في 30 ماي 1972 "كوزو أوكاموتو" : الفدائي الياباني الذي قاتل من أجل فلسطين… وما انكسر

طارق الشيباني يكتب : لا يشبهوننا في شيء... ولكنهم يشبهون فلسطين حين يشتدّ عليها الحصار...
وهم غرباء عن أسمائنا وأحلامنا ولهجاتنا، ولكنهم نحنُ حين يُقطع عنّا النهار وتُحاصرنا العزلة...
من بين هؤلاء، ينهض اسم "كوزو أوكاموتو"، لا كواحد من أبناء هذه الأرض، بل كأحد الذين حملوا فلسطين في دمهم وكأنها منفى عتيق أو فردوس مفقود.
جاء من أقصى الشرق، من اليابان التي كانت تلتئم جراحها بعد الحرب، لا ليُحاضر عن السلام، بل ليقاتل في سبيل الحرية.
وُلد سنة 1947، درس علم النبات، وتعلّم لغات العالم كما لو أنه كان يتأهب لرسالة كونية: اليابانية، الإنقليزية، العربية، العبرية، الصينية، الروسية... لم يكن شغوفًا بالتنوع، بل كان يعدّ نفسه للثورة!
التحق بالجيش الأحمر الياباني، التنظيم الماركسي الذي خرج من رماد الستينيات الطلابية، وحلم بعالم بلا أباطرة.
وعندما اشتد القمع في طوكيو، وجد مع *1* رفاقه الطريق إلى بيروت، إلى وديع حداد، الطبيب الفلسطيني الذي حوّل الثورة إلى فكرة أممية، وصنع جسورًا من البارود بين الشعوب المقهورة.
هناك، لم ينخرط اليابانيون في التضامن، بل في التماهي، كما فعل غيرهم من مناضلي العالم : الألوية الحمراء الإيطالية، و *2* "أولريكا ماينهوف" ابنة تنظيم "بادر-ماينهوف" الألمانية، و مجموعة "العمل المباشر" الفرنسية، و *3*كارلوس الفنزويلي، *4*وإيلان هاليفي، ، و *5*رونالد كاسريلز، و *6*فرانكو فونتانا الإيطالي...
واستمر النضال إلى أيامنا، إذ حمل "إلياس رودريغيز"، المناضل الأممي ذو الأصول اللاتينية، الشعلة في قلب واشنطن، حيث نفذ عملية نوعية استهدفت موظفي سفارة الاحتلال، كأنما يعيد فتح دفاتر النار على أرض العدو، فعلها بصمت ودقة، ليؤكد أن دم "كوزو أوكاموتو" لا يزال يتدفق في قلب الأممية.
في صباح 30 ماي 1972، نزل "كوزو أوكاموتو" ورفيقاه "أوكودايرا " و "ياسودا" من طائرة فرنسية في مطار اللد بفلسطين المحتلة، لا كمسافرين بل كصاعقة, فتحوا حقائبهم التي لم تكن سوى صناديق ثأر، وأطلقوا النار على الركاب والسيارات والطائرات , سقط 26 قتيلاً، بينهم العالم البيولوجي الصهيوني "أهارون كاتسير"، وجُرح أكثر من 70, استشهد "ياسودا" بالرصاص، وفجّر "أوكودايرا" نفسه، فيما أجلت قنبلة "أوكاموتو" نهايتها، فأُسر.
في المحكمة، لم يتوسّل، بل أعلنها: "أنا أحارب من أجل الثورة العالمية، وإذا متّ فسأصبح نجماً في السماء".
لم يكن يبحث عن شفقة، بل عن خلود.
حُكم عليه بثلاث مؤبدات، و عزل "جسدُه" في زنزانة انفرادية 13 عامًا، لكنه خرج، لا كإنسان مهزوم، بل كأسطورة تمشي فوق جراحها.
وفي صفقة تبادل أسرى سنة 1985، خرج "اكاموتو " إلى الضوء، لم تكن شمس اليابان تستقبله ، احتضنه ما بقي من شوارع بيروت بقصصها، وتحت جناح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
اعتقلته حكومة الحريري سنة 1997، وواجه تهديد الترحيل، إلا أن الفصائل اللبنانية التقدمية منعت ذلك، فحصل على اللجوء السياسي عام 2000، ليكون أول من يمنح هذا الحق من دولة لا تعترف باللجوء.
عاش" اكاموتو " في مخيم شاتيلا، بلا ضوء سوى وهج القضية.
وفي الذكرى الخمسين للعملية، ظهر في بيروت بجسد منهك، لكن بعيني ساموراي تشعّان بثبات فوق جبل لبنان .
لم يكن "كوزو أوكاموتو" مناضلاً فقط، بل تجسيدًا لشرف أممي نادر، حيث يلتقي الياباني واللاتيني والأوروبي و التونسي واللبناني حول فلسطين لا ليُلقوا الخطب، بل ليمنحوا دماءهم تأشيرة انتماء و لخط اسمائهم في سجل الأنبياء الأممين الذين دونوا رسائلهم و وصاياهم ....
لقد صار نجماً في سماء الثورة كما وعد، جمرة مشتعلة في القلوب، و كلما حاول العدو أن يطفئ نور النضال، يولد اسم جديد... تمامًا كما وُلد إلياس رودريغيز في قلب عاصفة ما بعد 7 أكتوبر..
وكما كتب الشاعر التونسي مختار اللغماني غنّتها مجموعة "الحمائم البيض":
"أحبك يا أوكاموتو أحبك يا أخي الإنسان
و لست أخي في الدين و لست بقارئ القرآن
و لست من "خير أمة قد أُخرجت للناس"
فحين حُبُول البركان تذوب جميع الأجناس.. و تسقط كل الأديان!
سقطت كل التيجان!
مات أبطال الروم و مات أبطال اليونان
و مات عنترة و علي بن السلطان
مات جميع الأبطال و مازال الإنسان!"
فهل يكون هذا الجيل الجديد التي تفتح وعيه حديثا بقضايا الإنسان و بالقضية الفلسطينية خصوصا بعد 7 أكتوبر على قدر الدم الذي سُفك لأجلنا؟ أم يكتفي برثاء الشهداء بلغةٍ ميتة؟
--------------------------------------------------------------------------
1*"تسويوشي أوكودايرا" و "ياسويوكي ياسودا" و"كوزو أوكاموتو" مقاتلون يابانيون من منظمة الجيش الأحمر، حيث نفذوا عملية مطار اللد النوعية عام 1972 وقتلوا وجرحوا العشرات، وكانت العملية مشتركة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
2*منظمة "بادر ماينهوف" وأشهر مناضليها "أولريكا ماينهوف"، وهي من أعضاء الجيش الأحمر الألماني الذين ساهموا مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بخطف عدد من الطائرات في أوروبا للمطالبة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي.
3*إلييتش راميريز سانشيز والمعروف بكارلوس الثعلب، انضم لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 1975، وكان مسؤولا عن عدد من عمليات الخطف في العالم، تم اعتقاله في السودان ومن ثم ترحيله لفرنسا لقضاء حكم بالمؤبد، وهو معتقل حتى اليوم فيها.4
4*إيلان هاليفي صحفي وكاتب ورجل سياسة يهودي فلسطيني، ولد عام 1943 في فرنسا، من الشخصيات اليهودية النادرة الموجودة في منظمة التحرير الفلسطينية.
5*رونالد كاسريلس (من مواليد 15 نوفمبر 1938) هو سياسي جنوب أفريقي ،عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا ،ينتمي إلى مجتمع اليهود البيض في جنوب أفريقيا و رغم ذلك كان قائد حرب عصابات سابق وقائد عسكري في المقاومة ضد نظام الأبارتايد العنصري و من أبرز المناصرين للكفاح المسلح و السياسي للشعب الفسطيني .
6*فرانكو فونتانا والمعروف باسم جوزيف إبراهيم، وهو مقاتل إيطالي يتحدر من بولونيا الإيطالية، انضم لصفوف المقاومة الفلسطينية في مخيمات لبنان في سبعينيات القرن الماضي، وانتمى جوزيف إلى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وكان متخصصا في قصف الكاتيوشا.توفي المقاتل الإيطالي عام 2015 في لبنان، وعند محاولة نقله لبلده الأصلي تفاجؤوا بوجود وصية له بدفنه في فلسطين، فإن تعذر ذلك، طلب دفنه في إحدى مخيمات الشتات، وهو ما حصل فعلا، حيث دفن في مقبرة شهداء مخيم شاتيلا.
ملاحظة : هذا المقال نشره الأخ طارق الشيباني في حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي " الفايسبوك "