / صبري الزغيدي - أثارت محاكمة المحالين في بما يعرف ' بقضية التآمر على أمن الدولة" جدلا واسعا في أوساط الرأي العام التونسي باعتبار ان الموقوفين باتوا محتجزين منذ حوالي السنتين دون أن  تقدم السلطات اي معطيات حول الملف، حتى قامت بمنع التداول فيها على وسائل الإعلام قبل أن يتم رفع هذا المنع، وتقوم قناة التاسعة عبر كرونيكور مقرب من السلطة بالحديث عن بعض مضامين التحقيقات في خطوة أثارت استياء عديد القوى المدنية والسياسية والاعلامية لأن القناة والكرونيكور نصبا نفسيهما مكان المحكمة وضربا لمبدأ قرينة البراءة.

كما أثار القرار  بانعقاد عملية المحاكمة عن بعد غضب واستهجان المشهد الحقوقي لأن في غياب المتهمين انتهاك لأركان المحاكمة العادلة وضرب لحق الدفاع والمواجهة، ولتكون مرة اخرى عملية انتقام سياسي.

وتأتي هذه المحاكمة في ظل مناخ عام متوتر اتسم بضرب الحقوق والحريات ومنها حرية الصحافة عبر المرسوم 54 سيء الذكر فضلا عن ضرب الحق النقابي وفي ظل أيضا وضع اقتصادي واجتماعي أقل ما يقال عنه انه زاد من الفقراء فقرا،  وغلق الأبواب أمام اي حوار مجتمعي يهتم بالشأن العام وبتوجه إصلاحي تشاركي جاد ينقذ البلاد من ازماتها، ما رسخ التأكيد على أن البلاد بدأت ترزح تحت نظام فردي استبدادي انطلق في قضم مكاسب الثورة على قلتها.

* لماذا المحاكمة العادلة ؟

لقد اتى الاعلان العالمي على الحق في المحاكمة العادلة حيث نصت المادة 10 منه على " لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الأخرين الحق في أن تنظر في قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظرا منصفا وعلنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه اليه" .

كما تضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في ضمان المحاكمة العادلة للأشخاص، واعتبره معيارا من معايير القانون الدولي الانساني، إذ نصت المادة 14 منه على أنه ' من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية منشأة بحكم القانون'.

وباعتبار هذه المبادىء التي صادقت عليها الدولة التونسية، فإن القوى الحقوقية والمدنية اكدت ان محاكمة الحال ضربت كل شروط المحاكمة العادلة وتلخص الأمر في مجرد تصفية حسابات سياسية.  

لقد بدأت أطوار هذه القضية منذ عامين بإيقاف عدد من القيادات والنشطاء السياسيين المعروفين،  وتضمّ هذه القضيّة قرابة 42 "متّهما" معظمهم بحالة سراح أو "بحالة فرار" لتواجدهم في الخارج، ومعروف ان هؤلاء لا يربطهم ببعضهم تنظيم ولا علاقة سياسية أو حتى سابقة معرفة بل إنّ كلّ ما يجمعهم هو كونهم من خصوم قيس سعيد أو من منتقديه أو من المغضوب عليهم ممّن كانوا بالأمس من معاونيه في القصر أو في مختلف أجهزة الدولة.

وقد أكّدت هيئة الدفاع في أكثر من مناسبة أنّ هذا الملف بُنِيَ على وشايات فارغة وغير جدية من جهة وعلى محادثات سياسية بين المعنيين حول الوضع المتأزّم بالبلاد بعد 25 جويلية 2021 ورؤيتهم لكيفية معالجته.

وقد ارتُكبت على حسابهم خلال مدة اعتقالهم الطويلة عديد التجاوزات التي جعلت منهم محتجزين قسرا، علما وأنّ حاكم التحقيق الذي زجّ بهم في السجن فرّ من البلاد وهو بدوره ملاحق لارتكابه جرائم. 

وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الرأي العام محاكمة 4 مارس لمعرفة حقيقة هذا الملف والاستماع إلى الموقوفين فيها في محاكمة علنية تتوفر فيها كامل شروط المحاكمة العادلة، أعلنت وزارة العدل أنّ المحاكمة ستجري من بدايتها إلى نهايتها عن بعد،  وهو انتهاك جديد ينضاف إلى الانتهاكات السابقة التي تؤكّد الطابع التعسفي لهذه المحاكمة السياسية.

أمام هذا المشهد، تتفق موضوعيا أغلب القوى السياسية والحقوقية والمدنية على اعتبار أن هذه المحاكمة دليلا اضافي على حجم التدهور السياسي الذي بلغته بلادنا منذ  25 جويلية 2021 وحجم انتهاك الحريات وحقوق الإنسان والتدجين الممنهج للقضاء الذي تحوّل إلى مجرد وظيفة لتكريس الاستبداد وتصفية الخصوم السياسيين ومنظمات المجتمع المدني وكل من يخالفها الرأي، وفرض محاكمة عن بعد بهدف  التحكم في سير المحاكمة وهو ما يبيّن حجم الارتباك الذي يتّسم به سلوك السلطة بعد أن ظلّت تغطي على فشلها في كافة المجالات التي تمسّ حياة المواطنين ومعيشتهم، كل ذلك رفقة خطاب رسمي يتسم بالتحريض على العنف والكراهية.