آراء حرة

قافلة الصمود : عنوان آخر للمواطنة العربية

الشعب نيوز / صبري الرابحي - إنطلقت من العاصمة التونسية تونس صباح الإثنين 9 جوان 2025 القافلة البرية الاولى من نوعها نحو الأراضي الفلسطينية.

هذه القافلة التي تتماهى في اسمها مع ما يظهره شعبنا في فلسطين، تشكل لوحدها فصلاً مهماً من المقاومة المواطنية التي بدأت تتشكّل في عدد من الشوارع العربية بعد عملية طوفان الأقصى.

* قافلة المواطنين والنشطاء:

برزت فكرة تنظيم قافلة لكسر الحصار على غزة داخل دوائر تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين وهي تنسيقية جمعت حولها عدداً من المواطنين ونشطاء المجتمع المدني والمنظمات والأحزاب السياسية.

وإن كانت التنسيقية لا تنطوي على أي أشكال للعمل السياسي فإنها تتقاطع مع عدد كبير من الأحزاب التقدمية المتراوحة بين اليسار الكلاسيكي والتنظيمات القومية والمنظمات الوطنية كالاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان إضافة إلى عديد المنظمات الشبابية وعلى رأسها التنظيمات الطلابية داخل الاتحاد العام لطلبة تونس وهم في المجمل جيلين من التونسيين فرقتهم بعض أوجه الحياة وجمعهم حبهم لفلسطين كما يفعل كل مرة.

تضم هذه القافلة قرابة 1500 مشارك، تلقوا تدريبات على الاسعافات الأولية وانشؤوا سريعاً مجموعات عمل للتغطية الاعلامية لمسيرة القافلة وتمكين المتابعين من مواكبة تحركاتها لحظة بلحظة إضافة إلى عمل تنظيمي ميداني بالغ الأهمية حول مسار القافلة وانسيابية مرورها عبر الحدود والمدن.

* الاستقبال الجماهيري للقافلة:

منذ انطلاقها تجمهر مئات الأشخاص في شارع محمد الخامس في قلب العاصمة التونسية تونس لتوديع المشاركين في القافلة وتحميلهم سلامات تونس التي احتضنت القضية الفلسطينية في ثمانينات القرن الماضي ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية.

حمّلوا المشاركين أيضاً آمالهم في أن تنجح القافلة في كسر الحصار على غزة وطرق أبواب الأراضي التاريخية للفلسطينيين وربما استفزاز العروبة التي قسمتها الحدود الاقليمية التي تروم قافلة الصمود قطعها.

اللافت في الأمر هو الاستقبال الجماهيري الذي حظيت به القافلة في محطات توقفها في عدة محافظات تونسية لتجميع المشاركين.

مدن بعينها مثل سوسة، صفاقس، ڨابس ومدنين أثثت المشهد بتداخل الأجواء الاحتفالية وحماسية لقاء التونسيين بتونسيون آخرون يحملون رسالتهم إلى فلسطين.

هذه الهبّة الجماهيرية التي كان التونسيون قد نسوها لبرهة من الزمن أعادت اليوم "أمّ القوافل" إذكائها مذكّرة بثوابت شعبية لا تنازل عنها منذ سنوات.

* الهدف والرسالة:

تكمن أهمية تنظيم هذه القافلة في توجيه الأنظار نحو الاوضاع في غزة، فالحرب والدمار والتجويع جميعها مجتمعة شكلت العنوان الأبرز للوضع الإنساني هناك.

وبالرغم من محاولات عدة لكسر الحصار عبر السفن وآخرها سفينة "مادلين" التي احتجزها الكومندوس البحري الاسرائيلي، لم تنجح جميعها في تحقيق هدفها الأساسي وهو التلاحم مع الشعب الفلسطيني وتصوير الاوضاع هناك بعيون النشطاء المدنيين.

غير أن قافلة الصمود وإن كانت طريقتها في التحرّك عبر البرّ تعتبر طريقة مبتدعة فإن مجرّد تنظيمها وتسليط الضوء عليها، بل وتحولها إلى حدث وطني في تونس يعتبر في حد ذاته نجاحاً لها منذ تقدمها بثبات نحو كسر الحدود الاقليمية كبداية والوصول إلى معبر رفح في النهاية.

إحدى أهم الرسائل التي اطلقتها "قافلة الصمود" هي التدليل على ان الوعي المواطني العربي مازال في علياء إنحيازه للحق الفلسطيني وأن كلّ محاولات تدجينه وإفراغ القضية من جوهرها على إمتداد سنوات قد فشلت فشلاً ذريعاً.

اليوم قافلة الصمود كتعبيرة شعبية فريدة أسست لنهج مواطني جديد تُحرج فيه المواطنة العربية أنظمتها الرسمية وتُعرّي فشل كل مشاريع الاستيطان الفكري التي تلت الاستيطان الميداني وتثبت أكثر من أي وقت مضى أن انفصال الشعوب عن مشاريع قياداتها أصبح أمراً واقعاً وأن التطبيع بكل وجوهه لم يتحوّل بعد إلى وجهة نظر.