الطبوبي في عيد الشغل(3): لا يجب أن تكون التعثّرات تعلّة لسلب الحرّية أو مدعاة لجحدها والسخرية من طالبيها

بطحاء محمد علي/ الشعب نيوز- كانت البرقية السابقة مقدمة ضرورية هيأ بها الأخ نورالدين الطبوبي للحديث عن الازمة الخانقة التي تعيشها بلادنا حاليا:
ها هي بلادُنا تمرّ اليوم بأزمةٍ عامّة وخانقة مماثلةٍ لأزمات سابقة مسّت جميع المستويات والأصعُد، عمّقتها أزمة عالمية حادّة تصاعدت فيها الشعبية وما سياسة ترامب إلاّ مثال ساطع عنها، ولقد توسّعت موجة الانغلاق والتضييق على الحرّيات فأصبحت العبارة والصورة والأغنية والشعار والاستعارة، أيّا كان منطوقها وأهدافها وإطارها، سببا للزّجّ بأصحابها في السجون وتسليط أقسى الأحكام عليهم وخاصّة منذ سنّ المرسوم 54 سيّء الذكر وصارت التهم تطلق جزافا والقضايا تحاك في المكاتب المغلقة وأصبحت محاكمة الرأي والتعبير خبزا يوميا مسّ النقابيين والإعلاميين والمحامين والنشطاء المدنيين والمدوّنين من الشباب الذين سلّطت عليهم أحكام جائرة بعد أن سُلب أغلبهم الحقّ في محاكمة عادلة تكفل فيها العلنية وحقوق الدفاع والمكافحة وغيرها من الشروط التي يضمنها الدستور والتشريعات الوطنية والدولية.
إنّ الحرية هي أمّ القيم والمبادئ الإنسانية لا بوصفها شرطا للعدالة والمساواة وغيرها من القيم الإنسانية الأخرى فحسب بل لأنّه لا يمكن تحقيق العدالة في ظلّ التضييق والقمع، فالحرية ليست مجرّد وسيلة لتحقيق العدالة بل هي جوهرها إذ توفّر لنا جميعا الحقّ في الاختيار والانتقاد والاحتجاج والدفاع عن الحقوق الأساسية والتمتّع بها.
دور مزدوج
لقد كانت الحرّية ومازالت مطلبا إنسانيا كافحت من أجله الشعوب وبلادنا استطاعت بعد هبّة 17 ديسمبر 2010- 14 جانفي 2011 أن تكفل قدرا لا بأس به من الحرية رغم التعثّرات التي لا يجب أن تكون تعلّة لسلب الحرّية أو مدعاة لجحدها والسخرية من طالبيها. وبقدر الحاجة إلى الحرّية فإنّنا لا يمكن أن ننكر ارتباطها الوثيق بالعدالة وبالسيادة الوطنية إذ لا يمكن أن يكون هناك شعب حرّ في وطن محتلّ أو يفتقد إلى العدالة وفي نفس الوقت لا يمكن أن نتحدّث عن وطن مستقلّ وعادل وشعبه ينوء تحت نير القمع والاستبداد،
لذا فان الاتحاد قد كافح من أجل الاستقلال بنفس الحماس والتضحية التي ناضل بها من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمّال، ولذلك يطرح علينا، نحن النقابيين، مرّة أخرى أن نلعب دورنا المزدوج: الوطني والاجتماعي مثلما أدّيناه في كلّ المحطّات باقتدار وريادية وتماسك ووضوح رؤية.
كان أملُنا أن تنكبّ كلّ الجهود على معالجة المسائل الاقتصادية والاجتماعية، منبع ودافع ثورة شبابنا في 2011 لنجد الحلول والإجابات لقضايا الفقر والتهميش والإقصاء والتفاوت الاجتماعي والجهوي في تونسَ، وأن نبحث طرقَ تحقيق التنمية العادلة وإعادةِ الاعتبارِ للدّور الاجتماعي للدولة ولمؤسّساتِها وسبُلَ ضمان استقلال الوطن وسيادة قرارِه بعيدا عن التدخّلاتِ والإملاءات الخارجية.
أمل تبخّر
غير أنّ أملنا وأمل أغلب التونسيات والتونسيين قد تبخّر أو كاد بتفويت الفرصة على مجابهة الأوضاعِ المتردّية، في ظلّ استمرار سياسة التفرّد بالرأي والقرار التي لن تزيدَ وضعَنا إلاّ سوءً وانسدادًا وفشلا وانهيارا واندفاعًا نحو المجهولِ. وهو ما نبّهنا إليه مرار وتكرارا فأطلقنا النداء وراء النداء والمبادرة تلو المبادرة دون مجيب حتّى عدّ البعض ذلك ضعفا واستجداء والحال أنّه نداء صادق لإنقاذ البلاد حاولنا فيه التدرّج وتقديم التعامل الإيجابي على التصادم والتدافع لا يحدونا في ذلك غير منع الكارثة إذ لسنا طلاّب سلطة وحكم ولا نظنّ أنّنا في ذلك أقلّ وطنيّة من غيرنا أو أكثر بقدر ما نحن حريصون على أن يكون الاتحاد دوما قوّة بناء واقتراح ولا يبقى مكتوف الأيدي إذا تعلّق الأمر بمصير بلادنا.