آراء برقية حول الزيادة في الأجور: حلّ و ليس مشكلة

الشعب نيوز/ رياض الشرايطي:
●الزيادة في الأجور وتجميد الأسعار كأدوات لتحفيز الاستهلاك والنمو الاقتصادي:
تُعتبر الزيادة في الأجور أحد الحلول الرئيسة لتحفيز الدورة الاقتصادية في تونس، حيث تساهم بشكل مباشر في زيادة الطلب المحلي على السلع والخدمات. في ظل أزمة التفاوت الاجتماعي و التهميش الاقتصادي الذي تعاني منه طبقات واسعة من المجتمع التونسي، تصبح الزيادة في الأجور أداة ضرورية لتحسين القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة. لكن، من الأهمية بمكان أن تكون هذه الزيادات دورية ومستدامة، وليس ظرفية أو مؤقتة، لضمان تحقيق تأثير إيجابي طويل المدى في تحفيز النمو الاقتصادي الحقيقي.
إذا كانت الزيادة في الأجور تتم بشكل غير منتظم أو مؤقت، فإنها قد تُمتص بسرعة بواسطة التضخم و ارتفاع الأسعار الناتج عن التقشف أو السياسات النيوليبرالية. لذا، يجب أن تكون هذه الزيادة مرتبطة بشكل وثيق بـتجميد الأسعار لفترة من الوقت، وبشكل خاص على السلع الأساسية، لتفادي الآثار السلبية على القدرة الشرائية للمواطنين.
●النيوليبرالية وأثرها على السياسات الاقتصادية في تونس:
تعتبر النيوليبرالية من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد التونسي ، بتطبيق سياسات تقشفية تقتصر فيها الدولة على تقليص الإنفاق العام و خفض الدعم. في هذا السياق، تتبنى الدولة شروطا اقتصادية قاسية تفرضها المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، حيث تعتبر سياسات التقشف رفاهية أقل للمواطنين مقابل فتح الأسواق و خصخصة القطاعات العامة. وهذه السياسات تتعارض بشكل مباشر مع مصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مما يزيد من التفاوت الاجتماعي و زيادة الاحتقان الشعبي.
وفي السياق التونسي، النيوليبرالية أدت إلى تحرير الأسواق و تقليص الضرائب على الشركات الكبرى، ما جعل الاقتصاد يواجه تحولات غير متوازنة. إذ تهيمن المؤسسات المالية العالمية على السياسات الاقتصادية من خلال الضغط لفتح الأسواق و خفض الحواجز الجمركية، ما يزيد من استيراد السلع التي تؤدي إلى إضعاف القطاع الصناعي المحلي. في هذا السياق، تصبح الزيادة في الأجور التي يتم تطبيقها في ظل سياسات نيوليبرالية دون تحديد شروط صارمة لضبط الأسعار غير فعالة و قابلة للامتصاص بواسطة التضخم الناتج عن فتح الأسواق أمام المنتجات الأجنبية و الخصخصة.
فمثلا عندما تفتح الأسواق التونسية أمام المنتجات الأوروبية والتركية، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة الواردات و تدهور القدرة التنافسية للصناعات المحلية. في هذه الحالة، حتى لو تم زيادة الأجور، فإن هذه الزيادة قد تستهلك بسرعة نتيجة الزيادة في أسعار السلع المستوردة.
●التقشف وزيادة التفاوت الاجتماعي:
تعتبر سياسات التقشف إحدى السمات الأساسية للنيوليبرالية التي تتبعها تونس تحت تأثير المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. حيث يُطلب من الدولة التونسية خفض الإنفاق العام، وخاصة في القطاعات الحيوية مثل الصحة و التعليم و الطاقة، مما يؤدي إلى تفشي الفقر و تدهور الخدمات العامة.
تزيد هذه السياسات من التفاوت الاجتماعي في البلاد، حيث يظل الأغنياء و المؤسسات الكبرى محصنين من تأثيرات التقشف، بينما يعاني الطبقات المتوسطة والفقيرة من تداعيات التقليص في الدعم و الرفع في الأسعار. في هذا السياق، تصبح الزيادة في الأجور خطوة مؤقتة و غير فعّالة إذا لم ترافقها إجراءات صارمة مثل تجميد الأسعار أو التوسع في الاستثمارات العامة لتحفيز الاقتصاد المحلي.
فإذا تم فرض سياسة رفع الدعم عن الوقود أو الكهرباء و الماء مثلا ، فقد تصبح الزيادة في الأجور غير ذات تأثير إذا تم امتصاصها بسبب هذه الزيادات في الأسعار. لكن إذا تم تجميد الأسعار على هذه السلع الأساسية، فإن زيادة الأجور ستساعد في تحسين الوضع المعيشي بشكل مستدام.
●الخصخصة وتأثيرها على القطاعات الحيوية:
إن الخصخصة التي تروج لها المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي تمثل أحد الجوانب الرئيسية للنيوليبرالية في تونس. حيث تطرح بيع الشركات العامة في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة و النقل و المياه لصالح القطاع الخاص، مما سيساهم في رفع الأسعار و إضعاف الخدمات العامة و سيؤدي هذا بدوره إلى زيادة التفاوت الاجتماعي حيث يستفيد القطاع الخاص من هذه السياسات بينما يعاني المواطنون من تدهور الخدمات و ارتفاع التكاليف.
في ظل هذه السياسات النيوليبرالية، يصبح من الضروري أن تتبنى الحكومة إستراتيجيات اقتصادية بديلة تركز على الاستثمار في القطاع العام و زيادة الأجور بشكل دوري لدعم الطبقات المتوسطة والفقيرة. كذلك، يجب أن تكون هذه الزيادة مصحوبة بإجراءات مثل تجميد الأسعار على السلع الأساسية لمنع التأثير السريع للتضخم على القدرة الشرائية للمواطنين.
●الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي وتركيا: آثارها على الاقتصاد التونسي:
في إطار الاتفاقيات التجارية بين تونس و الاتحاد الأوروبي و تركيا، تتعرض تونس لضغوط كبيرة لفتح أسواقها أمام السلع الأجنبية، مما يؤدي إلى زيادة الواردات و تدهور الإنتاج المحلي. تنص هذه الاتفاقات على تخفيض الرسوم الجمركية و رفع الحواجز التجارية، مما يعزز من قدرة الشركات الأجنبية على التنافس في السوق التونسي.
من جهة أخرى، تساهم هذه الاتفاقات في إضعاف القطاعات المحلية مثل الزراعة و الصناعة التي لا تستطيع منافسة المنتجات المدعومة في الدول الأوروبية أو اتركيا. هذا يضع الاقتصاد التونسي في مأزق اقتصادي، حيث تصبح الزيادة في الأجور غير فعّالة في تحسين القدرة الشرائية إذا لم يتم تحفيز الإنتاج المحلي من خلال سياسات دعم محلية تحمي الصناعات التونسية.
فإذا تم توقيع اتفاقيات تجارية تؤدي إلى زيادة الواردات من المنتجات الزراعية الأوروبية،و هذا ما هو واقع الآن في تونس ، فإن الفلاح التونسي سيجد نفسه في منافسة غير متكافئة، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج المحلي و زيادة البطالة في هذا القطاع. هذا يحد من قدرة الزيادة في الأجور على تحقيق العدالة الاجتماعية ويزيد من التحديات الاقتصادية.
●التنمية المستدامة والشمولية:
بدلاً من اتباع سياسات النيوليبرالية التي تعتمد على الخصخصة و التقشف، يجب على تونس تبني استراتيجيات تنمية مستدامة تركز على العدالة الاجتماعية و الاستثمار في القطاعات العامة. على سبيل المثال، يمكن للدولة أن تركز على تعزيز الزراعة المحلية و صناعة الطاقة المتجددة، وفي الوقت نفسه زيادة الأجور بشكل دوري لحماية المواطنين من التضخم و زيادة تكاليف المعيشة.
إذا تم تطبيق تجميد الأسعار لفترة معينة على السلع الأساسية، يمكن أن تحقق الزيادة الدورية في الأجور نتائج أكثر فاعلية في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في ظل السياسات النيوليبرالية والاتفاقيات التجارية التي تفتح السوق التونسي أمام المنتجات الأجنبية وتساهم في ضعف الإنتاج المحلي.
فيمكن للدولة أن تطبق سياسات مثل دعم القطاع الزراعي المحلي أو الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتحقيق استقلال اقتصادي يمكن أن يخفف من تأثيرات الاتفاقيات التجارية ويعزز من العدالة الاجتماعية.
تظل الزيادة في الأجور أحد الحلول المهمة لتحفيز النمو الاقتصادي و تعزيز الاستهلاك المحلي في تونس. لكن، من الضروري أن تكون هذه الزيادات دورية و مستمرة.