آراء حرة

الذكاء والحقيقة والمعلومات والانسان مدار إشكالية فلسفية طرحها عبد السلام الزبيدي في كتابه الجديد

الشعب نيوز/ رأي حر:
للمرة الثانية في أقل من شهر، احضر تقديم كتاب لواحد من الصحفيين الذين عملوا معي في الصحف التي رأست تحريرها. كان الأول لطارق السعيدي حول الاتحاد العام لطلبة تونس وتضمن سلسلة من الحوارات، نشرت في جريدة الشعب، أجراها مع مختلف المعنيين بشأن المنظمة المذكورة لاسيما خلال فترة احكمت فيها السلطة قبضتها عليها وعلى غيرها من الهياكل والجمعيات.   
أما الكتاب الثاني فهو لعبد السلام الزبيدي الممهور بعنوان لافت للانتباه بما يعني مواكب للعصر، الان وهنا، حيث سجل تحت " الذكاء والحقيقة وعلاقة الانسان بالمدار المعلوماتي".

بين يدي الانسان
تفنّن عبد السلام الزبيدي، كعادتي به، في عنونة مؤلَّفه فتلاعب بعض الشيء بالكلمات لما جمع بين الذكاء (وهو في العادة خارق) والحقيقة ( بما هي واقع عادي) وحصرهما في المدار المعلوماتي منزّلا الكلّ في الكلّ بين يدي الانسان. كان بإمكانه ان يكتفي بـ" الذكاء والحقيقة" أو " أي علاقة بين الذكاء والحقيقة " أو من يخدم من : الذكاء ام الحقيقة ؟"، الى غير ذلك من التراكيب التي يمكن ان تصبّ في نفس النهر. 
كان بإمكانه اختصار العنوان في " الانسان والذكاء الاصطناعي" ،مثلا، مجاراة لطفرة الكتب الصادرة في الغرض هذه الأيام لكن زاد فأخذنا، كقرّاء عاديين خاصة، الى عالم الفلسفة دون ان يقول انه كذلك فعل حتى لا ينفّرنا من ذلك العالم المتشعب الذي لا يستهوي الكثيرين، لا سيما في زمن طغت فيه السرعة على كل شيء في حياتنا وبلغت التفاهة حدودا لا مرد لها.
دفعة على الحساب
لم تتح لي بعد فرصة قراءة الكتاب كاملا ومفصلا انما اكتفيت بمسح أولي غير كفيل لا بالتقديم ولا بالنقاش وتراني هنا ألجأ الى التلخيص الموجز الذي نشره عبد السلام الزبيدي على صفحته الخاصة حيث كتب ان الكتاب هو ["تفكيكٌ لمقوّمات الذكاء في شكله المُستجَدُّ الموصوف بأنّه اصطناعي، ووقوفٌ على مكوّناته من معلومات وبيانات وخوارزميات وكمبيوتر وأنترنت، وبحثٌ في ما به تكون ثورة المعلوماتية ثورةً فلسفيّةً.
الكتاب هو أطروحة دكتوراه في الفلسفة نالت ملاحظة مشرّف جدًّا مع توصية بالنشر من جامعة المنار بتونس ( المعهد العالي للعلوم الإنسانية). وكانت الإشكالية: "كيف يكون الوجود الإنساني رهين معلومات أعادت تشكيل الذكاء اصطناعًا بعد أن كان طبيعيًّا، ليُغيّرَ الذكاء نفسه ومنزلة الحقيقة ذاتها، ويُغيّر في ذات الوقت حامله الإنسان؟".
إنّه رحلة بحث في قضايا راهنة ومحدِّدة لشكل الحضور الإنساني في هذا العالم.

أطروحات

بين الفلسفة والإنسانيات الرقمية والمستقبليات، خلص الكاتب إلى أنّ: 
- الذكاء قضيّة وجودية بامتياز. 
-المعلومات والخوارزميات أدوات للسيطرة على الأنطولوجيا. 
-المدار المعلوماتي أنتج ما يمكن تسميته بالكوجيتو الجديد وولادة مفهوم اللاشعور المعلوماتي. 
-الذكاء الاصطناعي متأرجح بين المشروع التدميريّ الخلاّق والتدميري المحض. 
- ما بعد الحقيقة هو نظام للحقيقة تبدّلت فيه المعايير من التطابق والبداهة والتناسق والمنفعة إلى التشارك والاصطناع والتوليد. 
-هذا عصر تحوُّل (انتقال)، أدناه تجاوز إنسان الإنسانية العقلاني، وأقصاه استواء خلق جديد استبدالاً لإنسان الأنسنة العاقل.
-المعلوماتية فرصة للإنسانية لإعادة اختراع نفسها… وتلك المهمة الأخيرة للفلسفة.]
ألفوا الكتب
جرت جلسة التقديم مساء الجمعة 11 أفريل بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتداول على قراءتين تقديميتين للكتاب كل من قاسم الغربي وسفيان السعيدي قبل ان يفسحا المجال للمؤلف حتى يقدم كتابه ويرد على الملاحظات. لم احضر الا جزء يسيرا من الجلسة لالتزامي بمتابعة نقاش فكري آخر جرى وراء الحدود وفي نفس الوقت.
وكما فعلتُ في جلسة تقديم كتاب طارق السعيدي، فإنني أجدد دعوة الصحفيين، كل الصحفيين، الى تأليف الكتب والادلاء بدلوهم في كل المسائل، وعلى الأقل الى جمع مقالاتهم وانتاجاتهم الصحفية وإعادة نشرها في كتب يؤثثون بها المكتبات الخاصة والعامة.

خصوصية مميزة
كما أدعو الزملاء في نقابة الصحفيين الى العمل على " اقتطاع " زمن ومكان في معرض تونس الدولي للكتاب وغيره من معارض المدن الأخرى، يتم خلاله وفيه عرض كتب الصحفيين وتقديمها الى القراء وزوار المعارض، بخصوصية مميزة، كمؤلفين ومنتجين للفكر والثقافة وليس فقط كمحررين للأخبار وناقلين للمعلومات ومعلقين على الاحداث.
أختم فاستعيرهنا قولة للأستاذ سفيان السعيدي لما كتب " اتعبت عقولنا وأمتعتنا" وأهنئ صديقي عبد السلام بهذا الكتاب بالذات وأعتذر له عن "التعسف" الذي مارستُه على بعض كتاباته " المُعرّجة على الفلسفة " في جريدة كنا نسابق صاحبها الذي أرادها "شعبية " ونخاتله لتقديمها للناس في اخراج راق ومحتوى محترم. 

محمد العروسي بن صالح