نقابي

كلمة تأبين الأخ منعم عميرة 4 أكتوبر 2025 بمقر الاتحاد، بطحاء محمد علي تونس

الشعب نيوز / تونس -  وسط حشد غفير من النقابيات و النقابيين ، إنتظم اليوم السبت  4 أكتوبر 2025 بدار الاتحاد ببطحاء محمد علي موكب خاشع تبادل فيه الحاضرون التعازي في وفاة الأخ منعم عميرة و ألقى بمناسبته الأخ نور الدين الطبوبي الأمين العام كلمة تأبين في الفقيد العزيز هذا نصها : 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر   الطبوبي في موكب تأبين منعم عميرة: خصال كثيرة أكسبته ثقة العمال والنقابيين محليا ودوليا

   نودّع اليوم فقيدا عزيزا آخر يترجّل ليترك في قلوبنا لوعة وحزنا ويلتحق بقوافل شهدائنا وموتانا والراحلين عنّا من النقابيات والنقابيين.

   وتشاء المقادير، مرّة أخرى أن تجمعنا، أنتَ يا أخ منعم عميرة في دار الاتحاد في موكبٍ مَهيبٍ كما كنت تفعل دوما وكما جمعتنا ذات غرّة ماي 2024 ونحن ندشّن هذه الدّار. 

كنا دائما مطمئنّين إلى أنّ اجتماعنا أو تجمّعنا، في أيّ مناسبة، وافر النجاح وكثير التميّز، بما أنّك أنت وبعض الرفاق من كنت تشرف عليه في أدقّ التفاصيل، لا تكتفي بالإشراف والتسيير، بل كنت تباشر الأمر بنفسك، وتشارك الموظّفين يومهم وتسهر معهم ليلهم، وما كنّا نصل القاعة أو البطحاء أو أيّ ساحة نختارها إلاّ ونجدها في أفضل إخراج وفي أبهى صورة.

وكما كنت وكما عهدناك دوما ها أنك تجمعنا اليوم وتلمّ شملنا وتوحّد صفّنا في يوم حزين ومناسبة مؤلمة، فنلتقي لنودّعك الوداع الأخير بألم يعصر قلوبنا ودمع تحبسه مآقينا. فما أصعب هذه اللحظة وما أشدّ هذا الفراق.

جمعتَنا اليوم، أخانا منعم عميرة، كما كنت تفعل دوما، لنودّعك ونحن جميعا نستحضر أيّاما بل سنوات عديدة عرفناك خلالها مناضلا نقابيا صلبا، مخلصا للاتحاد العام التونسي للشغل، ملتزما بمبادئه وقيمه، وفيّا لمؤسّسيه وقادته العظام، تستلهم منهم التضحية ونكران الذات وتستند إلى فكرهم الوقّاد في دفاعك عن العمّال وسعيك إلى تحقيق أقصى ما يمكن من المكاسب التي تسعدهم وترفع عنهم الضيم والظلم.

رفيقُنا منعم عميرة كنت سليل أب وأمّ من أصول قرقنية لأب عامل بميناء تونس، منذ ولدت في 8 اوت 1960 بباب الجزيرة بالعاصمة أين نشأَت وتربّيت ودرست في مدرسة نهج المغرب ثمّ في معاهد تونس، وأنت تتلقّى دروس الحياة وفنون التواصل والمبادئ الشعبية المتجذّرة في هذه التربة الطّاهرة في أحياء العاصمة وشوارعها وبين ناسها ثمّ في مدن تونس أين كنت تتنقّل في المهمّات النقابية والمهنية.

عرفَك النقابيون وزملاؤك في العمل شخصا متفانيا منذ باشرت عملك أوّل يوم من سنة 1980 بإدارة المعدّات بوزارة التجهيز والإسكان فقضّيت ما يقارب ال 45 سنة جدًّا ومسؤوليةً وعطاءً وشعورا عميقا بالانتماء لعائلتك المهنية حتّى وانت على ذمّة الاتحاد.

أنت الذي باشرت عملك النقابي منذ بواكير سنوات عملك وحصولك منذ الوهلة الأولى على ثقة زملائك وزميلاتك، بدءا كنائب نقابي سنة 1982 ثمّ عضوا بالنقابة الأساسية لإدارة المعدّات سنة 1984، وهو ما زاد في رصيدك فرفعك سنة 1992 إلى مكتب الجامعة العامة للأشغال العمومية والبناء كما كانت تسمّى وقتها، والتي انطلق منها وبها الزعيم الخالد فرحات حشاد في تأسيس أعظم حركة نقابية وأمجد منظمة نقابية في الوطن العربي وإفريقيا جمعتْ منذ يومها الأوّل بين النضال الاجتماعي والنضال السياسي، لقناعة ثابتة أنْ لا حرّيةَ لعامل في وطن مستعمر.

 خصال و ثقة كبيرة

فقيدنا الغالي، لقد أهّلتك هذه الخصال وغيرها ومكّنك رصيدك النقابي الناصع في قطاع التجهيز والإسكان لتُنتخب سنة 2002 عضوا باللجنة الوطنية للنظام الداخلي ثمّ مقرّرا لها سنة 2006 صحبة الأخوين نورالدين الطبّوبي حبيب الطريفي والفقيدين بوعلي المباركي ومنصف كشرود رحمهما الله، بثقة واسعة، ما مكّنك من التعرّف بدقّة متناهية على أكبر عدد ممكن من النقابيين، وأن ترافقهم في عملهم اليومي، مُكوّنا فطنا، مرشدا يقظا و"قاضيا" بالعدل بين من اختلفوا، فسعيت بما أوتيت من حكمة ودراية واستبطان لقانون الاتحاد وتمثُّل لمصلحته إلى تقريب الشقّة بين المختلفين وإصلاح ذات البين وسط الفرقاء كخطوة أساسية قبل إنفاذ القانون.

  رفيقنا منعم، لقد أهلتك تلك الثقة، من بعد، لتولّى سنة 2015 الكتابة العامة للجامعة العامّة للتجهيز والإسكان، فسعيت بحرص شديد على الدفاع عن مطالب قطاعك وتحقيق ما أمكن من المكاسب للأعوان بمختلف رتبهم وأسلاكهم والدفاع عن حقوقهم، وكنت من أهمّ المؤسّسين قبل ذلك لودادية التجهيز وقضّيت فيها ثلاث دورات من العطاء والتضحية والحرص على الحقوق.

 قبل أن تفوز بالثقة مجدّدا لتكون عضوا بالمكتب التنفيذي الوطني سنة 2017، أمينا عاما مساعدا مسؤولا على قسم دقيق ومتشعب، ألا وهو قسم الوظيفة العمومية بما فيه من تنوّع وتشابك بين الأجسام الوظيفية المكوّنة له ولكن أيضا وبالخصوص، بما قابلك وقابل الاتحاد ككل، من بعض المفاوضين الميّالين للاستقواء بمراكزهم في الدولة، غير عابئين بوضعيات موظّفيهم وصامّين آذانهم عن الاستجابة لأيّ من مطالبهم،  فكنت مفاوضا عنيدا، ومتحدّثا لبقا، ذا بصيرة نافذة وشكيمة راشدة، لا تستكين في رفع راية الحقّ ولا تهادن في إعلاء شرعية مطلب، ولا تجنح إلى الشطَط، ولكنّك لا تساوم أبدا في المطلوب، فحظيت أيضا باحترام الخصوم والمفاوضين والمسؤولين الكبار في الدولة.

إشعاع دولي

لقد تحمّلت المسؤولية النقابية القطاعية والوطنية ولكنّ رفاقك النقابيات والنقابيين منحوك أيضا ثقتهم لتمثيل في المحافل الدولية: منسّقا لثلاث دورات في الاتحاد الدولي للخدمات العامة ISP وعضوا مكلّفا بالمالية في الاتحاد الإفريقي للنقابات CSI Afrique ومشاركا قارّا وفاعلا في الأشغال السنوية لمؤتمرات منظّمتي العمل الدولية والعربية منذ 2017 وساهمت بفاعلية في الدفاع عن قضيّة انتهاك الحق النقابي وحقّ التفاوض في أروقة مبنى منظّمة العمل الدولية سنة 2024 لمّا ارتفع صوت الاتحاد مدينا ضرب الحقّ النقابي.   

 في قسم الإدارة والمالية الذي انتقلت اليه منذ جانفي 2022، اكتشفنا فيك خصالا أخرى: التنظيم، الإحاطة، الاستشراف، التدقيق، ترتيب الأولويات، وفوق كلّ ذلك حسن التصرف في أموال المنظمة والحكمة في توظيفها وخاصّة طيب المعاملة مع النقابيين على اختلاف مستوياتهم والاستجابة، قدر الإمكان، رغم دقّة الظرف، إلى مطالبهم في الشأن الإداري والمالي، وهي كثيرة ومتنوّعة وفي الغالب لا تحتمل الانتظار.

في قسم الإدارة والمالية، آلت اليك مهمة تنظيم كل التظاهرات التي شهدها الاتحاد حتى 21 أوت الماضي، وقد كللت كلها بالنجاح بشهادة القاصي والداني، لكن أيضا، آلت اليك مهمة أكبر وهي الاشراف المباشر على بناء دار الاتحاد في ثوبها الجديد مع ما صاحب ذلك من نقلة المصالح الى مبنى آخر ثم اعادتها بعد اكتمال البناء.

كنا نراك يوميا تقريبا في الميدان، لا تكتفي بالتفقد والإشراف، بل تذهب إلى أبعد، فتنبّه إلى ما يمكن أن يكون نقائص، وتستبعد ما يبدو لك غير مطابق للطلب أو غير منسجم مع خصوصيات المنظّمة وموظّفيها ومنخرطيها وزوّارها. ولم يمنعك المرض في الأشهر الأخيرة من إثبات حضورك ومشاركتك بإيجابية كبيرة في كلّ المحافل وكان آخرها مساهمتك في تجمّع ومسيرة يوم 21 أوت 2025 ردّا على الاعتداء على مقرّ الاتحاد ودفاعا عنم الحقّ النقابي رغم تقدم مرضك واستفحاله.

 لقد كانت نتيجة هذا الجهد وهذا التفاني وهذه التضحية أن خرجت الدار، هذه الدّار، هذا الصرح التاريخي، في أفضل حلّة وبأرقى المواصفات العصرية والوظيفية لم يسبقنا إليها إلاّ القليلون، وزادت النقابيين فخرا بماضيهم كما بحاضرهم وخاصة بمستقبلهم المشروط بآليات عمل مواكبة للحداثة، وذلك بفضل ما أعطيته من وقتك وصحّتك وصبرك ما يفوق الطاقة ليلا ونهارا وفي كلّ الأيام والشهور على امتداد ثلاث سنوات صِعاب.

قلق على المستقبل و خوف على تونس

رفيقنا وعزيزنا منعم عميرة، ذو القلب الطيّب والروح السَمْحة والابتسامة الدائمة التي لا يمحيها عبوس عابر لا يحدث إلاّ انشغالا على الاتحاد وقلقا على المستقبل وخوفا على تونس التي أحبَبتها وأفنيت العمرَ وفيّا لها، إنّنا نودّعك اليوم بحرقة راجين من الله أن يتغمّدك بواسع رحمته وأن يدخلك فسيح جنانه، وأن يرزق زوجتك أختنا لطيفة النقابية عضو الجامعة العامّة للأشغال العمومية والإسكان والبيئة وابنيك نضال والحسَن واختيك وأخيك عماد وكلّ الأهل والأصدقاء والرفاق جميل الصبر والسلوان،

عزاؤنا في خلود ذكراك بيننا وفي رسوخ مبادئك وحبّك في عقول وقلوب النقابيات والنقابيين وفي روحك التي ستظلّ ترفرف بين جدران هذه الدّار الشامخة وفي شخص ابنيك نضال والحسن وفي نضالية زوجتك معنا في صفوف الاتحاد العام التونسي للشّغل."

"يا أيتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية فادخلي ف عبادي وادخلي جنّتي"

صدق الله مولانا العظيم

إنّا للّه وإنّا إليه راجعون

تابعوا اخباركم و صوركم عبر الرابط التالي : https://tinyurl.com/achaab-naqaby