خارطة الإحتجاجات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة : المطالب المهنية و العمالية و تسوية الوضعيات الشغلية تتصدر الحراك

الشعب نيوز / ناجح مبارك - تأكدت أكثر عودة الفاعل الاجتماعي للتحرك والمطالبة والاحتجاج خلال الثلاثي الثاني من السنة .
وإتسمت أشهر افريل وماي وجوان بدورها بمنسوب مرتفع في نسق التحركات الاجتماعية على غرار الربع الأول منه.
وينتهي النصف الأول من العام، بحصيلة 2387 تحركا اجتماعيا مقابل 1161 تحركا خلال نفس الفترة من السنة الماضية أي بزيادة قدرها 105.6%.
وتوزعت في هذه السداسية بين 1132 تحركا خلال الثلاثة أشهر الأولى، و1254 تحركا خلال الثلاثة أشهر الثانية.وذلك وفق تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
* الحق في الانتداب
وتبقى التحركات العمالية والمهنية ومطالب تسوية الوضعيات الشغلية والحق في الانتداب وحالات التسريح والملفات المهنية العالقة بقطاع التربية والتشغيل الهش وراء الجزء الأكبر من التحركات المسجلة.
كما لم يغب على فضاءات ومساحات الاحتجاج والغضب، تعبيرات وتحركات نشطاء وممثلي المجتمع المدني الذين ورغم محاولات التضييق يواصلون التشبث بحقهم في التظاهر السلمي وفي النقد والتنديد والرفض.
وتشكل الاحتجاجات العمالية والنقابية المنظمة، المرتبطة بتطبيق الاتفاقيات العالقة وتحسين ظروف العمل وتسوية الوضعيات المهنية وصرف المستحقات المالية من أجور وحوافز، اكثر من نصف التحركات الاجتماعية المرصودة على امتداد السداسي الأول لسنة 2025.
* متابعات قضائية
ومن وجهة نظر سياسية، يواصل الجانب الرسمي، اعتماد نفس الخطاب المبني على مفاهيم السيادة للشعب، والمؤامرة، ومهاجمة ما يسميه بمنظومة الفساد عبر الدعوة الى تطهير البلاد والقضاء والإدارة والتشكيك في الاحتجاج ودوافعه.
وتشهد تونس خلال النصف الأول لسنة 2025، تواصل لنفس المسار السياسي الذي بدأ ما بعد 25 جويلية 2021، فيتم اعتماد القوانين والمحاكم لاستهداف المعارضين، وتسجل الفترة اعتقالات ومتابعات قضائية جديدة لنشطاء على خلفية تعبيرهم على آرائهم.
ويتواصل الضغط والتضييق على الفضاء المدني ، وفي ساعة متأخرة من ليلة 18 افريل 2025، وبعد جلسة مغلقة تم خلالها منع دخول وسائل الإعلام وعائلات الموقوفين، وأثارت مجرياتها الكثير من الجدل والامتعاض والرفض لدى المحامين والمتابعين، أصدرت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، أحكاما في ما يعرف بقضية التآمر في ظروف لا توفر شروط المحاكمة العادلة حسب تقارير حقوقية عديدة.
* الفوارق الاجتماعية
كما وفي الكثير من الأحيان يتسم خطاب الرئيس قيس سعيد بالازدواجية ففي حين يشدد على ضرورة توزيع الثروة بشكل عادل والقضاء على الفقر وكل مظاهر الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين التونسيين والتونسيات، تغيب السياسات العمومية القادرة على تجسيد ذلك على أرض الواقع بشكل حقيقي ويتم الاكتفاء بمقاربة قانونية ، ونجد أن جميع المؤشرات التي تتصل بخدمات عمومية كالصحة والنقل والبنية التحتية والتعليم..
تؤكد انها مجالات تشكو من ضعف وتدهور في وضعها العام وغياب للعدل والإنصاف في مسارات الولوج لها سواء على مستوى الفئات او الجهات.
ويواصل المرصد الاجتماعي التونسي، متابعة حالة عدم الرضا لدى عموم التونسيين والتونسيات، بسبب تردي الأوضاع داخل المؤسسات التربوية والصحية ورداءة الطرقات والمسالك الفلاحية وحالة العزلة المفروضة على جزء منهم، وارتفاع الأسعار وتدني المستوى المعيشي وصعوبة مواجهة متطلبات الحياة..
فضلا عن احتجاجه عن سوء البنية التحتية وتردي الوضع البيئي والخدمات الإدارية العمومية وضعف أسطول النقل، وتواصل انقطاع مياه الشرب وتذبذب نسق التزود بها..
* حراك القضية الفلسطينية
في نفس الوقت يستمر حراك الشارع التونسي في علاقة بالقضية الفلسطينية وحركات المقاومة والتنديد بتواصل الإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وتتضاعف أنشطة المساندة من قبل التونسيين والتونسيات وتتخذ في كل مرة أشكالا ثقافية واقتصادية
( مقاطعة) اكثر تنوعا وثراء.
وعرفت قافلة الصمود التي انطلقت من تونس يوم 9 جوان 2025 زخما شعبيا ومساندة واسعة من قبل عموم التونسيين والتونسيات ورافقتها الجماهير في مختلف محطاتها، كما ساندت كل قراراتها رغم عدم قدرتها على تجاوز منطقة سرت الليبية وتحقيق هدف فك الحصار على غزة.
وحافظ الفاعل الاحتجاجي على نسق شبه مستقر في توزع التحرك والاحتجاج على امتداد اشهر النصف الاول من العام. فكان المستوى متقارب في الحصيلة الشهرية اين شهد شهر جانفي 483 تحركا احتجاجيا في حين شهد فيفري 432 تحركا وسجل مارس 217 تحركا اما شهر افريل فعاد في العدد الى 422 تحركا وبلغ النسق في شهر ماي ال 451 تحركا وفي شهر جوان سجل المرصد الاجتماعي التونسي 379 تحركا احتجاجيا.
* مركزية التحركات
وتواصل تونس العاصمة بما تعكسه من مركزية للقرار، احتلال المرتبة الأولى من حيث الجهات التي تعرف حراكا احتجاجيا حيث شهدت لوحدها نحو 25% من مجموع الاحتجاجات المسجلة. يليها في ذلك القيروان التي شهدت 161 تحركا ثم ولاية توزر التي سجلت 147 تحركا فولاية قفصة التي تم فيها رصد 138 تحركا يليها سيدي بوزيد ب 107 تحركا وياتي بعدها نابل ب102 تحركا وتطاوين 92 تحركا والقصرين ب89 تحركا وسوسة ب84 تحركا..
ولا تستثن خارطة الاحتجاجات أيا من الجهات اين عرفت كل ولايات الجمهورية وقفات واعتصامات وحالات غضب واحتقان خلال النصف الأول من العام وكان المنسوب الأضعف في كل من ولاية الكاف التي سجلت 34 تحركا واريانة التي عرفت 32 تحركا زغوان التي شهدت 26 تحركا.
وكانت التحركات المرصودة في أكثر من 80% ميدانية، تم خلالها اساسا اعتماد الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والإضراب عن العمل فضلا عن تعطيل النشاط وإضرابات الجوع وغلق الطرقات وحمل الشارة الحمراء وأيام الغضب وحرق العجلات ومقاطعة الامتحانات ومسيرات نحو العاصمة..
في حين جاءت بقية التعبيرات الغاضبة في الإطار الرقمي، على شكل نداءات وعرائض وبيانات تنديد عبر وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
كما لم تخضع التحركات المسجلة خلال السداسي الاول للسنة، الى نوع من التوزيع الجندري، اين انتظم انتظمت غالبية التحركات في شكل مختلط ومشتركة بين الرجال والنساء.
* توجهات الحراك
وإتجه الفاعل الاحتجاجي في اكثر من 90% من التحركات التي خاضها نحو السلط الرسمية بمختلف تمثلاتها من رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة وسلط جهوية ووزارات وبلديات وولاة، أما البقية فكانت موزعة بين السلط القضائية والامنية وصاحب العمل.
ومثلت الوقفات الاحتجاجية الشكل الاحتجاجي الاكثر اعتمادا من قبل الفاعلين الاجتماعيين، اين التجأ له في 611 تحركا خلال النصف الاول للسنة يأتي بعده الاضراب الذي نُفّذ في 383 مناسبة.
وخاض المحتجون 351 يوم اعتصاما و140 يوم اضراب جوع وتم تعطيل الانشطة في 119 تحركا ونفذوا 86 مسيرة منها 16 نحو العاصمة وتوزعت بقية التحركات بين حمل الشارة الحمراء ومنع من الالحاق بالعمل واحتجاجات فنية ورشق بالحجارة وغلق مواقع العمل..
* ساحات وميادين
بالارقام ، احتل الموظفون والعمال والمعلمين والاساتذة، المرتبة الاولى فيما يهم الفاعلون الذين نظموا تحركات خلال السداسي الأول للسنة بنصف التحركات المسجلة.
يليهم في ذلك النشطاء والحقوقيين والطلبة والمساجين والصحفيين والعاطلين عن العمل، الذين شكلوا ربع التحركات التي شهدتها الساحات والميادين منذ بداية السنة.
كما عرفت نفس الفترة تحركات للسكان والفلاحين والتجار وسواق النقل الفردي والنقل العمومي للحافلات والمترو والقطار والتلاميذ والأولياء وأعوان الصحة والاطارات الطبية واحباء الفرق الرياضية واللاعبين والمهاجرين.
وانطلاقا من العينة المدروسة رصد فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي 65 بين حالة ومحاولة انتحار خلال النصف الأول لسنة 2025.
ومثلت الفئة المنتجة والناشطة من المجتمع الجزء الأكبر من المقدمين على إيذاء النفس اين شكل الشباب والكهول نسبة 70% من المقدمين على الانتحار او محاولة الانتحار وبلغ عدد الأطفال 17 وكان عدد كبار السن 3 حالات.
وفي نصف الحالات المرصودة تم اختيار فضاء السكن ليكون الاطار لإيذاء النفس، في حين توجه البقية الى الفضاء العام امام مقرات امنية او داخل فضاءات المحاكم او داخل مؤسسات تعليمية او ضيعات فلاحية لتكون فضاء لتبليغ احتجاجهم او ضيقهم وحجم الياس الذي يشعرون به، وما جعلهم يرفضون المواصلة ويضعون حد لحياتهم عبر الشنق او الحرق او تناول مواد سامة او أدوية.
* 16 حالة إنتحار
وتشمل حالات الانتحار المرصودة من قبل فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي 16 حالة انتحارا في صفوف النساء و49 حالة في صفوف الرجال.
وشهدت ولاية القيروان العدد الاكبر من حالات ومحاولات الانتحار اين شهدت 14 حالة، يليها نابل ب9 حالات وتونس ب8 حالات وبنزرت 7 حالات وسيدي بوزيد 5 حالات وكل من القصرين وقبلي وقفصة 3 حالات في كل واحدة وشهدت كل من الكاف حالتان وصفاقس مثلها.
اما اريانة وباجة وبن عروس والمنستير وتوزر وزغوان وسوسة وقابس ومنوبة فسجلت كل واحدة حالة او محاولة انتحار.
ويستمر نسق العنف خلال النصف الاول من سنة 2025، في التفاقم ويظهر بأشكال متعددة، عنف فردي، وعنف جماعي، وعنف مؤسسي، وعنف رمزي..
وساهمت حالة الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية (البطالة، الفقر، غلاء المعيشة) من تصاعد وتيرة الغضب المجتمعي، كما ادى ضعف الدولة في فرض القانون الى تزايد مظاهر وحالات الافلات من العقاب.
* عنف جسدي ولفظي
ومن جديد تعكس حالات العنف الموثقة من قبل فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي، هيمنة للعنف المسؤول عنه الذكور اساسا، والذي ياتي في الكثير من الحالات على شكل عنف ممسرح هدفه التخويف والانتقام ويطول النساء والأطفال خاصة، ويشمل العنف الجسدي واللفظي والنفسي.
ويشكل العنف الاجرامي النسبة الاعلى من ناحية الحالات المرصودة ويتوزع بين محاولات قتل وبراكاجات وعمليات سرقة وتحويل وجهة واغتصاب..
هذا وسجلت السداسية الاولى للسنة، حالات من العنف المدرسي الذي تفيد التقارير انه يعرف تصاعد في السنوات الأخيرة، سواء بين التلاميذ أنفسهم أو بين التلاميذ واوليائهم والإطار التربوي.
ومثل الفضاء العام من طرقات ومؤسسات خدماتية ومستشفيات ومؤسسات تربوية، الاطار الاول لممارسة العنف العنف، ومنها العنف الأمني، خاصة أثناء التظاهرات والوقفات الاحتجاجية، و العنف الإجرامي ( جرائم السرقة، الاعتداءات بالعنف الشديد، والقتل. وعنف الاحتجاجي ( الاعتداء على فضاءات ادارية كالمستشفيات والمؤسات الخدماتية واشعال العجلات وقطع الطريق..)
وتستمر مظاهر العنف السيبرني في الانتشار بشكل مستمر، اين تشكل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ويتحول الخطاب الرسمي السياسي ، في الكثير من الاحيان الى مجال للتروّج للعنف أو التطبيع معه.
ومن المهم التذكير إن العنف في تونس ليس ظاهرة معزولة، بل هو نتاج أزمة مركبة، تجمع بين الاقتصادي والاجتماعي والتربوي.. يقابلها ضعف في السياسات العمومية الوقائية او الردعية.
* مقاربات علمية
وأمام ما تعرف الظاهر من تفاقم مطرد، يجدد المرصد الاجتماعي التونسي دعوته الى ضرورة اعتماد مقاربات علمية في مواجهة تفشي ظاهرة العنف بمختلف أشكاله، عبر تعزيز التربية على المواطنة واللاعنف في المناهج. وتطوير آليات التدخل المبكر داخل المؤسسات التربوية والعائلية و إصلاح المنظومة الأمنية والقضائية بما يضمن العدالة والردع دون تجاوزات.
مع التاكيد على دعم المجتمع المدني وتمكينه من لعب دور في الوقاية والمرافقة.