آراء حرة

في صفة المخرج السينمائي غير المعترف به

بقلم السينمائي عبد الله الشامخ - في إطار حلقة النقاش التي ستنظّمها جمعية المخرجين التونسيين "ARFT" يوم غد الخميس 18 ديسمبر 2025  على الساعة 9:30 صباحا ضمن فعاليات الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية، «المخرج السينمائي: صفة غير معترف بها! الرهانات، الواقع والآفاق».

تطرح مسألة الإطار القانوني المنظِّم لقطاع السينما في تونس، مع التوقّف عند القانون الذي تمت صياغته على مقاس المنتج، بما همّش موقع المخرج/المبدع، وجعله خارج الاعتراف القانوني والمهني الواضح.

* من همش المخرج لصالح المنتج ؟ 

قانون 1994 لحقّ المؤلّف: كيف خدم المنتج وأضعف مؤلّفي السينما؟

صدر قانون حقّ المؤلّف والحقوق المجاورة لسنة 1994 في تونس في سياق سياسي واقتصادي اتّسم بالليبرالية وتقليص دور العدالة الثقافية من قبل الدولة، ورغم ما يحمله النصّ من اعتراف شكلي بتعدّد مؤلّفي العمل السينمائي، فإنّ تطبيقه العملي أفرز نموذجا يخدم المنتج بالأساس ويضعف موقع المخرج والكتّاب.

يرتكز هذا القانون على مركزية العقد باعتباره الآلية الحاسمة لنقل الحقوق المادية، وفي واقع قطاع سينمائي هشّ، بلا سوق توزيع حقيقية وبلا توازن قوى، تحوّل العقد إلى أداة تفويت شبه كامل لحقوق الاستغلال لصالح المنتج، دون ضمانات عادلة أو تقاسم منصف للعائدات.

هكذا، أصبح المنتج—الذي لا يُعدّ مؤلّفًا—المالك الفعلي للفيلم، فيما بقيت الحقوق المعنوية للمخرج والكتّاب نظرية، معطّلة بغياب آليات ردع، وقضاء متخصّص، ونقابات وجمعيات قوية قادرة على الحماية.

* في شفافية الايرادات

هذا الاختيار التشريعي لا يمكن فصله عن تشابه بنيوي مع النموذج الأمريكي القائم على منطق Work for Hire، حيث تمتلك الشركات المنتجة الأعمال السينمائية، غير أنّ استنساخ هذا النموذج في تونس جرى دون شروطه الأساسية، لا أجور عادلة، لا شفافية إيرادات، لا حماية اجتماعية، ولا جمعيات ونقابات فاعلة، هي في الواقع سلطة المنتج دون عدالة السوق، رغم أنّ الواقع التونسي المنتج الوحيد فعليا هي الدولة.

في المقابل، تجاهلت تونس النموذج الأوروبي—وخاصة الفرنسي—الذي يعترف بالمخرج كمؤلّف رئيسي، ويخضع نقل الحقوق لشروط صارمة، ويقرّ تقاسما إلزاميا للعائدات، ويربط الدعم العمومي باحترام حقوق المؤلّفين.

إنّ قانون 1994 ليس نصا محايدا، بل يعكس خيارا سياسيا واقتصاديا جعل السينما سلعة بلا صناعة، والمبدعين عمّالا بلا حقوق، والدعم العمومي تمويلا بلا شروط ثقافية.. لذلك، فإنّ إصلاح قطاع السينما يمرّ حتما عبر مراجعة جذرية لهذا الإطار القانوني، وإعادة التوازن بين المنتج والمخرج والمؤلّف، وربط أي تمويل عمومي بضمان الحقوق المعنوية والمادية للمبدعين.

لا سينما بلا مؤلّفين، ولا صناعة بلا عدالة ثقافيّة.