تونس تحت المجهر : محاكمة نشطاء سياسيين تثير جدلا حول التآمر الملفق

بقلم الهادي الرداوي - في الرابع من مارس 2025، بدأت في تونس محاكمة استثنائية لأكثر من 40 شخصا، بينهم سياسيون ومحامون ونشطاء واعلاميون، بتهمة "التآمر على أمن الدولة".
هذه القضية، لم تكن مجرد حدث قضائي عادي، بل أصبحت نقطة جدل واسعة تطرح تساؤلات كبيرة حول مستقبل الحريات والاستقرار في البلاد. بين معارضة تصر على أن التهم ملفقة، وسلطة تؤكد أن الأمن هو الأولوية. فأين الحقيقة؟ وما الذي تعنيه هذه المحاكمة لتونس اليوم؟
توجهت بالسؤال الى الناشط الحقوقي مصطفى عبد الكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان: "في ظل اتهامات التآمر على أمن الدولة التي تواجه أكثر من 40 ناشطا وسياسيا، ومع تأكيد المعارضة أنها تهم ملفقة، كيف ترى دور هذه المحاكمة في تعزيز الاستقرار أو تهديد الحريات في تونس اليوم؟" فقال ان: "هذه القضية وكل مراحلها مرتبطة ارتباطا وثيقا بوضع البلاد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وبخاصة مخاطرها على واقع الحقوق والحريات والسلم الأهلي والمنافسة السياسية الشريفة من أجل الحفاظ على التداول السلمي على السلطة والمناخ السياسي، الذي يحدد بدوره اتجاه التعامل مع جميع الأطراف المؤثرة خارجيا وداخليا. لذلك، الجميع ينتظر نتائج هذه المحاكمة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بواقع الحقوق والحريات والسلم الأهلي. نحتاج اليوم الى محاكمة عادلة وقضاء مستقل وسريع وحسن وطني وحقوقي من السلطة القضائية أثناء الفصل فيها.
نفس السؤال طرحته على الناشطة الحقوقية نزيهة رجيبة، المناضلة الشرسة في عهد بن علي، فأجابت: "مع أننا نمر بفترة ضبابية غير مستقرة يصعب التكهن بنتائجها، أرى أن هذه المحاكمات تعزز مكانة الرئيس عند أنصاره، وهم محبون لهذا النوع من الانتقام. البروفيل النفسي لأنصاره يظهر شريحة من الشعب طال تهميشها، واكتسبت حقدا وتشفيا من النخبة التي تعتقد أنها سبب تهميشها. على المدى المتوسط والطويل، ستكون هذه المحاكمات دليلا على سوء فترته، وربما تصبح من العناصر التي تبرر عزله .
كلمات عبد الكبير تلخص المشهد من زاوية حقوقية: تونس تقف على مفترق طرق، بينما رجيبة تضيف بعدا اجتماعيا وسياسيا. من جهة، تبرر السلطة موقفها بأنها تحمي البلاد من "مؤامرات" تهدد استقرارها، خاصة بعد أن استأثر الرئيس قيس سعيد بالسلطات منذ 25 جويلية 2021.
ومن جهة أخرى، ترى المعارضة بما فيها شخصيات بارزة مثل جوهر بن مبارك وأعضاء من أحزاب مختلفة أن هذه المحاكمة ليست سوى وسيلة لتصفية الخصوم السياسيين. المحامية دليلة بن مبارك مصدق، على سبيل المثال، وصفتها في تصريح لـ"الجزيرة نت" بأنها "إحدى عشرات القضايا الملفقة التي اختلقتها السلطة لتبرير حملتها ضد المعارضين.
المحاكمة نفسها أثارت الجدل ليس فقط بسبب التهم، بل بطريقة تنفيذها. أجريت عن بعد، وهو ما رفضه المتهمون وعائلاتهم، مطالبين بجلسات علنية تكشف الحقيقة أمام الشعب. داخل قاعة المحكمة، رفع أهالي الموقوفين شعارات مثل "حريات، حريات، يا قضاء التعليمات"، وهم يحملون صور أبنائهم.
بعد أن عرفت تونس، اثر فرار بن علي، التداول السلمي على السلطة، تواجه اليوم تحديات كبيرة. الاقتصاد يعاني، الأوضاع الاجتماعية متوترة، والخلافات السياسية بين المعارضة والسلطة تتصاعد. في هذا السياق، هذه المحاكمة ليست مجرد قضية قانونية، بل اختبار للسلم الأهلي كما أشار عبد الكبير، ولها تداعيات على المدى الطويل كما ترى رجيبة. إذا انتهت بأحكام قاسية، قد تزيد التوتر وتفقد الناسس ثقتهم في القضاء أكثر، وربما تتحول الى وصمة في عهد الرئيس .
الاهتمام الدولي يضيف تعقيدا آخر. منظمات حقوقية مثل "العفو الدولية" ونشطاء عالميون يطالبون بالافراج عن الموقوفين، ويصفون القضية بأنها "انزلاق نحو الاستبداد". وقالت منظمة العفو الدولية في بيان ان القضية تهدد الحريات في تونس وتطالب بالافراج الفوري عن الموقوفين.
في النهاية، كما قال مصطفى عبد الكبير، الجميع ينتظر مآلات هذه المحاكمة، وكما ترى نزيهة رجيبة، قد تكون نصرا قصير الأمد للسلطة وخسارة طويلة الأمد لها. هي ليست مجرد حكم على أفراد، بل على مستقبل الحريات والمنافسة السياسية في تونس. تونس اليوم تحت المجهر، والسؤال يبقى: هل سنرى ضوءا في نهاية النفق، أم ظلاما أكثر؟