صدور كتاب التأويل الفلسفي والعرفاني للقرآن للدكتور غفران الحسايني

الشعب نيوز / وسائط - صدر حديثا منذ أيام مؤلف جديد للباحث المختص في الحضارة والإسلاميات والدراسات الفلسفية والعرفانية الدكتور غفران الحسايني الذي عرف بجهوده البحثية في مجال الفكر الإسلامي والدراسات الحضارية وهو عضو باحث في مخبر بحث الظاهرة الدينية بجامعة منوبة وإعلامي له حضور متعدد في تونس وخارجها، و يتوقع أن يثري كتابه المكتبة التونسية والعربية لتناوله موضوعا هاما شحتّ فيه البحوث والدراسات على الصعيدين العربي والعالمي وهو بعنوان "التأويل الفلسفي والعرفاني للقرآن عند صدر الدين الشيرازي " وهو واحد من آخر الفلاسفة والعرفاء في الحضارة الإسلامية دشّن مدرسة فلسفية كاملة تعرف بمدرسة الحكمة المتعالية وعاش في القرن السابع عشر في العصر الذي ظهر فيه الفيلسوف الفرنسي ديكارت في أوروبا.
يقع كتاب التأويل الفلسفي والعرفاني للقرآن في حجم ضخم من 622 صفحة في طبعة أنيقة صادرة عن دار الكتاب تونس وقدّم له البروفيسور محمد بالطيب أستاذ الحضارة والتصوف الإسلامي بجامعة منوبة معتبرا أن الكتاب يمثل إضافة هامة جدا للمكتبة التونسية والعربية فالدكتور غفران حسايني من بين قلّة قليلة من الباحثين التونسيين الذين التفتوا إلى هذه المدونة الضخمة ، وهو من أوّل من تعمّقوا فيها.
وأضاف الدكتور محمد بن الطيب أن غفران حسايني وفّق في هذا الكتاب إلى دراسة مدونة تأويلية ضخمة أنتجها عقل من عقول الفلسفة الإسلامية الكبار، ونجح في فهمها وتحليلها، وأحاط بأشتاتها، وتمكّن من السيطرة على تفاريعها وجزئياتها، والخوض في قضاياها وإشكالياتها، والوقوف على مرجعياتها وآليات اشتغالها، وتعامل معها تعاملا نقديا، فكشف عن بعض ملامح ضعفها وقصورها. كلّ ذلك يدفعنا إلى القول -بلا إطراء- أننا إزاء باحث مختصّ في تراث الملّا صدرا رفيع المستوى، اهتم الكتاب بدراسة فلسفة التأويل عند فيلسوف لم ينل حظه بالقدر الكافي من الدرس في الجامعات العربية وهو الفيلسوف والعارف الكبير صدر الدين الشيرازي أو الملا صدرا وتأتي الإضافة الكبيرة من هذا الكتاب إلى ما أشار إليه المستشرق الفرنسي هنري كوربان من عدم معرفة كُتب الفلسفة العربية بأعمال الشيرازي لربط تاريخ الفلسفة الإسلامية بوفاة فيلسوف قرطبة ابن رشد في القرن الثاني عشر ميلادي.
يذكر الدكتور غفران الحسايني في كتابه أنه على الرغم من أن الملا صدرا قد ألف كل كتبه الفلسفية والعرفانية والدينية التي تتجاوز 56 كتابا باللغة العربية ما عدا كتابين اثنين باللغة الفارسية (مجموعة أشعار و رسالة سياسية) إلا أن الدراسات عنه في المحيط العربي شحيحة جدا ، أو أنها مقتصرة على دراسة فلسفته المتعالية وتحديدا مباحثه الوجودية من جهة ثانية اتباعا لأثر الدراسات الغربية أو الفارسية، دون اهتمام بتطبيقات منهجه الفلسفي العرفاني على فهم آيات القرآن للوصول إلى حقيقة معاني الكلام الإلهي، فجهوده التأويلية لم تدرس بعد بالقدر الكافي عالميا عدا بعض الدراسات التي وقف على نقائصها منهجا واستقراء وتحليلا.
اشتغل المؤلف في الكتاب على تفكيك الرؤية التأويلية الفلسفية والعرفانية لصاحب مدرسة الحكمة المتعالية نظريا وتطبيقيا، بالإعتماد على مدونة ضخمة في تفسير القرآن كتبها الشيرازي في أواخر حياته بعد استكمال مشروعه الفلسفي من سبعة أجزاء كاملة تعتبر من أجود التفاسير العرفانية والفلسفيّة وتتضمّن أدبا عرفانيا، ما يزال بكرا لم يدرس بعد بالقدر الكافي ، واعتمد في كتابه على غالب مؤلفات الملا صدرا التي لم تدرسها الأوساط الاكاديمية في العالم العربي ضمن مشروعه التأويلي وليس الفليفي فقط مثل كتاب مفاتيح الغيب وكتاب أسرار الآيات وكتاب متشابهات القرآن والشواهد الربوبية والحكمة العرشية وكسر أصنام الجاهلية،
يعالج الكتاب في أكثر من 100 صفحة قضية السياقات المتعددة التي نشأ فيها التأويل عند الفيلسوف الشيرازي، وهي السياقات التاريخية والدينية والثقافية التي طبعت العصر الصفوي في ذروة حضوره الثقافي وتناقضاته السياسية والدينية في عهد الشاه عباس الكبير، مبينا في ورقات معمقّة ملامح دقيقة من حياة الشيرازي التي لم تكشف بعد، مثل أسباب عزلته ومحنته مع السلطة السياسية والدينية وطرده من مدينة أصفهان عاصمة الدولة ولعنه من قبل العامة ، في محنة شبيهة بمحنة فيلسوف قرطبة أبي الوليد بن رشد، وهو خلاف ما يشاع عن سيرته في الأوساط الإيرانية من أنه كان يحظى بالإجلال والتبجيل مع تبخيس محنته مع السلطتين الدينية والسياسية وعدم إيلائها الأهمية اللازمة في درس أسبابها ونتائجها وأثرها المعرفي والنفسي في مؤلفاته الفلسفية والعرفانية فيما بعد.
يعطي الكتاب لقارئة مقاربة تأويلية عميقة من خارج المعتاد في المدونات التفسيرية التقليدية وفتح معاني القرآن على أفق الفهم الفلسفي والعرفاني إجابة عن أسئلة الإنسان الوجودية في معرفته بالله وبالوجود والنبوة وقضية المعاد الأخروي ،
ويقوم الدكتور الحسايني في كتابه بتفكيك الأسس النظرية للتأويل الفلسفي والعرفاني التي لم تدرس بعد بالقدر الكافي وهي الأسس المفهومية والبيانية والوجودية والمعرفية ليبين كيفية اشتغال التأويل وإنتاجه للمعرفة الفلسفية والعرفانية من خلال آيات القرآن الكريم وكيفية بناء المعنى التأويلي بمقاربة جامعة يلتقي فيها العقل الفلسفي بالشهود الكشفي بتأويل الآيات القرآنية، وقد كانت أزمة العقل الفلسفي الإسلامي تنظر إلى هذه المنظومات على أنها تنتج معان متناقضة منهجا ونتائج.
يقول غفران الحسايني بأنّ الكتاب سيعطي للقارئ العربي قراءة أخرى للٱيات وللقرٱن الكريم في أفق الفلسفة والعرفان وهو ارتقاء بالعقل إلى مقامات الحكمة والمعرفة وعودة بمعاني النص القرآني إلى أفقها الكوني الإنساني وقد استبدت بأفهامنا التفسيرات الضيقة داخل الملّة والفرقة والطائفة.