الشاعر محمد العربي يكتب عن رواية فازت بجائزة الكومار الذهبي : لمن تجمع وردك يا مكرم"رواية مليئة بالحنين والاسئلة الوجودية

الشعب نيوز / ناجح مبارك - خاض الشاعر محمد العربي صديقه الروائي شفيق الطارقي بنص حميمي كتبه بروح النقاد وقلب رفيق درب الكتابة رواية "لمن تجمع وردك يا مكرم "
في رواية "في البحث عن الزمن المفقود"، يقوم بروست ببناء مفهوم متداخل ومعقد عن الزمن، الذاكرة، العزلة، والهوية. الزمن ليس خطيًا أو ثابتًا، بل هو سائل، يتشكل ويعيد تشكيل نفسه من خلال الذاكرة والعواطف. الذاكرة، بدورها، ليست مجرد أداة لاسترجاع الماضي، بل هي تجربة حية تنبثق فجأة من اللحظات اليومية. العزلة في الرواية تمثل الاغتراب الداخلي للفرد، بينما الهوية هي مفهوم متغير يتشكل دائمًا في إطار الزمن والعلاقات الاجتماعية.
* بحث عن زمن مفقود
مشهد القطع الصغيرة من البسكويت في رواية "في البحث عن الزمن المفقود" هو أحد المشاهد الأكثر شهرة في الأدب الغربي، وهو المشهد الذي غالبًا ما يُستشهد به عند الحديث عن ذاكرة الزمن والتحفيز الحسي في الأدب. يمثل هذا المشهد نقطة التحول التي يبدأ فيها الراوي في استكشاف الذاكرة.
هو محور الرواية لأنه يمثل البداية التي تفتح أمام الراوي الطريق لاستكشاف العلاقة بين الزمن والذاكرة في حياة الإنسان. من خلال هذا المشهد، يبدأ الراوي في إعادة بناء حياته الماضية.
في هذا الاطار من التحفيز الحسي تقع رواية " لمن تجمع وردك يا مكرم " للروائي التونسي شفيق الطارقي اذ أن حادثة سقوط البطل " مكرم " من فوق دراجته وتعبثر باقة ورد منه وهو يفكر في كتابة قصيدة. ذلك السقوط الحتمي هو الحدث القادح الذي بنا عليه الراوي حكايته عن رجل في الثامنة والأربعين أراد أن يصبح شاعرا .
* سن الاربعين سن مفترق الطرق
هو عمل أدبي ينقلك إلى عوالم رجل في سن الأربعين، يقف في مفترق طرق في حياته بين حلمه الذي لم يتحقق، وبين محاولة البحث عن نفسه من خلال تأملاته في ماضيه وحاضره. هذه الرواية لا تقتصر على سرد قصة حياة شخص، بل هي رحلة داخل الذات البشرية، مليئة بالحنين، والأسئلة الوجودية، والصراع الداخلي بين الواقع والأمل. كان مكرم يأمل أن يجد نفسه بين الشعراء، لكن الفشل في تحقيق هذا الحلم لم يكن إلا بداية لصراع داخلي طويل.
مكرم لم يكن مجرد رجل في منتصف العمر، بل هو رجل عاش سنواته الشبابية في محاولات مستمرة للتقرب من عالم الشعر. كانت سنوات دراسته الجامعية مليئة بالأحلام التي لم تكتمل، والصراعات الداخلية التي جعلته يغرق في فوضى من الخيبات. هذه السنوات الهاربة من الزمن كانت مليئة أيضًا بالعلاقات الإنسانية التي تركت بصماتها في حياته، سواء من خلال علاقاته مع مثقفين ومناضلين وشعراء حاول الاقتراب منهم والتشبه بهم أو من خلال تجربته الخاصة في عالم الشعر والأدب.
* البحث عن معنى
إحدى السمات البارزة في الرواية هي الصراع الداخلي لدى بطل الرواية، مكرم. هو رجل في منتصف العمر، يعيد قراءة سنواته الماضية ويتأمل في خيباته وأحلامه التي تبددت. هذا الصراع يتجسد في محاولات مكرم العديدة للبحث عن معنى لحياته التي لم تحقق له ما كان يتوقعه، وفي محاولاته المتكررة لتكريس ذاته في عالم الأدب، الذي ظل مغلقًا أمامه.
الصراع الداخلي له علاقة بالخيبة الشخصية في عدم تحقيق الحلم، والبحث عن هوية شعرية لم يكن من الممكن الوصول إليها، رغم كافة المحاولات .
"لمن تجمع وردك يا مكرم" ليست فقط رواية عن شخص فشل في أن يصبح شاعرًا، بل هي رواية عن كل إنسان يمر بفترات من الخيبة، ويشعر بأن الزمن يبتعد عن أحلامه وطموحاته. هي رواية عن العيش في الماضي ومحاولة إيجاد السلام الداخلي بعد الفشل.
* إعادة بناء الذات
بطل الرواية يُحاول إعادة بناء نفسه وتفهمه لهوية أعمق، رغم مرارة التجربة.
كما أن الرواية تطرح سؤالًا فلسفيًا عميقًا: هل يمكننا تجاوز الفشل؟ وهل يمكن أن تصبح الخيبة فرصة لتشكيل هوية جديدة، أو مجرد عبء يجب أن نتحمله؟ الأسئلة التي تطرحها الرواية لا تُجيب على هذه الأسئلة بشكل مباشر، لكنها تترك للقارئ فرصة للتفكير في مفهومات الزمن و الذكريات و الأحلام المفقودة.
رواية "لمن تجمع وردك يا مكرم" هي تأمل في الحياة، وفي الصراع الدائم بين الأمل والخيبة. من خلال شخصية مكرم، يطرح شفيق الطارقي أسئلة فلسفية عميقة حول الزمن، الذاكرة، و الهوية. يواصل بطل الرواية محاولاته للتصالح مع ماضيه، والعودة إلى ذاته، لكنه في النهاية يدرك أن الحياة، مثل الورود المتناثرة، مليئة بالفرص الضائعة التي لا يمكن إعادتها، ولكن في نفس الوقت، كل لحظة من هذه اللحظات قد تكون بداية جديدة لفهم الحياة من زاوية مختلفة. انها رواية عن الإخفاقات المتكررة بشكل تراجيدي وعن الخيبة والاحباطات التونسية، لتتكرر لازمة على لسان البطل لتشبه لازمة السقوط في الرواية " انك لن تغير العالم يا مكرم "...